الرئيسيةمقالات سياسيةهل من “أخلاق سياسية” في المشهد العالمي؟

هل من “أخلاق سياسية” في المشهد العالمي؟

Published on

spot_img

أصل الفكرة حول علاقة الأخلاق بالسياسة الخارجية الأميركية كتاب للدبلوماسي والخبير العسكري جوزف ناي. عنوان الكتاب (2021): “Do Morals Matter؟” والكاتب يستعرض الأحداث البارزة منذ الحرب العالمية الثانية. ولأنّه كان مسؤولاً بارزاً في عدّة إدارات، ويعرف المشهد الداخلي الأميركي جيّداً، فهو لا يبدو عابثاً أو ساخراً، بل هو ما يزال يرى أنّ هناك اعتبارات أخلاقية مؤثّرة في السياسة الخارجية الأميركية. ومن أدلّته العجيبة على ذلك اعتباره الرئيس هاري ترومان معتدلاً وأخلاقياً لأنّه لم يستخدم السلاح النووي مرّة ثالثة كما فعل سلفه تيودور روزفلت، مع أنّ الحرب الباردة كانت قد بدأت. كما كانت القوى الغربية تعاني بشدّة في الحرب الكورية (1950-1953).

ماذا يعني ذلك؟
ناي يكتب في عام 2021 عندما فشلت الولايات المتحدة في حرب العراق. وتوشك أن تفشل في حرب أفغانستان. وجوزف ناي الباحث والخبير المتقاعد يشعر بالمسؤولية لأنّه هو مؤلّف كتاب: “القوّة الناعمة” في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وكان وقتها شديد التفاؤل وهو يصوغ مصطلح ومفهوم: “القوة الناعمة”، فقد خرجت الولايات المتحدة من الحرب الباردة منتصرة على الاتحاد السوفيتي الذي تفكّك بدون ضربة كفّ، كما يقال. هو كتاب عن زمن “نهاية الحروب”، حيث تصبح القوى الناعمة للولايات المتحدة شديدة الجاذبية: بالمساعدات التنموية وبالتعليم، وبسياسات السلم تجاه الجميع، وبالعودة للنجاح الذي حقّقته في الحرب الثانية وما بعدها.

في عام 2022 كتب جوزف ناي مقالة عن الحرب الروسية على أوكرانيا. فاعتبر دعم الولايات المتحدة وأوروبا لأوكرانيا مبرّراً حتى لا يتهدّم النظام الدولي. وقال إنّه يمكن إدخال الأخلاق في الأمر لأنّ الشعب الأوكراني مظلوم وجرى عدوانٌ على أرضه وسيادته
طبعاً ما عادت الولايات المتحدة هي “المدينة على الجبل” التي وردت في الإنجيل رمزاً للطهورية والتطهّر، وإرادة سلام البشرية وخيرها. فقد دخلت أميركا في السياسات الدولية على أوسع مدى، وحلّت محلّ القوى الاستعمارية الأوروبية القديمة، وإنْ بسياسات أقلّ قسوة وبراغماتية زائدة.
ما طال أمد التفاؤل. وفي حين اعتبر فرانسيس فوكوياما، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جونز هوبكنز يومها، الانتصار في الحرب الباردة “نهائياً”، ظلّ صامويل هانتنغتون في “صدام الحضارات” حذِراً في التبشير النهائي بالانتصار للحضارة اليهودية – المسيحية بسبب تحدّي الإسلام، وجرأة أنصاره في استخدام العنف ضدّ حضارة الغرب.
بدأ “القاعدة” يتحرّش بالولايات المتحدة منذ أواسط التسعينيات، وأعلن عام 1998 عن جبهة لمقاتلة اليهود والصليبيين. وفي حين انسحب الأميركيون من الصومال عام 1994 تحت وطأة هجمات التنظيمات العنيفة، شنّوا هجوماً بالطائرات ضدّ تنظيم القاعدة بأفغانستان الذي كان قد شنّ هجمات على السفارات الأميركية بإفريقيا، كما هاجم المدمِّرة الأميركية “كول” بخليج عدن. ثمّ كانت الواقعة المهولة بهجوم “القاعدة” على الولايات المتحدة في 11 أيلول عام 2001 وغزو الأميركيين لأفغانستان (2001) والعراق (2003)، ونشوب الحرب العالمية على الإرهاب الإسلامي المستمرّة حتى اليوم.

