الرئيسيةمقالات سياسيةهل يمكن تجنّب العودة إلى الحرب الأهليّة اليوم؟

هل يمكن تجنّب العودة إلى الحرب الأهليّة اليوم؟

Published on

spot_img

تشبه التطوّرات الجارية في لبنان اليوم إلى حدّ بعيد التطوّرات والأحداث التي جرت بين عام 1969 وعام 1975 ومهّدت آنذاك للحرب الأهلية التي استمرّت 15 سنة وانتهت باتفاق الطائف.
ما جرى أخيراً من أحداث أمنيّة متنقّلة بين مختلف المناطق اللبنانية من مخيّم عين الحلوة وصولاً إلى حادثة الكحّالة يؤكّد أنّ الوضع اللبناني ليس على ما يرام، في ظلّ فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال ودعوات إلى تحقيق الأمن الذاتي وحمل السلاح والتشكيك في دور الجيش اللبناني والأجهزة الأمنيّة واعتماد الفدرالية ومواجهة سلاح الحزب تحت عنوان: مواجهة الاحتلال الإيراني، مؤشّرات تؤكّد أنّ الأوضاع اللبنانية تمرّ في مرحلة خطيرة، يضاف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية والماليّة والمعيشية والاجتماعية الصعبة، واكتشاف عشرات العملاء وشبكات التجسّس للعدوّ الإسرائيلي، مما يؤكّد أنّ الأمور ليست على ما يرام.
يضاف إلى كلّ ذلك حملات تجييش إعلامية وسياسية شعبية تدعو إلى المواجهة أو التقسيم أو إقامة جمهورية مستقلّة عن جمهورية الحزب وحلفائه. وعلى الرغم من كلّ المبادرات الحوارية واللقاءات الوطنية التي أُقيمت طوال الأشهر الماضية من قبل بعض المرجعيات الدينية أو المؤسّسات الحوارية، يتقدّم خطاب التصعيد والتجييش، وتشكّل الأحداث الأمنيّة المتفرّقة سبباً مباشراً للاستغلال من أجل التحريض على الحرب، إضافة إلى محاولة بعض التقديرات والتحليلات السياسية ربط ما يجري بتعثّر الاتفاق السعودي – الإيراني أو بالتصعيد الحاصل في سوريا والمنطقة أو بالتهديدات الإسرائيلية، من دون أن يتأكّد هذا الربط حتى الآن، لأنّه يبدو أن لا مصلحة مباشرة للقوى الدولية والإقليمية بالعودة إلى إشعال الحرب في لبنان، وأنّ مصلحة معظم الأطراف الخارجية الحفاظ على الاستقرار الهشّ في لبنان إلى حين التوصّل إلى تفاهم سياسي شامل في المنطقة ولبنان.
لكنّ السؤال الأهمّ اليوم: هل يمكن تجنّب العودة إلى الحرب الأهليّة؟ ما هي مسؤولية الأطراف اللبنانية عن ذلك؟

نحن أمام مرحلة خطيرة ودقيقة، وكلّ الاحتمالات ممكنة، لكنّ القرار اليوم يعود للأطراف اللبنانية

على الرغم من كلّ أجواء التجييش الإعلامي والسياسي والشعبي، وعلى الرغم من كلّ الأحداث الأمنيّة التي حصلت خلال الأشهر الماضية، لا يبدو حتى الآن أنّ هناك قراراً بالعودة إلى الحرب الأهليّة، الأطراف الأساسية تحاول دائماً لملمة الأحداث وعدم السماح بتطوّرها إلى صراع مفتوح، منذ أحداث خلدة وشويّا والطيّونة وصولاً إلى ما يجري في عكّار وأحداث القرنة السوداء، ومروراً بأحداث مخيّم عين الحلوة وحادثة عين إبل، وانتهاء بحادثة الكحّالة وغيرها من الأحداث الأمنيّة المتفرّقة.
لكنّ ذلك لا يمنع من التخوّف من استمرار التصعيد الأمني والإعلامي إلى حين توفّر الظرف المناسب لإشعال الساحة اللبنانية، وهذا يتطلّب من جميع الأطراف إدراك خطورة ما يجري وإجراء مراجعة سريعة للتطوّرات والخطاب والأداء، وقد يكون الحزب المعنيّ الأوّل بما يجري لأنّه الطرف الأقوى بسلاحه والأكثر قدرة على امتصاص الأحداث وتقديم خطاب استيعابي والذهاب إلى حوار معمّق مع جميع المكوّنات اللبنانية والاستماع إلى هواجسها ومخاوفها، وعدم الاكتفاء بالحوار مع التيار الوطني الحرّ على الرغم من أهميّة هذا الحوار.
بالمقابل يفترض بالأطراف الأخرى، بخاصة القوات اللبنانية وحزب الكتائب، أن تدرك أنّ الظرف اليوم لا يشبه ظرف عام 1975، وأنّ مواجهة سلاح الحزب بالقوّة ستكون لها تداعيات خطيرة، فسلاح الحزب ليس كالسلاح الفلسطيني، وهو قوّة داخلية لها امتداد داخلي، وأيّ ذهاب إلى حرب جديدة تعني الانتحار الكامل. وأمّا بقيّة الأطراف، وخصوصاً في الساحتين السنّية والدرزية، فهي مسؤولة اليوم عن إطلاق خطاب وحدوي وحواري، وعن أن تكون السدّ المنيع لمنع العودة إلى الحرب مجدّداً، بل أن تكون الداعمة للحوار الداخلي والوصول إلى تفاهم شامل حول كلّ الملفّات والعودة إلى الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف كاملاً والاتفاق على استراتيجية جديدة للدفاع والإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

