الرئيسيةمقالات سياسيةهل نشهد ولادة نظام إقليمي جديد في المنطقة؟

هل نشهد ولادة نظام إقليمي جديد في المنطقة؟

Published on

spot_img

تساءلنا في مقالة سابقة عما إذا كنا ننتظر ولادة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط غداة إطلاق مسارات تطبيع العلاقات في المنطقة. مسارات انطلقت بسرعات مختلفة، نظراً لطبيعة العوامل التي تحكم كل منها، إلى جانب الوساطات القائمة حالياً. وتلعب عمان دوراً أساسياً في هذا المجال، حيث ما زالت هنالك علاقات ثنائية بين قوى أساسية (حالة العلاقات المصرية الإيرانية مثلاً) تحكمها بقايا توترات قديمة ومستمرة وتتسم بالبرودة. وتعمل عمان بشكل خاص على إعادة بناء جسور الحوار والثقة بين هذه الأطراف، وقد أحدثت تقدماً في هذا المجال لا بد أن تتضح نتائجه قريباً.

القمة العربية التي انعقدت في جدة كرَّست هذه التحولات الحاصلة، من خلال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكذلك لغة البيان الصادر عن القمة والأفكار التي تضمنها فيما يتعلق بالتعاون المستقبلي في مختلف المجالات، وفي ضرورة بلورة استراتيجيات في مواجهة التحديات المشتركة. تأكيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في كلمته أمام القمة، على عدم السماح بأن تتحول منطقتنا إلى ميادين للصراعات شكَّل رسالة واضحة حول التغيير المطلوب على هذا الصعيد. التحديات كثيرة من السياسة إلى الاقتصاد إلى الأمن وإلى الثقافة والاجتماع وقضايا المناخ، والنجاح في مواجهتها يتطلب مقاربات مختلفة عما كان سائداً من قبل. مقاربات تقوم على الانخراط الفعلي، وبالتالي الفعَّال، وبالتالي التعاوني في قضايا المنطقة بغية النجاح في مقاربة هذه التحديات التي تطال الجميع. كما أن الشرط الضروري للنجاح في التعامل مع هذه التحديات المختلفة يكمن في تعزيز دور الدولة والاحترام الفعلي للسيادة الوطنية للدول. فهذا يبقى المدخل الأساسي لإقامة الاستقرار على الصعيد الإقليمي وتعزيز منطق التعاون بين الدول الذي يخدم مصلحة الجميع.

قمة جدة تشكل منعطفاً أساسياً لإطلاق عملية بناء نظام إقليمي جديد يحل مكان نظام الفوضى الإقليمية، الذي كان قائماً، والذي دفعت المنطقة دولاً وشعوباً أثماناً كبيرة بسببه. النظام الذي كان حاضناً ومعززاً لكافة أنواع الصراعات والتدخلات التي تسعر هذه الصراعات باسم عقائد كبرى عابرة للدولة الوطنية ومبررة لشرعنة التدخل بشؤونها الداخلية مما يزيد من حدة الصراعات وانعدام الاستقرار. النظام الجديد تجب إقامته على قواعد ومبادئ تحترم سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها. نظام إقليمي يكرس قواعد وأعراف لإدارة الخلافات، التي هي أمر طبيعي في العلاقات بين الدول، ولكيفية احتوائها والعمل على تسويتها إذا أمكن وعدم السماح بأن تعرض هذه الخلافات العلاقات بين هذه الأطراف إلى مخاطر الصدام. نظام إقليمي يشجع على البناء على المشترك وتعزيزه لما فيه مصلحة الجميع.

نذكر بهذا الخصوص بأن مؤتمر الأمن والتعاون الذي انعقد في بغداد في 28 أغسطس (آب) 2021 شكَّل بداية واعدة لتأسيس علاقات جديدة في المنطقة. ولكن لم تكن دورة انعقاده الثانية في عمان في ديسمبر (كانون الأول) 2022 على مستوى الطموح المنتظر حينذاك. وقد حصلت هذه كلها قبل انطلاق مسارات التطبيع. الأمر الذي لم يسمح لصيغة مؤتمر بغداد بتحقيق ما كانت تصبو إليه. الظروف تغيرت الآن بعد ما أشرنا إليه من تحولات حصلت وما زالت تتعزز على مستوى تطبيع العلاقات في المنطقة. في خضم هذه التحولات ومن أجل تعزيزها والبناء عليها حتى لا تهتز أو تضعف أمام أي تحديات في المنطقة، صار إذن من المطلوب ولوج طريق إقامة نظام إقليمي جديد. الأمر الذي يستدعي مبادرة عربية لاجتماع حوار مع كل من تركيا وإيران (حوار مثلث)، بعد التطورات الإيجابية التي حصلت على مستوى العلاقات العربية مع القوتين الإقليميتين المعنيتين. حوار يهدف لبلورة «سلة» قواعد ومبادئ، يُتفق عليها بين الأطراف المعنية، ناظمة لهذه العلاقات مستقبلاً، تسمح بإدارة الخلافات واحتوائها متى تحصل، وبلورة سياسات مشتركة للتعامل بفعالية ونجاح مع التحديات المشتركة في الإقليم الشرق أوسطي. يرى كثيرون أن ذلك ليس بالأمر السهل، ولكنه يبقى بالأمر الضروري لفتح صفحة جديدة في المنطقة هي لمصلحة الجميع… ذلك كله يستدعي أساساً بلورة تفاهم عملي عربي للقيام بدور ناشط وانخراط مبادر في قضايا وتحديات «البيت العربي» يهيئ بعد ذلك لتعاون أكثر فعالية مع القوتين الإقليميتين الجارتين. فهل تكون الأطراف المعنية على مستوى هذا التحدي؟ المستقبل القريب سيحمل من دون شك الجواب عن ذلك.

