الرئيسيةمقالات سياسيةهل ولد الإتّفاق السعودي الإيراني في اللحظة المناسبة

هل ولد الإتّفاق السعودي الإيراني في اللحظة المناسبة

Published on

spot_img
في ما يمكن اعتباره أول إنقلاب للنظام السوري على القمّة العربية وإعلان جدة، أكد وزير الخارجية فيصل المقداد في حديث لـ«شبكة شام» بتاريخ 22/5/2023، رفض نظامه العمل بسياسة «الخطوة مقابل خطوة» التي أعلن عنها خلال إجتماع عمان الذي جمعه مع وزراء خارجية (السعودية والأردن والعراق ومصر) مطلع الشهر الحالي لإيجاد حل للأزمة السورية. أضاف المقداد في سياق تعليله للرفض «أنه لا يمكن للاجئين أن يعودوا مباشرة إلى سوريا، مدّعياً بأنه يجب تهيئة الظروف لهم قبل قدومهم….. وأنه لم يتمّ الحديث عن خطوة بخطوة في الإجتماع بل تحدّث مع الوزراء العرب على اتّخاذ خطوات من أجل الوصول إلى حلول للأوضاع التي مرت بها سوريا نتيجة تصديها للإرهاب التي تعرّضت له والمدعّم من قبل أميركا والغرب».
يأتي الموقف السوري بالتزامن مع التغيير غير المتوقع المتمثل بإبعاد علي شمخاني عن رئاسة مجلس الأمن القومي، وهو أحد أبرز الساسة في دوائر صنع القرار الإيراني وصاحب الدور البارز في المفاوضات النووية، وفي رسم سياسة إيران الخارجية. آخر إنجازات شمخاني كان في المحادثات التي استضافتها بكين في مارس 2023، والتي انتهت بتوقيع إتّفاق عودة العلاقات السعودية – الإيرانية، الذي منح إيران فرصة الخروج من العزلة الإقليمية ومراجعة علاقاتها مع دول الجوار.
وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التغيير في دولة تتّخذ فيها القرارات بمركزية لا حدود لها وبصرامة لامتناهية، فلا يمكن اقتصار أسبابه على ما اعتُبر تجاوز شمخاني لدور وزير الخارجية أمير عبد اللهيان في إدارة ملف العلاقات العربية دون التساؤل عما إذا كانت إيران بصدد مراجعة سياستها مع دول المنطقة وفي مناطق نفوذها، في الوقت الذي لا تزال دول المنطقة تراقب مواقف إيران وترصّد حدود التغيير والإستمرارية في سياستها.
على المقلب التركي،كان للرئيس رجب طيب أردوغان موقفان متقاطعان بشكل سلبي مع المقاربة العربية للأزمة السورية في مسألتيّ الإنسحاب من سوريا وعودة اللاجئين. لقد جدد الرئيس التركي رفض إنسحاب قوات بلاده من شمال سوريا معتبراً إنه « لا يمكن القيام الآن بخطوة لسحب القوات التركية لأن ذلك يشكّل ضعفاً أمنياً في المناطق الحدودية» مضيفاً: «لدينا أكثر من 900 كيلومتر من الحدود مع سوريا، وهناك تهديد إرهابي مستمر لبلادنا من هذه الحدود وأعتقد أنه بفضل صداقتنا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يمكننا التعاون بشكل وثيق في حربنا ضد الإرهاب…». كما أضاف وزير دفاعه «خلوصي أكار» في الموضوع عينه خلال مقابلة تلفزيونية ليل الثلاثاء/ الأربعاء (23-24 مايو/ أيار): «نحن نساهم بشكل ما في وحدة أراضي سوريا…. إتفقنا على إنشاء مركز تنسيق عسكري في سوريا في إجتماع شارك فيه وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران في موسكو 10 مايو/ أيار ،كما إتفقنا على استمرار المفاوضات لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا».
وفي مسألة عودة اللاجئين أشار اردوغان أنها «مدرجة على أجندة مسار الحوار الرباعي المتواصل بين تركيا وروسيا وإيران وسوريا، وأن هناك مؤشرات إيجابية للغاية بهذا الخصوص» مؤكداً العمل على خطط لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إلى ما أسماه «المناطق الآمنة» التي أنشأتها تركيا في شمال سوريا.
الملفت للنظر هو الموقف الذي اتّخذته الهيئة السياسية للإئتلاف الوطني السوري في رفض آلية «الخطوة مقابل خطوة»، ورفض أي مبادرات أو آليات لا تؤدي بشكل عملي وواضح إلى التنفيذ الكامل والصارم للقرار «٢٢٥٤» (٢٠١٥)، تمهيداً للوصول إلى تحقيق الإنتقال السياسي في سوريا. واعتبرت الهيئة أن إعطاء النظام حوافز بعد إثبات تعطيله ورفضه للعملية السياسية في جنيف، سيدفعه إلى المزيد من التعنت، وإعاقة تنفيذ القرارات الدولية، لجني المزيد من التنازلات والإلتفاف على القوانين الدولية وإعاقة تحقيق العدالة التي ينشدها الشعب السوري.
يتماهى التراجع السوري عن مقررات مؤتمر عمان مع نتائج زيارة الرئيس الإيراني لدمشق في الرابع من أيار / مايو وتوقيع رزمة من الإتفاقيات الثنائية لاستباق أي نتائج قد تترتب على عودة سوريا الى الجامعة العربية والبحث عن تسويات لتحويل مناطق النفوذ القائمة في الداخل السوري الى شراكات فعلية في الحل السياسي المرتقب للأزمة وفي الهيمنة الإقتصادية على سوريا. وإذا كان الطموح الإيراني في سوريا قد وجد مساحته على خلفية تدخل الميليشيات الإيرانية لإنقاذ النظام، وتعزّز في في ظلّ شراكة مع روسيا تنامت مع تعقيدات الحرب الدائرة في أوكرانيا وتقديم المسيّرات لموسكو، فإن الموقف التركي المتمسك بعدم الإنسحاب من سوريا لديه ما يكفي من المسوّغات سواء تلك المستمدة من معارك رجب طيب أردوغان الداخلية أو من تقاطعاته مع كل من واشنطن وموسكو التي تتأرجح بين المسألة الكردية في شمال سوريا حتى اتّفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود. ومما لا شك فيه أن فوز أردوغان بالرئاسة لخمس سنوات جديدة سيكرّس تركيا شريكاً وازناً على الجغرافيا السورية.
تثير المتغيرات الآنفة الذكر تساؤلات عديدة حول رغبة النظام السوري وقدرته على الإستجابة للمبادرة العربية ومقررات مؤتمر عمان، في ظلّ مؤشرات سلبية حول جاهزية طهران لتجاوز مشروعها الإقليمي والمغامرة بمكتسباتها والإنفتاح على العالم العربي وتعنت تركي يستمد ثباته من فائض قوة ضاقت عليها الحدود. فهل تجد المبادرة العربية حول سوريا فرصة نجاحها وهل ولد الإتّفاق السعودي الإيراني في اللحظة الإقليمية المناسبة؟

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...