كتبت النهار
على رغم اقتناع البعض بان اطلاق صواريخ من جانب “حزب الله” في الجنوب في اتجاه مزارع شبعا او من جانب تنظيمات فلسطينية هي تحت رعايته المباشرة لا تزال بمثابة جرعة تذكيرية ولتأكيد ان هذه القوى تقف بالمرصاد في حال احتاجت اليها حركة حماس واشتد عليها الخناق في غزة ، فان مخاوف كبيرة من ان يتم توريط لبنان في الحرب اعرب سياسيون كثر عنها لا تزال قائمة حتى بعد مرور موجة الدفع الاولي للحرب .اذ يخيف هؤلاء جميعهم ورقة يقول الحزب انه على استعداد لاستخدامها من باب تهديد اسرائيل ربما ليس الا ، لكن الحسابات لا تنطبق دوما وفق ما تم الاعداد لها . فالامر مقلق في حد ذاته منذ تم تحويل لبنان المقر الرسمي لعاصمة الممانعة برعاية الحزب واشرافه واكثر في ظل معلومات عن التهميد لهذه الحرب في اجتماع عقد اخيرا في بيروت واعطى اشارة الانطلاق للعملية التي قامت بها حماس باشراف ضباط ايرانيين . ومع ان هناك اقتناعا لدى البعض بان الحزب سيحسب الف حساب قبل دخول المعركة حتى لو هدد بذلك انطلاقا من ان لبنان في 2023 هو غيره في 2006 ، فان غالبية من السياسيين لا تطمئن الى هذا التقويم على خلفية ان احتمال دخول الحزب الحرب هو قرار ايراني بحت. فاذا ارتأت طهران حاجة لدخول الحزب المعركة لا يعتقد هؤلاء ان الحزب سيتذرع بعدم قدرة لبنان على ذلك او تحميله تبعة توريطه في الحرب . اذ لا تزال سائدة بقوة المعطيات عن عدم حماسته لدخوله الحرب في سوريا الى جانب النظام السوري منعا لسقوطه انما فعل ذلك بناء على طلب ايراني لم يستطع رفضه . والمسألة تتعلق حتى الان بجملة عناصر من بينها : اولا ان جانبا مهما من العملية العسكرية التي قامت بها حماس والتنظيمات الاخرى معها يتصل بفرض نفسها كقوة فلسطينية اساسية هي الوحيدة القادرة بين كل القوى الاخرى بمن فيهم وخصوصا السلطة الفلسطينية لكي تبرر سيطرتها ووجودها وتفرض نفسها كشريكة مستقبلية لاسرائيل او كل الدول الذين لا يعترفون بشرعيتها . ومشاركة ” حزب الله” المبكرة في الحرب ضد اسرائيل ستقوض هذا المنحى وسيحرم حماس من هذا الكسب لا سيما انه سيصب في مصلحته في ظل مساعدتها في السيطرة على القرار الفلسطيني والاستحواذ عليه باعتباره شريكا لها وداعما وراعيا حتى لنشاطاتها . والكلام على مرجعية ايران في هذا الاطار ليست من باب التقليل من قرار ” حزب الله” بل لان اي معركة مع اسرائيل لا تحتاج الى تخطيط فحسب بل الى قرار كبير في نتائجه وتداعياته كما في حيثياته حول امدادات المعركة التي لم يعد يستطيع الحزب الحصول عليها خصوصا في المرحلة الراهنة سوى من ايران في ظل حال الوهن التي تعانيها سوريا وغياب الدعم الدولي باستثناء المعنوي منه على الارجح فضلا عن ان الحزب يفاخر بذلك وبالمعدات الحربية التي توفرها له ايران . ولذلك اول ما قفز الى اذهان الجميع من دون استثناء وحتى من دون اي ادلة ترجيح ان ايران وراء التخطيط والاعداد والتمويل للعملية التي قامت بها ” حماس” ضد اسرائيل على وجاهة الاسباب الفلسطينية التي تفترض ردة فعل فلسطينية قوية على الظلم اللاحق بالفلسطينيين من جانب اسرائيل . وتاليا فان حسابات ايران تبقى غير معروفة الى اي مدى قد تدفع بالامور لا سيما انها تخوض حروبا بالوكالة وعبر دول عربية مواجهة لاسرائيل ولا تخوضها على ارضها او بعناصرها بالاضافة الى خوضها معركة منع تغيير التوازنات في المنطقة في ظل المخاوف التي ارتسمت من احتمال تطبيع سعودي مع اسرائيل . وحتى ان مسؤولي حماس ادرجوا رسائل ودروس حول التطبيع من ضمن اهداف عمليتهم العسكرية على خلفية ان التطبيع يمكن ان يضع حدًا لهم ويقوي السلطة الفلسطينية على حسابهم . وهذه حسابات معقدة متداخلة مع اكثر من طرف ومصالحه فيما حصل.
