كتبت النهار
احبط عدم صدور بيان عن الخماسية من نيويورك حول لبنان كثيرين في ظل رهانات لا سيما ان تدعم اللجنة الحوار ودعوة الرئيس نبيه بري اليه او تعيد تأكيد بيان الدوحة على الاقل بالنسبة الى البعض . لا هذا ولا ذاك . وليس عدم صدور بيان عن اجتماع دول الخماسية الذي التأم في نيويورك صباح الثلثاء وحده ما اعطى مؤشرا سلبيا عن وجود تباعد ان لم يكن خلافات في وجهات النظر بين ممثلي الدول المجتمعة ، تماما على غرار الاجتماع الاول للخماسية الذي حصل في باريس في 6 شباط الماضي ولم يصدر عنه بيان بسبب الخلافات بين اعضائه ، بل كل الحيثيات التي تم تسريبها عن الاجتماع لجهة المدة القصيرة التي استغرقها واقتصار مشاركة السفير السعودي لدى المنظمة الدولية فيه لمدة ربع ساعة فحسب. الاشكالية في هذه الاطار ان هناك انطباعا بالعودة الى الوراء الى ما قبل اتفاق الدوحة في منتصف تموز والذي سمح بصدور بيان عن اللجنة الخماسية فيما انه وبينما الانظار توجه الى ما يمكن اقناع ايران به لفك اسر الاستحقاقات اللبنانية ، فان اولوية التوفيق بين وجهات نظر افرقاء الخماسية تبرز الى الواجهة كما لو ان وحدة المواقف بينها تشكل امرا بعيد المنال على رغم الجهد الذي بذله الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في التأكيد انه يمثل الخماسية. ما حصل على صعيد اجتماع نيويورك يدحض ذلك فيما يكثر الكلام في بيروت على تناقض في المقاربة الفرنسية نفسها حتى حين كان لودريان في بيروت بحيث تلقت جهات اتصالات من مستشاري الاليزيه تذهب عكس ما اعلنه لودريان ما ساهم في عودة الثنائي الى التشبث بمرشحه سليمان فرنجيه. وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه ، فان النتيجة سلبية للقاء ثالث لخمس دول التقت في الاساس على رغبة مشتركة لديهم في وضع استراتيجية حول كيفية مساعدة لبنان للخروج من ازمته بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية . هذه الاستراتيجية لم تنجح حتى الان .
وفيما ساد في الاساس ايضا ان ايا من الدول لا تسعى او تزعم ان لديها صلاحية تسمية الرئيس العتيد فيما ركزت على انه ليس مسؤوليتها وهو عمل سيادي يقع على عاتق البرلمان اللبناني ، ثمة خلل جوهري لحق بهذا البند مع التورط الفرنسي في معادلة لا تزال تجرجر ذيولها ولم تنته لبنانيا والبعض يقول فرنسيا ايضا . هل يضاف فشل الخماسية الى فشل البرلمان اللبناني في مهمته انتخاب رئيس للجمهورية ؟ وهو امر صادم نتيجة ليس نتيجة عمق الازمة التي يعيشها لبنان، بل نتيجة عدم قدرة دول الخماسية على ترجمة التوجهات التي جمعتها . يضاف الى ذلك اعلان هذه الدول في اجتماعها الاخير في الدوحة بانهم يمكن ان يمارسوا ضغوطا على المسؤولين في لبنان مع الاقرار بان الضغط الخارجي لن يكون كافيا وحده ولا بد من ملاقاته في ضغوط داخلية ايضا على خلفية ان الستاتيكو القائم غير مقبول ولا يحتمل البلد استنزافا مماثلا لما عاشه لمدة عامين ونصف عام من اجل انتخاب رئيس للجمهورية . فلا هذا حصل ولا ذاك ايضا ولم تتخذ اجراءات او تحصل انعكاسات سلبية على المعرقلين لعملية الانتخاب . وليس ما طرحه لودريان من ضرورة الذهاب الى مرشح ثالث بالجديد بل هو الموقف المتفق عليه عملانيا منذ اجتماع باريس والذي ابلغ الى الجميع انذاك بدءا من رئيس مجلس النواب نبيه بري بان هناك امرا واضحا لا يمكن القفز فوقه وهو ان هناك مرشحين معلنين او من يدعم مرشحين معينين لا يملكون في الواقع الاصوات الكافية للفوز . ولذلك على هؤلاء التنحي جانبا لان الوضع لم يعد يحتمل ترف حصول المزيد من ذلك بعد اربعة اشهر فقط من التعطيل والذي يندرج تحته التصويت بورقة بيضاء لان هذا لا يكتسب طابع القيام بالواجب الدستوري في انتخاب رئيس. وتاليا يقع على من يدعم مرشحين لن يحصلوا على الاصوات اللازمة ان يجروا حساباتهم واستخلاص النتائج والانطلاق الى مرحلة اخرى . كان هذا قبل جلسة 14 حزيران والذي لم ينجح فيه الثنائي في تأمين اكثر من 51 صوتا لسليمان فرنجيه في مقابل 59 صوتا حصل عليها المرشح المنافس المدعوم من المعارضة جهاد ازعور .
اليوم وبعد مقاربة انتهاء الشهر الحادي عشر على الشغور ، وفيما جرب الفرنسيون معادلة رئاسية لم تنجح، فان الرسالة من الخماسية تبقى هي نفسها انما من دون تجاوب في الداخل اللبناني مع نسف الثنائي الشيعي المحاولة الاخيرة للودريان بالاعلان عن الاصرار على مرشحه مجددا اقله علنا . وقد واجهت الخماسية اخيرا تحدي ان تضغط فحسب وبقوة على القوى السياسية التي اظهرت تجاوبا مجددا الذهاب الى مرشح ثالث، وذلك حتى عبر اصدار بيان يدعو الى الحوار بحيث يعطي اوراق قوة للثنائي الشيعي الذي لا يبذل اي جهد في المقابل او يظهر اي تنازل فيما يبيع بري الداخل والخارج من كيس الدستور الذي يفترض عقد جلسات لانتخاب رئيس فحسب ولا يدعو الى حوار استباقي عبر الدعوة الى حوار بغض النظر عن نتائجه على ان يعقب ذلك جلسات متتالية . هذا الحذر يرجح ان يكون نتج عما نقل على لسان وكيلة وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية فكتوريا نولاند بعد لقائها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في نيويورك من دعم واشنطن لحوار لبناني لبناني ، فسر سريعا في الداخل او وظف في اطار دعم مطلب فريق في وجه فريق اخر ، بغض النظر عن واقع ان مبدأ الحوار هو ما يجب ان يسود في شكل عام. ولكن السياق الحالي له مثير للخلاف وقد اضيف الى مخالفة اجتماع نيويورك توقعات البعض ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من اوستراليا في اطار تصحيحه التباسا حول موقفه الداعم للحوار من ان الحوار هو عبر التصويت في البرلمان . فانتزع بدوره ورقة تم توظيفها من البعض في اطار الصراع الداخلي فيما يؤخذ على الثنائي الشيعي مجددا تمترسه وراء مواقفه من دون اظهار اي نية للتسوية على الاقل .