الرئيسيةمقالات سياسيةنظام جديد في الشرق الأوسط؟

نظام جديد في الشرق الأوسط؟

Published on

spot_img

إتفاق السعودية وإيران برعاية الصين، وبدء المناقشات مع دول مجلس التعاون الخليجي حول بناء إطار أمني إقليمي جديد يؤشّر لنظام جديد في الشرق الأوسط الذي قد يندمج مع طموحات الصين العالمية بعيداً عن النفوذ الاميركي. وقد يمنح إيران ما تسعى إليه من انفتاح حقيقي على العالم العربي قد يمتد قريباً إلى البحرين ومصر.

استراتيجية جديدة للسعودية
الاتفاق يؤكّد الاستراتيجية الجديدة للسعودية التي تتعارض مع مفهوم واشنطن للأمن الإقليمي، الذي يفضّل عزل إيران ولا يستبعد الحرب، رغم عدم وجود خطة أميركية واضحة لإدارتها، وضعف التزاماتها تجاه شركائها بل وانحرافها بعيداً عن المنطقة.
رؤيّة المملكة العربية السعودية واتفاقها مع إيران ليسا مجرد رد فعل على تراجع مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل هي إعلان بيان لطموحات السعودية التي ترى نفسها لاعبةً لأدوار حاسمةً في المنطقة.
في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” وكتبه الباحثان روما ماريا فانتابي التي عملت كباحثة في مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” في بيروت، والأكاديمي والكاتب الإيراني الأميركي فالي نصر المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، عرضٌ للمسار الذي أوصل السعودية إلى بكين.

تعتقد طهران والرياض أنّ من مصلحتهما  العمل من خلال الصين لاستعادة العلاقات الإقليمية

كتب الباحثان: أنه لم يكن من المفترض أن يكون الأمر على هذا النحو، من حيث توسط الصين لتحقيق التقارب السعودي الايراني، فقد “كانت الولايات المتحدة هي التي شجعت إيران والسعودية على بدء محادثات بينهما عام 2021 في محاولة للحدّ من التوترات بين الخصمين الخليجيين، ودفع المفاوضات النووية، وإنهاء الصراع في اليمن. فعقدت طهران والرياض خمس جولات من المحادثات المباشرة تبعها محادثات غير رسمية. وخلال زيارته إلى المملكة في تموز من العام الماضي، حثّ الرئيس الأميركي جو بايدن دول مجلس التعاون الخليجي على الشراكة مع إسرائيل لاحتواء إيران.

الصين ضمانة السعودية
أمّا لماذا لجأت السعودية إلى الصين بدلاً من ذلك، فلأنها، اعتبرت أنّ إشراك الصين هو الضمان الأكيد بأنّ الاتفاق مع إيران مستدام، حيث من غير المرجح أن تخاطر طهران بتعريض علاقاتها مع بكين للخطر. وبالنسبة للبلدين، كان التدخل الشخصي للرئيس الصيني حاسماً. فلكل منهما علاقات سياسية واقتصادية طويلة الأمد مع بكين، وبالتالي كان الرئيس الصيني موثوقاً به كوسيط بينهما.
ويرى الباحثان “أنّ تنفيذ الاتفاقية بالكامل سيربط طهران والرياض مرة أخرى ارتباطاً وثيقاً. وسينهي واحدة من أهم المنافسات في المنطقة وتوسيع العلاقات الاقتصادية عبر منطقة الخليج بأكمله. والاتفاقية قادرة على تقريب إيران من جيرانها العرب وتحقيق الاستقرار التدريجي. وتأكيداً على هذا الوعد تعهد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، بأنّه إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإنّ المملكة مستعدة للإستثمار في الاقتصاد الإيراني. وقد قبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالفعل دعوة لزيارة الرياض في موعد لم يحدّد بعد، في إشارة أخرى إلى نية الجانبين تعزيز علاقاتهما.

تحوّل إيراني إلى الشرق
في رأي الباحثين: تعتقد طهران والرياض أنّ من مصلحتهما  العمل من خلال الصين لاستعادة العلاقات الإقليمية. في عام 2015 ، كانت أولوية إيران هي تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا. واعتبرت المفاوضات مع جيرانها ثانوية. وكانت النتيجة خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي قلّصت برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات. لكن وبعد أن سحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعم بلاده لهذه الخطة في عام 2018، اقتربت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من إسرائيل، وهي خطوة تسارعت بسبب هجوم إيراني على منشآت نفطية سعودية في عام 2019. إيران، بدورها، حوّلت تركيزها إلى تحسين العلاقات مع جيرانها والتجارة الإقليمية. ولهذه الغاية، أعادت طهران إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الكويت والإمارات العربية المتحدة في عام 2022. لكن اتفاقية بكين مع السعوديين هي الثمن الأهم الذي تسعى إليه إيران: انفتاح حقيقي على العالم العربي قد يمتد قريباً إلى البحرين ومصر”.
واعتبرالباحثان أنّ ترحيب طهران بدور الصين المتزايد في الشرق الأوسط مردّه باعتقادها إلى أنه يضعف النفوذ الأميركي في المنطقة ويقوّض نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل. وترى أنّ العلاقات الأفضل مع دول مجلس التعاون الخليجي ستخفف من التهديد الذي تشكله اتفاقيات إبراهام التي توسطت فيها إدارة ترامب. وإذا كانت طهران على استعداد لقبول العلاقات الثنائية بين مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، إلا أنّها لا يمكن أن تتسامح مع تحالف عسكري إسرائيلي عربي تدعمه الولايات المتحدة ضدها.