ان هذه النقاط بالذات لا تعني استبعاد تدخل الحزب في الحرب في شكل مطلق. فالامر على الارجح كان متوقفا على مدى نجاح حماس في اختراق حدود اسرائيل من دون عوائق كبيرة . ويعود البعض في الذاكرة الى بعض تصريحات القياديين في الحزب على غرار رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين الذي قال في حديث لوكالة انباء ايرانية قبل بضعة اشهر ان ” عمليات المقاومة ستنتقل الى مناطق 48 ” مؤكدا انه ” سيأتي يوم في الـ48 ستكون هناك عمليات ستكون هناك مقاومة، هذا ربما لم يكن يتخيله الإسرائيلي أبداً حتى الآن ” مضيفا ان الحزب كان مع التنظيمات الفلسطينية ” بشكل دائم في كل معارك غزة السابقة ” . وهو ما لا يفترض تاليا المشاركة حكما من لبنان التي تبقى خيارا محكوما بعوامل متعددة من بينها الخشية على تهجير البيئة الشيعية للحزب من الجنوب وتدمير البنى التحتية لا سيما في مناطق سيطرته . ولا يزال كثر يعتقدون ان مصير المعركة في غزة ونوعية الرد الاسرائيلي الذي يمكن ان ينهي حركة حماس او قدرتها على الصمود قد يقرر اتجاهات الامور وما اذا كان الحزب في اتجاه فتح معركة انطلاقا من الجنوب اللبناني الهاء لاسرائيل عبر توسيع جبهات القتال معها او اذا شعر الحزب بخطر عليه فعلا علما ان التواصل الذي حصل عبر اطراف ثالثة طمأن الى ضبط المواقف وردود الفعل فيما كان لافتا نفي الحزب تسلل اي من عناصره عبر الحدود والاشتباك مع اسرائيل .
لا يزال هناك اقتناع بان ايران لم تلق ولا تلقي بكل اوراقها دفعة واحدة . وبالنسبة الى الحزب الذي يشكل نقطة الثقل لديها، فان ابرز المهام التي ستكون على عاتقه متصلة بمدى التهديد الذي يمكن ان تتعرض له ايران بالذات من جانب اسرائيل او ربما الولايات المتحدة كذلك . ولا تريد ان تفتح جبهة عليها عبر تورط الحزب في المرحلة الراهنة الذي يحسب عليها اكثر مما تحسب عليها التنظيمات الفلسطينية الراديكالية لانه عظم الرقبة لديها ولا يمكن التفريط به ، فيما نفت علاقتها بالمساهمة في ما يحصل في غزة .فضلا عن الاعتقاد ان ايران تسعى الى تأكيد دورها وحصصها وعدم عزلها في المنطقة وليس تفجيرها بحرب قد تتخطى اطار ما هو محسوب او متوقع اذا خرجت الحرب ضد اسرائيل عن اطار حقوق الفلسطينيين المبررة والتي لا يمكن لاحد انكار الاجحاف والظلم اللاحق بهم لا سيما في ظل حكومة اسرائيلية يمنية متطرفة دفعت بالامور الى الهاوية .