طوال ثمانٍ وأربعين ساعة طوّقت القوى السياسية مجتمعة، باستثناء التيار الوطني الحر، مجلسَي الوزراء والنواب لضمان حصول التمديد لقائد الجيش جوزف عون وليس العكس. حفلة الجنون هذه لم تكن فخّاً لإسقاط التمديد، بل لإيجاد كلّ الطرق الممكنة لتحقيقه بعد ضغط هائل داخلي مسيحي تحديداً، ودولي متمثّل باللجنة الخماسية. أمّا عين التينة التي اتُّهمت بمحاولة إيجاد أرانب لإسقاط عون في سيناريو وصفته مصادرها بالهوليووديّة، فإنّها والسراي الحكومي خاضا معارك جدّية مع ضبابيّة موقف الحزب ليخرج أخيراً الحلّ من مجلس الوزراء المنعقد اليوم.
خرج الحزب عن صمته لأول مرّة على لسان النائب حسن فضل الله للقول أنّ قراره سيقوله في مجلس الوزراء وانه لم يكسر التوازنات الوطنية، وأنّ لا خلاف مع الرئيس برّي حول الموضوع.
في ساحة النجمة، تخوّف البعض أن يُطيّر الثنائي نصاب جلسة مجلس النواب اليوم بهدف عدم إقرار قانون رفع سن التقاعد لكل الأسلاك العسكرية لعام واحد، وهي الصيغة التي عملت عليها عدد من الكتل في الساعات الاخيرة. امّا بعض المصادر السياسية والدبلوماسية إلى حد سواء، اعتبرت أنّ تطيير نصاب جلسة مجلس النواب اليوم الجمعة أكبر من أن يتحمله أحد لاسيما الرئيس نبيه برّي الذي ضرب على صدره أمام أكثر من مرجع داخلي وخارجي: “عندي”. حجم الضغط في البلد أكبر من أن يتحمل أحد تعطيل التمديد الذي وصل يقينه إلى حدّ قول النائب أبو فاعور أنه سيحصل في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب أو في المجلسين معاً.
جلسة تشريعيّة هادئة قبل العاصفة
مرّ اليوم الأوّل من الجلسة التشريعية بسلاسة فأقرّ المجلس عدداً من البنود وأُعيدت أخرى إلى اللجان المشتركة. وذلك ضمن اتفاق سياسي قضى بانتظار يوم الجمعة لاستكمال الجلسة وبحث صيغة مشتركة توافق عليها كتل القوات اللبنانية، الاعتدال الوطني وتجدّد واللقاء الديمقراطي وعدد من النواب المستقلّين لرفع سنّ التقاعد لكلّ الأسلاك العسكرية. إلا أنّ مرجعاً نيابياً عبّر لـ”أساس” عن تخوّفه من تطيير الثنائي لنصاب الجلسة عند الوصول إلى القوانين المعجّلة المكرّرة، وذلك ضمن اتفاق سياسي حصل بين الحزب والتيار الوطني الحر على عدم إنجاز التمديد في قانون في مجلس النواب، بل إصداره في قرار في مجلس الوزراء، على اعتباره قراراً قابلاً للطعن مع وقف التنفيذ. وقال المرجع النيابي إنّ الحزب أبقى على موقفه ضبابياً مراعاة لحليفه المسيحي وحسم موافقته بما يراعي مصلحة النائب جبران باسيل فاتحاً له أبواب الطعن بالقرار.
جلسة اليوم ستقرّ تأجيل تسريح قائد الجيش جوزف عون ستّة أشهر، وسوف تملأ شغور المجلس العسكري في مقاعده الدرزية والشيعية والأرثوذكسية ومنهم رئيس الأركان
في المقابل، أكّدت مصادر أخرى سياسية ودبلوماسية حاسمة بأنّ لا مصلحة لأحد بتطيير النصاب لا سيّما الرئيس برّي الذي نجح في عقد جلسة تشريعية، وضمن لأكثر من مرجع إبقاء الجلسة مفتوحة لإقرار القانون.
وتضيف هذه المصادر أنه بعدما التزم برّي بإقرار القانون بعد عجز الحكومة عن إقرار تأجيل التسريح في الأسابيع الأخيرة، يصعب عليه التراجع حتى لو أعادت الحكومة بند تأجيل التسريح إلى طاولتها، لأنّ بريّ يدرك تماماً أنّ زحمة الجهود السياسية الداخلية والخارجية في لبنان لم تكن نزهة. وأنّ التوازنات الوطنية والتفاهمات التي حصلت مع ممثلي اللجنة الخماسية من جهة والبطريركية المارونية من جهة ثانية لا تقبل الطعن.
