الرئيسيةمقالات سياسيةهل يخسر المسيحيون مواقعهم؟

هل يخسر المسيحيون مواقعهم؟

Published on

spot_img

فيما يستمر الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية إلى موعد غير محدّد، يَتّجه موقعان آخران يشغلهما مسيحيّان إلى فراغٍ مُماثل في الأشهر الأربعة الباقية من هذا العام: حاكمية المصرف المركزي وقيادة الجيش. ويمكن الاعتقاد أنّ المسيحيين ربما يكونون، تقريباً، غائبين عن السلطة في لبنان، مطلع العام 2024. وهذه وضعية لم يشهدها لبنان منذ تأسيسه في العام 1920.

يقول بعض الباحثين: ربما، لن يعود التوازن الطائفي في السلطة، كما كان خلال قرنٍ مَضى من عمر الكيان اللبناني. فالفراغ في المواقع المسيحية، الذي يبدو موقتاً، يمكن أن يصبح دائماً. وفي أيّ حال، عندما ينتهي هذا الفراغ، فإنه سيترك بصماته بقوة على معادلات الشراكة وتوزيع السلطة والصلاحيات بين الطوائف.

حتى اليوم، قامت فلسفة الشراكة في لبنان على نوعٍ من المُناصفة في تَوَزّع مواقع النفوذ، بين المسيحيين والمسلمين. وهذه الشراكة مفقودة اليوم على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية بغياب رئيس الجمهورية وفقدان فاعلية التمثيل في المجلس النيابي والحكومة. وقد تصبح مفقودة أيضاً على مستوى السلطتين المالية – النقدية والأمنية – العسكرية قبل نهاية العام.

ولأنّ مدة الخلل ستطول، سيصبح الفراغ واقعاً يجب الاعتياد عليه وتجاوزه. وبعد فترة من الوقت، سيكتشف الجميع، في الداخل والخارج، أنّ هناك حاجة لتسيير شؤون البلد «بِمَن حَضر». وعملاً بقوانين الفيزياء القائلة إنّ الطبيعة تكره الفراغ، يصبح بديهياً أن يتم «ملء» موقع الرئيس، عن طريق السماح للآخرين بأن يتجاوزوه، ويصبح ممكناً الاستغناء عنه بمرور الوقت.

وليست هناك صعوبة كبيرة لتحقيق هذا التجاوز. فمنذ الطائف، برزت ثغرة خطيرة في صلاحيات رئيس الجمهورية. ولطالما رفعَ الرؤساء شكاواهم اعتراضاً، من الياس الهراوي إلى ميشال عون الذي جعلَ المسألة عنواناً أساسياً لعهده. لكن هذه الاعتراضات لم تُبدّل شيئاً في الواقع. وفَتح باب النقاش حول الصلاحيات كان يُثير دائماً شهية الآخرين لفتح ملفات أخرى ومحاولة الحصول على مكاسب إضافية.

ومنذ الطائف، اضطر الرؤساء الموارنة إلى مراعاة القوى النافذة لعلهم يَحظون ببعض الامتيازات والقوة. وفي العادة، هذه القوى هي التي تحسم في النهاية أي خلاف حول الشراكة. في المرحلة الأولى، كان السوريون هم الأقوى. وبعد خروجهم، بقي النفوذ الأكبر في يد حلفائهم.

ما لا يُعيرُه المسيحيون ما يكفي من الأهمية في هذا المجال هو أن أحداً في العالم لم يعد مستعداً للقتال من أجل الدفاع عن المواقع المسيحية وحضور المسيحيين في لبنان.

وذات يوم، طرحَ سياسي مسيحي سؤالاً على ديبلوماسي يمثّل دولة غربية كبرى في بيروت: هل توافقون، وهل يناسبكم، تبديل معادلة السلطة في لبنان، ما قد يؤدي إلى تراجع إضافي في حضور المسيحيين في مواقع القرار، أم تفضّلون استمرار هؤلاء المسيحيين في الواجهة بما يمثّلون من انفتاح على الغرب؟

وقد فوجئ السياسي بالجواب: نحن لا يهمنا هذا الأمر إطلاقاً. أنتم اللبنانيون تدبّروا فيما بينكم مسألة السلطة والشراكة والصلاحيات. فما يهمنا فقط هو أن يبقى البلد مستقراً ولا يشكل خطراً على الجوار، لا سيما إسرائيل، ولا يُزعزع حضور اللاجئين فيتدفّقون نحو أوروبا. وباستثناء ذلك، فليحكم لبنان مَن تتفقون عليه وتقبلون به. وحتى اليوم، أنتم لا تُبدون اعتراضات حقيقية على الواقع القائم. وفي الانتخابات، يُظهر اللبنانيون رغبة في التعايش مع القوى النافذة.

وسُئل هذا الديبلوماسي: حتى لو كانت هذه القوى النافذة هي «حزب الله»، حليف طهران؟ فكان جوابه: لا مشكلة لنا مع أيّ كان يُمسِك بالسلطة في لبنان، ما دام يفهم الحدود ويلتزمها.

في ضوء هذه المعطيات، تبدو لعبة السلطة في الداخل اللبناني متروكة للأقوى. والعرب والغربيون يفضّلون التعاطي مع الذي يمتلك القرار والقدرة على تنفيذه، ولا يهمهم أمر الضعفاء والعاجزين. وما يجري اليوم بين أركان مجموعة الخمسة هو تحديداً بَحث عن صيغة لإرضاء الأقوى، أي إيران و»حزب الله»، أو لملاقاته إلى منتصف الطريق.

الفرنسيون كانوا الأشد صراحة فطرحوا تسوية ترضي هذا المحور، وسَعوا إلى تسويقها. طبعاً، كثير من المسيحيين في لبنان يتهمون باريس بأنها باعَت «لبنان الكبير» الذي أعلنت قيامه قبل أكثر من 100 عام مقابل حفنة من الدولارات وبضع آبار من الغاز.

لكن الفرنسيين يعيدون الكرة إلى ملعب هؤلاء أنفسهم: تُرى، مَن هو الذي تحالف مع محور «حزب الله» وإيران ودمشق، ولو كان الثمن تكريس النفوذ في البلد؟ ومَن هو الذي مارسَ السلطة بِوَهج هذا المحور سنوات وسنوات؟ وفي أي حال، ذات يوم ستتم التسوية المنتظرة، وسوف يظهر إذا كان المعترضون اليوم على الطرح الفرنسي سينجحون في تحقيق ما هو أفضل.

مشكلة المسيحيين في لبنان تكمن أولاً في أن قياداتهم بمعظمها لا تدرك أن أحداً في العالم لم يعد مستعداً للإنصات إلى ما تقوله. والمشكلة تكمن ثانياً في عدم تقدير هذه القيادات لحجم المخاطر الداهِمة على لبنان «القديم»، وعدم استخدام ذكائها لابتكار نهج جديد في المعالجة، تَركيز بعضها فقط على تحصيل المزيد من المكاسب الشخصية.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...