ماذا بعد نهاية “القوة الناعمة”؟
عند جوزف ناي سؤالان كلاهما تصعب الإجابة عليه: لماذا استبدلت أميركا الحرب بالقوّة الناعمة؟ وما هو الموقف الآن (مع نهاية الحرب الأفغانية وبداية الحرب الأوكرانية – وتقديراً: الموقف من الحرب على غزّة)؟
يرى جوزف ناي أنّ استخدام القوّة الناعمة هي الوسيلة المفضّلة، لكنّ الحرب الدفاعية (أو العادلة؟) قد تكون مبرّرة للدفاع عن الضعفاء كما فعلت أميركا في البوسنة وكوسوفو وحاولت أن تفعل في الصومال. هناك “حروب أخلاقية”، لكنّها قليلة وشروطها صعبة وسط الصراع الدولي وصعود روسيا والصين. لكنّه ما استطاع الدفاع عن حرب العراق وحتى حرب أفغانستان، وقال إنّه كان ينبغي “الضرب ثمّ الخروج”! في هذه الحروب، وبخاصة الحرب على العراق، أظهرت الولايات المتحدة ميلاً للهيمنة بالقوّة، وليس كما قالوا إنّهم آتون لبناء الدول.

لا يذكر أحدٌ الأخلاق في الحرب على غزّة ربّما باستثناء جوزيب بوريل، مفوّض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وزعماء المنظمات الإنسانية والمفوضيات
في عام 2022 كتب جوزف ناي مقالة عن الحرب الروسية على أوكرانيا. فاعتبر دعم الولايات المتحدة وأوروبا لأوكرانيا مبرّراً حتى لا يتهدّم النظام الدولي. وقال إنّه يمكن إدخال الأخلاق في الأمر لأنّ الشعب الأوكراني مظلوم وجرى عدوانٌ على أرضه وسيادته.
هل قال شيئاً عن الحرب على غزّة؟
هو لم يقُل شيئاً، لكن في مجلة “نيويورك” لمراجعة الكتب، كتب أحد تلامذته مستوحياً من كتابَيه ومن حديثٍ معه. وهو يقرّر أنّ إسرائيل ليست مهدّدة وجودياً لكن من حقّها الدفاع عن نفسها، ولا بدّ من مراعاة القانون الدولي الإنساني. وعندما سأله عن الاستشكال أنّ الأرض حول غزّة محتلّة من إسرائيل، أجابه أنّه ينبغي مراجعة ذلك بدقّة، وبخاصّةٍ أنّ المهاجمين هم تنظيم مسلَّح وليس “السلطة الفلسطينية”. وتابع السائل: “السلطة الفلسطينية تعتبرها أرضاً محتلّة، لكنّها ممنوعة من استخدام العنف بمقتضى اتفاق أوسلو (1993)”، فقال جوزف ناي: “لن تنتهي المشكلة إلّا بالوصول لحلّ الدولتين الذي بدأ العمل على مساره عام 1993، وقد أفشله المتطرّفون الفلسطينيون والإسرائيليون، فينبغي العودة إليه”.

في النهاية أين الأخلاق من السياسة الخارجية الأميركية؟
بالطبع لا يذكر أحدٌ الأخلاق في الحرب على غزّة ربّما باستثناء جوزيب بوريل، مفوّض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وزعماء المنظمات الإنسانية والمفوضيات. صحيح أنّ عدد الدول المطالبة بالهدَن الإنسانية يتزايد، لكنْ في ما عدا دولاً عربية وإسلامية ليس هناك أحدٌ معتبرٌ يطالب بوقف إطلاق النار. ولأنّ المصابين من المدنيين والأطفال والنساء يزيدون على 90% فهل يدخل ذلك في الأخلاق؟

الواضح أن ليس هناك سياسيون غربيون كبار حتى الآن يجرؤون على المطالبة بوقف النار.
فأين تقع الأخلاق من السياسات الخارجية؟

أحدث المقالات

مادة انتقاد “عونيّة” لقائد الجيش!

