أن تقدّم اسرائيل اعتذاراً عن استهداف حاجز للجيش اللبناني، ما أدى الى سقوط شهيد وعدد من الجرحى، لا يعني أنّها لم تكن تقصد التصويب على الجيش. اعتذارها مشابه لاعتذارها يوم استهدفت سيارة كان في داخلها ثلاثة أطفال مع والدتهم وجدّتهم. ليس الإعتذار الأول ولن يكون الأخير فعين اسرائيل على الحدود ومعركتها مع «حزب الله،» بدليل ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي أمس «اذا لم تنجح التسوية الدولية فسنتحرك عسكرياً لإبعاد «حزب الله» عن الحدود». أفصح المسؤول الإسرائيلي عن حقيقة الهدف الذي تصبو إليه اسرائيل التي تنوي أن تنفّذ خطتها لإنشاء واقع في الجنوب مشابه لواقع غزة لناحية إنشاء منطقة عازلة خالية من أي وجود عسكري لـ»حزب الله»، وهي التي اعتادت خرق القرار 1701 يومياً وسط صمت مدوٍ لقوات الطوارئ والأمم المتحدة التي باتت تلح على تطبيقه من الجانب اللبناني.
لكن عدم تطبيق القرار المذكور ليس وليد الساعة وانتهاكه استمر على مدى 25 عاماً. فريقان لم يطبّقاه. فريق رضي به ولم يطبقه، ولكن بصمت هو «حزب الله»، الذي كان يتولى الردّ على الإعتداءات الاسرائيلية التي تستهدفه في سوريا داخل نطاق المنطقة المشار إليها في القرار، وإسرائيل التي لم تتردد في انتهاكه يومياً في البر والبحر والجو، إلى أن ظهّرت حرب غزة واقعاً موجوداً ولم يكن ظاهراً، ولمست اسرائيل أن لا قدرة لها على تحمله، عندما تحوّل «حزب الله» من شمال الليطاني إلى جنوبه وخرجت قواته من تحت الأرض إلى سطحها وفتح مواجهة معها بمعدل عشر عمليات يومياً. أصيبت اسرائيل في مقتل. ما يزيد على 120 ألف مستوطن على حدودها الشمالية اضطروا للمغادرة ورفضوا العودة ما لم ينسحب «حزب الله» ويوقف عملياته. استنفرت العالم طالبة عودة الأوضاع إلى سابق ما كانت عليه، من دون أن تتعهد التزامه من جهتها. في الانطباع السائد أنّ اسرائيل التي لم تحقق أي انجاز لها في غزة لغاية اليوم تريد التعويض في ساحة الجنوب، وتصور أنّ انكفاء «حزب الله» ووقف ضرباته هو الانجاز بعينه.
فرضت حرب غزة على «حزب الله» التواجد في الصفوف الأمامية على الحدود وصار وجوده مقلقاً لإسرائيل، ما استوجب استنفارها العالم، ويتوجه وفد من عشرين شخصية أمنية مخابراتية في جولة على دول مختلفة طلباً لعودة الواقع إلى ما كان عليه. لعب الفرنسيون دور العراب للمطلب الإسرائيلي. وما كان المجتمع الدولي يتغافل عنه لناحية خروق اسرائيل المستمرة للقرار 1701، صارت هذه الانتهاكات شغلها الشاغل، ولكن من جانب لبنان.
زار مدير المخابرات الفرنسية برنار ايميه على رأس وفد «حزب الله» وشخصيات سياسية عدّة، مستتبعاً زيارة الموفد الرئاسي جان ايف لودريان. تركز المطلب الفرنسي على أن تتحوّل قرى الجنوب الحدودية مع اسرائيل إلى منطقة عازلة خالية من وجود عناصر «حزب الله»، ولا سيما «قوة الرضوان»، قال إنّ المطلوب إعادة الوضع على الحدود إلى ما كان عليه ووقف العمليات وقصف الصواريخ وانسحاب «قوة الرضوان» إلى شمال الليطاني. وقال لودريان إنّ المطلب الملح هو تطبيق كامل بنود القرار 1701، موضحاً أنّ استمرار الوضع متوتراً يمنع عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم على الحدود الشمالية، ليذهب أبعد من ذلك بكثير، رابطاً بين الواقع الحالي ومصير وجود الجنود الفرنسيين في عداد قوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان لما يشكّل عامل قلق على حياتهم. ولم ينفِ النيّة في إنشاء منطقة عازلة فاصلة تماماً كما هو حاصل في غزة.
«حزب الله» الذي يردّ بتكثيف عملياته ضد إسرائيل، لم يقدّم جواباً شافياً لمراجعيه في شأن تطبيق القرار 1701، وينصحهم بنقاش الموضوع مع الحكومة، ويعتبر أن لا فِرق داخله فالحزب واحد، ويتألف من أبناء القرى التي تتعرض لإعتداءات. كل ما في الأمر أنّ هؤلاء انتقلوا من قراهم المختلفة للتواجد على الحدود بما يتوافق مع طبيعة المعركة مع اسرائيل.
يلاحظ «حزب الله» كيف يتم التعامل الاسرائيلي مع قوات حفظ السلام المكلفة حفظ الأمن وعدم خرق القرار 1701، تجبر اسرائيل عناصر «اليونيفيل» عبر اتصال هاتفي النزول إلى الملاجئ فيلتزم الجنود، وتتعرض مناطق تواجدهم لقصف اسرائيلي، وعندما يستهدف الجيش تشتغل الوساطات على ضفتي اعتذار اسرائيل والتزام الجيش سياسة عدم الرد على عدوان استهدفه! فيتم التعامل مع اعتداءات اسرائيل على القطعة، تستنكر حين يستهدف الجيش ويمر الأمر عادياً مع استهداف المدنيين وقصف منازل الأهالي، وكأنه ليس اعتداء على السيادة! محظوران لـ»حزب الله» جنوباً: الانسحاب حتى شمال الليطاني، وإيجاد منطقة عازلة، والثالثة فهمها الفرنسيون أنّ البحث عن مصلحة اسرائيل وحدها يصعّب عليهم لعب دور.
وثمة معلومات تقول إن فرنسا تعمل حقيقة على التحضير لمهمة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين لتطبيق القرار 1701 مقابل انسحاب من كفرشوبا والغجر ومزارع شبعا… وهي تدخل شريكاً في هذه التسوية وتسعى الى انجاحها.