نحن أمام مرحلة خطيرة ودقيقة، وكلّ الاحتمالات ممكنة، لكنّ القرار اليوم يعود للأطراف اللبنانية، فإمّا أن تأخذ البلد إلى حرب أهلية جديدة بعناوين وأشكال مختلفة، أو أن تذهب إلى تسوية شاملة تعيد البلاد إلى الأمن والاستقرار وانتظام المؤسّسات، وتقع المسؤولية في ذلك على الجميع من دون استثناء.

أحدث المقالات

لوائح بأسماء المرشحين للرئاسة: حرق المبادرات وهدر الفرص

يتعاطى الأفرقاء اللبنانيون مع الاستحقاق الرئاسي بانعدام الجدّية، كما مع كل المبادرات أو المساعي...

 الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري

بعد أسابيع الانشغال بزيارة الموفد الفرنسي الخاص جاء دور الانشغال بزيارة الموفد القطري للأيام...

رسالة سعودية وتهديد عوكر والتحرك القطري

إختزن الأسبوع الفائت عدداً من الوقائع المتفرقة حيال المأزق اللبناني، الذي تقر مصادر المعلومات...

بصمات شاب من الشرق الأوسط

ذات يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل...

المزيد من هذه الأخبار

  موجات النزوح تجدّدت ومداهمات للجيش

ملف النازحين مفتوح على شتى الاحتمالات، مع تزايد موجات النزوح خلال اليومين الماضيين عبر...

 اجتماع نيويورك: انتخاب الرئيس لا يزال مؤجلا

تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار...

الحقيقة المرّة: لبنان ليس على طاولة التفاوض

في خضمّ الغموض المتواصل حول مصير الجهود الخارجية للتوصّل إلى اتفاق على انتخاب رئيس...

هويّة الرئيس عنوان المرحلة..

منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، تمّ استبدال النفوذ السوري، الذي كان...

دجاجة الإنتخاب أولاً أم بيضة الحوار..؟!

ماذا تنفع كل الجهود والوساطات والإجتماعات التي تُعقد على مختلف المستويات، وخاصة بالنسبة للقاء...

دُفنت منصّة صيرفة ورأت «بلومبورغ» النور

طُويت صفحة منصّة صيرفة، ودُفنت في الدروج والدهاليز الرسمية، وستُذكر في كتب تاريخ أكبر...

الودائع أحرجت الجميع وأسقطت الاتفاق والخطة

هناك مجموعة من الأهداف للزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت...

الحزب يحاور “المسيحيين”… أحزاباً وفرادى

في مواجهة التحدّيات المختلفة التي يواجهها لبنان واللبنانيون اليوم، عمد المسؤولون في الحزب خلال...

برّي لـ«اللواء»: جلسات متتالية على طريقةانتخاب بابا روما

يكاد الرّئيس نبيه برّي يكون الوحيد الّذي يحمل على عاتقه هموم الأمن والسّياسة والرّئاسة...

 الاخبار تنشر نص وثيقة دبلوماسية من سفارة عربية في بيروت

علاقة العرب بفكرة المؤامرة ملتبسة إلى حدّ تمرير مؤامرات كبيرة لا يقتنع أحد بها،...

 لودريان: عدنا إلى النقطة الصفر

انتهت، أمس، زيارة الموفد الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان بإعادة تثبيت الوقائع السياسية...

أيّ «النصابين» مطلوب: لـ«طاولة حوار» أم لـ«جلسة انتخاب»؟!

قبل ان تنتهي الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في الساعات المقبلة،...

عين الحلوة هل يلحق بنهر البارد؟

كلام القيادي الفلسطيني الفتحاوي عزام الأحمد عن وجود أطراف خارجية تُغذي القتال المستمر في...

باب التحوُّلات فُتِح في الشرق الأوسط

في أيلول الجاري، هناك حدثان يُعتبران من علامات المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط: الأول...

مخيَّم عين الحلوة يحاكي إقليم التفاح

دخلت أزقة وأحياء مخيم عين الحلوة موسوعة خطوط التماس الإقليمية في لبنان لتنضم الى...