مقدّمو القانون: لا تراجع
في بداية الجلسة، توجّه النائب جورج عدوان إلى الرئيس برّي سائلاً إيّاه عمّا إذا كان القانون الذي تقدّمت به القوات سيناقَش في حال إقرار تأجيل التسريح في مجلس الوزراء. فأجاب الرئيس برّي أنّ “عمل مجلس النواب منفصل، وما خصنا بالحكومة”.
يضاف إلى هذا الكلام تصميم الكتل على مناقشة وعرض القانون والتصويت عليه بغضّ النظر عن قرار مجلس الوزراء، أوّلاً ليكون القانون أشمل وأكثر عدالة، وثانياً لتحصين موقع قيادة الجيش الذي سيطعن به رئيس التيار الوطني الحر في مجلس شورى الدولة.
يقول عضو كتلة الاعتدال الوطني النائب سجيع عطية لـ”أساس” إنّه في حال قال رئيس المجلس نبيه بري إنّ هدف القانون قد أُنجز في مجلس الوزراء، فإنّ الكتل المتوافقة مع بعضها ستصرّ على طرح القانون على اعتباره يطال الأسلاك العسكرية الأخرى والرتب الأخرى ولا ينحصر بشخص قائد الجيش، وهو ما تراه الكتل الصيغة الأكثر عدلاً للجميع، ويفيد الدولة بشكل خاص لأنّها ستستفيد من استمرار عمل المستفيدين من التمديد في وظائفهم قبل تقاعدهم حكماً طالما أنّهم سيستمرّون بالحصول على معاشاتهم الشهرية بعد التقاعد.
أمّا النائب ملحم الرياشي فيقول لـ”أساس” إنّ “القوات اللبنانية تنطلق من أهمية اعتبار أنّ “السبت للإنسان وليس الإنسان للسبت”، وبالتالي القانون في خدمة الإنسان، ودفاع “القوات” عن بقاء قائد الجيش في موقعه هو تحصين وحماية للأمن القومي في زمن متوتّر وخطير ولا يستقيم فيه التلاعب بالأساسيات لحساب الظرفيات.”
طعن مجلس الشورى: بالوكالة أو تعيين الأعلى رتبة
أرسل وزير الدفاع موريس سليم رسالة إلى الرئيس نجيب ميقاتي يؤكّد فيها أنه يقوم بما يلزم لملء الشغور في القيادة العسكرية. مضمون الرسالة ينطبق تماماً مع كل الحلول التي عرضها التيار الوطني الحر لملء الشغور عبر صلاحيات وزير الدفاع. ستعرض حكماً الرسالة في جلسة مجلس الوزراء اليوم الجمعة وستناقش ولكنها لن تكفي لحسم القرار.
في بكركي خوف عميق من كلّ تفاصيل هذا المشهد المرتبك والسلوك السياسي الخبيث، كما وصفه مصدر مقرّب من الصرح
أمّا الكلام حول الدراسة القانونية التي أعدّها الأمين العامّ لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية تتحدّث عن شمولية هذه الدراسة بشكل أجابت فيه على كلّ احتمال لتعرّض القرار الصادر عن مجلس الوزراء على أساسها للطعن في مجلس شورى الدولة. إذ شرحت الدراسة بشكل مفصّل كلّ الاحتمالات القانونية المبنيّة على أسباب وتعليلاتها لعدم إحداث شغور في قيادة الجيش. وبالتالي فإنّ جلسة اليوم ستقرّ تأجيل تسريح قائد الجيش جوزف عون ستّة أشهر، وسوف تملأ شغور المجلس العسكري في مقاعده الدرزية والشيعية والأرثوذكسية ومنهم رئيس الأركان. حيث تفيد مصادر الإشتراكي أنّ اللواء الركن حسان عودة سيكون رئيساً للأركان.
إلا أنّ كلّ ما سبق لا يلغي إرادة التيار الوطني الحر تقديم طعن بهذا القرار في مجلس شورى الدولة معوّلاً على دور رئيسه القاضي فادي الياس وعلاقته الوطيدة برئيس التيار جبران باسيل. وبالتالي يعوّل باسيل على وقف تنفيذ القرار بشكل سريع لا يتخطّى أياماً قليلة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ القاضي فادي الياس تمّ تعيينه من حصّة باسيل في موقعه، لكنّه مقرّب أيضاً من السراي الحكومي. وبالتالي إذا قرّر باسيل استخدام سلطته على القاضي فادي الياس وإذا رأى الأخير أنّ مصلحته تقتضي المحافظة على مرجعيّته السياسية، يمكن القول إنّ قرار مجلس الشورى سيكون لمصلحة رئيس التيار مع ما يعنيه ذلك من خضّة ستنعكس مباشرة على الساحة المسيحية تحديداً.