أضاف مسؤولون في «التيار الوطني الحر» أن إجراءات الجيش اللبناني لمكافحة تهريب الأفراد السوريين...

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب...

تقويض القرار 1701… بتواطؤ دولي

يتعامل العالم مع جرائم هائلة تسحق أهل قطاع غزة وتبيدهم، بالكثير من البرود والتجاهل...

“تطابق” فرنسي-سعودي لبنانياً.. وتحذيرات حول مصير الجنوب

أصبحت الدوامة السياسية اللبنانية الداخلية “مضجرة” في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الأساسية، لا سيما...

المزيد من هذه الأخبار

“ربط الساحات” بين غزّة… والضاحية واليرزة!

تندرج زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تحت عنوانين أساسيّين فرضتهما التطوّرات الأخيرة: – تجدّد...

بين “التيار” وبكركي لا قطيعة… ولكن!

تعثرت محاولات رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لتحسين علاقته بالبطريرك الماروني بشارة...

قطر طرحت سلّة كاملة وقدّمت ترشيحَيْ البيسري وحتّي

تكاد تكون قطر الدولة العربية الأكثر قرباً من «حماس» نظراً الى حسن علاقتها بها...

محمد رعد الجار والأب

تعود معرفتي بالنائب محمد رعد إلى ما يقارب أربعين عاماً. عرفت والده كرجل فاضل...

لودريان بعد هوكشتاين…”اطلالة” على الحدود والأفق الرئاسي المسدود

فرضت تطورات الوضع الإقليمي نفسها على المشهد الداخلي، وهو ما أسهم في “تطوير” عمل...

إنقلاب عسكري بقيادة الجيش في 10 كانون الثاني؟

بعد الإنقلاب السياسي في 31 تشرين الأول 2022 بمنع انتخاب رئيس للجمهورية، وفرض الفراغ...

قيادة الجيش: لا التعيين مُيسّرٌ ولا التمديد آمن

دونما أن تكون خافية صلة الوصل بين استحقاقَيِ الجيش ورئاسة الجمهورية، إلا أن مرور...

الفرنسيّون متمسكون بـ”مرشح ثالث” للرئاسة

يحط الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت يوم الأربعاء في زيارة تستمر...

الإزدواجية العالمية: الفيلسوف الألمانيّ هابرماس يدعم إسرائيل

“إنّ حرب إسرائيل على غزة مبرَّرة مبدئياً” ولا يجوز وصفها بأنّها تشبه المحرقة أو...

الدور القطري يتكرس.. والحل اللبناني بمفاوضة “الحزب” أولاً

تسير الوقائع اللبنانية على الإيقاع الإقليمي. الهدنة في غزة تنعكس على الجنوب، والتصعيد سيقابله...

سيناريو أميركي.. بنسخة إيرانية؟

نجاح تنفيذ أولى الهدن الإنسانية في غزة، وإتمام عملية تبادل الدفعة الأولى من الأسرى،...

معادلةٌ صعبة أمام “الحزب”… وخياران في ملفّ قيادة الجيش

يقف «حزب الله» أمام معادلة صعبة في حسمه خياراته لملء الشغور في قيادة الجيش...

“رئاسة” بعد الهدنة: المفتاح بيد الحزب

تستبعد أوساط مطّلعة أن يقود استئناف الحراك الفرنسي والقطري باتجاه لبنان إلى إحداث خرق...

جبهة لبنان معلّقة… ونية لاستئناف الحرب

بموازاة حالة عدم اليقين التي تلفّ مصير «الوقفة الإنسانية» للقتال والتي سمّيت هدنة قابلة...

الخشية من “غلاف الليطاني”

تكاد الصورة تكون متعارضة كلياً، بين ما حدث في غزة صباح السابع من تشرين...