أحدث المقالات

لوائح بأسماء المرشحين للرئاسة: حرق المبادرات وهدر الفرص

يتعاطى الأفرقاء اللبنانيون مع الاستحقاق الرئاسي بانعدام الجدّية، كما مع كل المبادرات أو المساعي...

 الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري

بعد أسابيع الانشغال بزيارة الموفد الفرنسي الخاص جاء دور الانشغال بزيارة الموفد القطري للأيام...

رسالة سعودية وتهديد عوكر والتحرك القطري

إختزن الأسبوع الفائت عدداً من الوقائع المتفرقة حيال المأزق اللبناني، الذي تقر مصادر المعلومات...

بصمات شاب من الشرق الأوسط

ذات يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل...

المزيد من هذه الأخبار

  موجات النزوح تجدّدت ومداهمات للجيش

ملف النازحين مفتوح على شتى الاحتمالات، مع تزايد موجات النزوح خلال اليومين الماضيين عبر...

 اجتماع نيويورك: انتخاب الرئيس لا يزال مؤجلا

تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار...

الحقيقة المرّة: لبنان ليس على طاولة التفاوض

في خضمّ الغموض المتواصل حول مصير الجهود الخارجية للتوصّل إلى اتفاق على انتخاب رئيس...

هويّة الرئيس عنوان المرحلة..

منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، تمّ استبدال النفوذ السوري، الذي كان...

دجاجة الإنتخاب أولاً أم بيضة الحوار..؟!

ماذا تنفع كل الجهود والوساطات والإجتماعات التي تُعقد على مختلف المستويات، وخاصة بالنسبة للقاء...

دُفنت منصّة صيرفة ورأت «بلومبورغ» النور

طُويت صفحة منصّة صيرفة، ودُفنت في الدروج والدهاليز الرسمية، وستُذكر في كتب تاريخ أكبر...

الودائع أحرجت الجميع وأسقطت الاتفاق والخطة

هناك مجموعة من الأهداف للزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت...

الحزب يحاور “المسيحيين”… أحزاباً وفرادى

في مواجهة التحدّيات المختلفة التي يواجهها لبنان واللبنانيون اليوم، عمد المسؤولون في الحزب خلال...

برّي لـ«اللواء»: جلسات متتالية على طريقةانتخاب بابا روما

يكاد الرّئيس نبيه برّي يكون الوحيد الّذي يحمل على عاتقه هموم الأمن والسّياسة والرّئاسة...

 الاخبار تنشر نص وثيقة دبلوماسية من سفارة عربية في بيروت

علاقة العرب بفكرة المؤامرة ملتبسة إلى حدّ تمرير مؤامرات كبيرة لا يقتنع أحد بها،...

 لودريان: عدنا إلى النقطة الصفر

انتهت، أمس، زيارة الموفد الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان بإعادة تثبيت الوقائع السياسية...

أيّ «النصابين» مطلوب: لـ«طاولة حوار» أم لـ«جلسة انتخاب»؟!

قبل ان تنتهي الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في الساعات المقبلة،...

عين الحلوة هل يلحق بنهر البارد؟

كلام القيادي الفلسطيني الفتحاوي عزام الأحمد عن وجود أطراف خارجية تُغذي القتال المستمر في...

باب التحوُّلات فُتِح في الشرق الأوسط

في أيلول الجاري، هناك حدثان يُعتبران من علامات المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط: الأول...

مخيَّم عين الحلوة يحاكي إقليم التفاح

دخلت أزقة وأحياء مخيم عين الحلوة موسوعة خطوط التماس الإقليمية في لبنان لتنضم الى...