يقول مرجع دستوري لـ”أساس” إنّ “الأمر لا يمكن أن يكون بهذه السهولة. إذ إنّ الطعن أوّلاً يجب أن يقدَّم من متضرّر شخصياً ومباشرة من القرار، أي من ضابط يستوفي الشروط القانونية للتعيين في منصب القيادة، كما كان الحال مع العميد الراحل حميد إسكندر الذي قدّم في عام 2015 مراجعة الطعن بقرار تأجيل تسريح العماد جان قهوجي. وثانياً بعد تقديم المراجعة سيكون على مجلس شورى الدولة أن يحيلها إلى الدولة الممثّلة بهيئة القضايا في وزارة العدل لكي تتقدّم بالجواب على المراجعة خلال مدّة أقصاها خمسة عشر يوماً، وهذه المهلة يمكن للمجلس تقصيرها إلى أدنى حدّ، كما يمكن للهيئة أن تتقدّم بجوابها بسرعة، وأن تبيّن في إجابتها المنطلقات القانونية والواقعية والطارئة التي استوجبت اتّخاذ القرار”.
بعد ذلك يفترض أن يصدر القرار من مجلس شورى الدولة عن هيئة مؤلّفة من القاضي فادي الياس مع مستشارَين اثنين يعيّنهما هو، والقرار يكون إمّا بوقف التنفيذ أو بردّ طلب وقف التنفيذ. إلا أنّ المادّة 77 من نظام مجلس شورى الدولة تتحدّث عن شروط يجب أن تتوافر في مراجعة الطعن لكي يجوز لمجلس شورى الدولة اتّخاذ قرار وقف التنفيذ، وهي شروط تتطلّب أوّلاً أن تكون أسباب الطعن جدّية ومهمّة، وثانياً يجب أن يترتّب على تنفيذ القرار ضرر بليغ على المتضرّر الذي قدّم الطعن. وهنا في هذه الحالة يفترض بمجلس شورى الدولة أن يتثبّت من وقوع ضرر بليغ على المستدعي، وهو أمر مستبعد. كما يفترض بالمجلس أيضاً وبالمقابل أن يتوقّف عند الضرر البليغ الذي يمكن أن ينتج عن وقف تنفيذ قرار تأجيل التسريح، وفي هذه الحالة الضرر البليغ الذي يمكن أن ينتج عن فراغ قيادة الجيش من قائده.
بكركي: لا لتخطّي الخطوط الحمر
في بكركي خوف عميق من كلّ تفاصيل هذا المشهد المرتبك والسلوك السياسي الخبيث، كما وصفه مصدر مقرّب من الصرح. وعليه قام البطريرك الراعي في الساعات الأخيرة بسلسلة من الاتصالات عبر وسطاء له بمراجع سياسية من عين التينة إلى جنيف لعدم تخطّي الخطوط الحمر في السياسة تخوّفاً من إسقاط الموقع الماروني الثاني في الدولة. في العمق المسيحي لا مجال للمقارنة بين مصرف لبنان والمؤسسة العسكرية، وبالتالي ما جرى في حاكمية المصرف لا يمكن أن يحصل في المؤسسة العسكرية ليس فقط لأسباب قانونية. فقانون النقد والتسليف واضح لجهة تولّي نائب الحاكم الأول الصلاحيات في حالة الشغور. لكنّ الدستور وقانون الدفاع لم يلحظا فراغاً في قيادة الجيش، وبالتالي ما تتعرّض له المؤسسة خطير على أكثر من مستوى، وليس فقط على مستوى التمثيل الطائفي، بل وعلى مستوى سلامة وتماسك المؤسّسة أيضاً.
في الخلاصة انتهى نشاط بكركي في الساعات الماضية إلى تثبيت موقفها الداعم للتمديد، وهو موقف يتقاطع مع مواقف اللجنة الخماسية التي عبّر عنها سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري في زيارته الأخيرة للصرح.
أمّا كلّ الكلام عن أنّ على قائد الجيش أن يرفض كلّ ما يحصل وأن يقرّر أن يخرج من قيادة المؤسسة فليس في مفهوم الصرح سوى مزايدات عليه لإخراجه ومحاولات لوضعه في غير مكانه، لأنّ المصلحة الوطنية تقتضي بقاءه على رأس المؤسّسة والأمل أن يستفيق المعطّلون لانتخاب رئيس الجمهورية من غيبوبتهم أو بالأحرى من غرقهم في مصالحهم.