في الأوساط القريبة من «حزب الله» انطباعات متفائلة هذه الأيام. يُقال: سيتعب الخصوم ويراهنون على أننا سنتراجع، لكن الأمور ستنتهي وفق ما نريد.
الفكرة التي ينطلق منها «الحزب» وحلفاؤه هي أنّ الوقت يلعب لمصلحتهم. يقولون: ميزان الربح إقليمياً يميل لمصلحة إيران. لقد تجرّأ السعوديون على إبرام اتفاق خارق مع الإيرانيين، برعاية الصين، فكسروا الاحتكار التقليدي لسيطرة الولايات المتحدة على خيوط الحل والربط في الخليج العربي. وباتت المشكلة اليوم في داخل التحالف القديم، الأميركي – السعودي.
وكذلك، يقترب السعوديون من إبرام تسويات للأزمات الإقليمية التي تعنيهم، فيها تميل الدفة إلى طهران. وما يريدونه في الدرجة الأولى هو حماية بيتهم الخليجي، أي الداخل السعودي واليمن، والعراق إلى حد بعيد. وبعد ذلك، سيبذلون ما في وسعهم لتحقيق أفضل الشروط في التسويات الأخرى، في سوريا ولبنان.
وتفسير المشهد، في رأي القريبين من «الحزب»، هو أنّ السعوديين سيعقدون صفقة مقايضة: إيران تعطي في الداخل السعودي واليمن، وتأخذ في سوريا ولبنان.
ووفق هؤلاء، سيعني ذلك واقعياً أن يوقف الإيرانيون وحلفاؤهم أيّ حراك يشكل تهديداً لأمن السعودية، بما في ذلك أمنها الاجتماعي. وهذا ما ظهر في الخطوات السريعة جداً والفاعلة لوقف تهريب الكبتاغون إلى المملكة ودول الخليج. كما يعني وقف كل أنواع الإساءة إلى أمن المملكة مِن خاصرتها اليمنية، في موازاة تبريد هذه الجبهة باتفاق سياسي يراعي مصالح الجميع.
وفي المقابل، يفتح السعوديون باباً للرئيس السوري بشار الأسد كي يعود اليوم إلى الحضانة العربية التي كانت قائمة قبل العام 2011، إذ كان الأسد يؤدي دوراً داخل النظام العربي. وقد جرى الإقرار اليوم بأن تقوم المملكة بتقديم مليارات الدولارات إلى دمشق، تحت عناوين الإنماء، ولاحقاً ستتدفّق المليارات ضمن ورشة إعادة الإعمار.
كان الشرط العربي التقليدي لعودة العرب إلى سوريا هو أن يبتعد الأسد عن إيران ويقلّص من نفوذها في دمشق. وطبعاً، سيحاول الأسد إقناع العرب بأنه يبذل كل جهد لتحقيق هذه الغاية، بل إنّ إيران نفسها ستساعده على تسهيل المهمة، ولو شكلاً، وإقناع العرب بذلك. فمصلحتها أيضاً تقضي بأن يحصل على رعاية وأموال عربية. وفي هذا المجال، يأتي الكلام على إزالة أعلام إيرانية من مواقع في سوريا.
ولكن، عملياً، هذا لا يغيّر كثيراً في الواقع. وفي الواقع، يعود العرب اليوم إلى سوريا المتحالفة مع إيران وروسيا والصين. وهم سيعودون إلى منحها التغطية المعنوية والمالية كما فعلوا لعشرات السنين سابقاً.
استطراداً، ماذا عن لبنان، في ضوء هذه المعطيات؟
يقول البعض: أن تموضع الأسد في الحضن العربي، في ظل التوافق السعودي – الإيراني، سيسمح له بالتأثير في الملف اللبناني، في ظل إيران المباشر والقوي.
فلقد اعتاد العرب في لبنان، في مراحل كثيرة، أن يَتعاطوا مع سوريا، ومن خلالها يتم الاحتكاك بإيران. لقد كان يريحهم أن يتفاهموا مع طرف عضو في الجامعة العربية. وأما اليوم، فسيتعاطى السعوديون في لبنان مع إيران مباشرة، ومن خلالها مع سوريا. وفي أي حال، استنتج الجميع أنّ إيران والأسد يشكلان جبهة واحدة، وأنّ تحالفهما العميق هو مسألة حيوية للطرفين.
لذلك، التسوية المنتظرة في لبنان ستراعي إيران والأسد في آن معاً، وسيكون «حزب الله» شريكاً اساسياً فيها. وهو ما يدفع حلفاءه إلى التفاؤل بأنّ السعودية ستوافق في النهاية على طروحاته، خصوصاً في ملف الرئاسة.
ولكن، هل المملكة مستعدة فعلاً لإبرام تسوية تتجاوز حلفاءها وتشكل هزيمة مؤلمة لهم؟
بعض المتابعين يعتقد أنّ الرياض ستقاتل لتحسين ظروف التسوية في لبنان وتحافظ على مواقع حلفائها، لكنها لن تفرّط بمسار استراتيجي تسلكه، هو مسار التوافق الإقليمي مع طهران، من أجل الحصول على أفضل الشروط في لبنان وسوريا. ففي التسويات كلها تكون هناك خسائر في مقابل الأرباح.
ولكن، في رأي آخرين أنّ المملكة تتبع تكتيكاً ذكياً. فهي إذ ضمنت الأرباح في الخليج واليمن، ستترك للآخرين أن يخوضوا المواجهة، بدلاً منها، في لبنان وسوريا.
فإذا كانت الولايات المتحدة تعترض على تكريس نفوذ طهران في لبنان وسوريا، فلتأخذ أمر المواجهة على عاتقها. ويأخذ الخليجيون على واشنطن أنها تتعاطى بمقدار عالٍ من الغموض مع الملفين السوري واللبناني، منذ 12 عاماً، وتتصرف بشكل مُرتبك مع الأسد و»حزب الله».
ولهذا السبب أعلنت المملكة أخيراً مواقف أكثر تحفظاً في ملف الرئاسة في لبنان، وبَدت أكثر انفتاحاً على خيارات جديدة. لكنها تركت للبنانيين أنفسهم وللقوى الدولية المعنية أن يأخذوا على عاتقهم حسم الاتجاه.
والمملكة التي وجهت انتقادات شديدة، طوال سنوات، إلى بعض حلفائها الذين تَمادوا في مسايرة «حزب الله» والتنازل له، لن تعاكس توجهاتها السابقة، ولن تقوم هي نفسها بالطلب من حلفائها أن يتنازلوا هذه المرة.
على الأرجح، هي ستفاوض لتحسين الشروط في لبنان. لكنها لن تذهب بعيداً في المواجهة. وفي النهاية، هذه ليست مسؤوليتها وحدها. وستراهن على أن تأخذ الأمور مداها، وتفرض الخيارات نفسها بنفسها، وفق ما يقتضي ميزان القوى في الداخل والخارج. ويكون ما كتب قد كتب.