بالنسبة للسعودية يشكل الاتفاق الذي رعته بكين تحولًا استراتيجيًا أكثر جرأة

الرياض تسعى إلى التوازن
بالنسبة للسعودية يشكّل الاتفاق الذي رعته بكين تحولاً استراتيجياً أكثر جرأة. فالعلاقات بين الرياض وواشنطن هي اليوم في أدنى مستوياتها تاريخياً. وتعتقد الرياض أنّ الولايات المتحدة تركّز على أولويات أخرى وأنّ ليس لديها أي خطة واضحة للأمن الإقليمي بعد فشل المفاوضات النووية مع إيران. كما أنّ القادة السعوديين غير راضين عن القيادة الحالية في واشنطن. كان الرئيس بايدن بطيئاً في إصلاح العلاقات بعد أن تعهّد كمرشح بمعاملة السعودية كدولة “منبوذة”، بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.
الاتفاق مع طهران سيمنح الرياض مزيداً من الوقت لتعزيز أمنها وتنويع خياراتها الاستراتيجية الهادفة إلى ضمان أمنها. من خلال الجمع بين شبكة واسعة من الشركاء، بما في ذلك الصين وإسرائيل والولايات المتحدة، وتحسين العلاقات مع خصوم مثل إيران وسوريا وتركيا.

نموذج “الأمن مقابل النفط “.. مات
لقد حدّدت السعودية هدفاً طموحاً يتمثل في أن تصبح بحلول عام 2030 اقتصاداً صناعياً متقدماً ومركزاً ثقافياً وسياحياً. وهي لتحقيق ذلك، ستحتاج إلى استقرار داخلي، ودعم عسكري أميركي وأمن وتكنولوجيا إسرائيليين وتجارة مع أوروبا والصين. لذلك فإنّ الاستراتيجيّة السعودية تتعارض مع مفهوم واشنطن للأمن الإقليمي، الذي يفضل عزل إيران ولا يستبعد الحرب.
لقد أبطأت واشنطن، بحسب الباحثيّن، في إدراك أنّ السعودية لا ترى نفسها تابعة للولايات المتحدة وإنما هي قوة إقليمية قادرة على لعب دور مستقل في السياسة العالمية. وكتبا “تعتقد الرياض أن النموذج القديم لـ “الأمن الاميركي مقابل أسعار نفط منخفضة” لم يعد سارياً.
تريد الرياض علاقات وثيقة ومستقلة مع الولايات المتحدة، وكذلك مع روسيا والصين. وهي ترى نفسها تلعب دوراً حاسماً في المنطقة، حيث توازن بين مصر وإيران وإسرائيل وتركيا لحماية أمنها وممارسة نفوذها الإقليمي.

أمن طريق الحرير
ويعتقد الكاتبان “أنّ تدخل الصين ربما هو البعد الأكثر إثارة للقلق في التقارب الإيراني السعودي. فقد كانت بكين في السابق حريصة على تجنّب التورّط في الشرق الأوسط. لكن مصالحها الاقتصادية المتزايدة بالمنطقة استلزمت منها أيضاً أن تلعب دوراً دبلوماسياً في المنطقة ذات الأهمية بالنسبة لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وهي تريد أن تضمن أنّ استثماراتها في قطاع الطاقة السعودي ليست مهدّدة بصواريخ الحوثيين. وتواصل توسيع بصمتها الاقتصادية في إيران، وتهتم بدعم خطة موسكو لتطوير ممر عبور عبر إيران يسمح للتجارة الروسية بالوصول إلى الأسواق العالمية دون المرور عبر قناة السويس.
ورأى الباحثان “أنّ تقارب المصالح الاستراتيجية الأوسع للصين وإيران و السعودية قد يكون الأساس لواقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط. وإنّ هذا التحوّل يمثل تحديّاً تاريخياً للولايات المتحدة. حيث لم يعد بإمكان واشنطن أن تكتفي بمطالبة حلفائها العرب بالانفصال عن الصين والتوحد خلف قيادتها لمحاربة إيران. هذا النهج عفا عليه الزمن ولم يعد يلبي الاحتياجات الحالية لحلفائها. وكما قال مسؤول سعودي “الولايات المتحدة لا تفهم أننا لا نستطيع أن نكون حلفاء لها على حساب مصالحنا”.

أحدث المقالات

بيروت: لقاء ثلاثة أجهزة مخابرات

بشكل متزامن، كانت بيروت مطلع الأسبوع، مسرحاً لوجود مخابراتي ثلاثي: فرنسي أميركي وإسرائيلي. والتفاصيل،...

ماذا لو أُرجئ بتّ مصير قائد الجيش إلى ما بعد الأعياد؟

بين مجلسَي النواب والوزراء يتجمّد بتّ مصير قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي يبلغ...

تطبيق 1701: الحزب يرفض.. ويفاوض!!

في عام 2006 انتهت حرب تموز بإصدار القرار الأممي 1701 تحت الفصل السادس، لكن...

“الحزب” لن ينسحب: ثمن التفاوض لاستقرار الحدود ستدفعه إسرائيل

الاستعاضة عن الحرب في جنوب لبنان، يكون بالتوجه نحو اتفاق سياسي برعاية دولية إقليمية،...

المزيد من هذه الأخبار

مادة انتقاد “عونيّة” لقائد الجيش!

أضاف مسؤولون في «التيار الوطني الحر» أن إجراءات الجيش اللبناني لمكافحة تهريب الأفراد السوريين...

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب...

تقويض القرار 1701… بتواطؤ دولي

يتعامل العالم مع جرائم هائلة تسحق أهل قطاع غزة وتبيدهم، بالكثير من البرود والتجاهل...

“تطابق” فرنسي-سعودي لبنانياً.. وتحذيرات حول مصير الجنوب

أصبحت الدوامة السياسية اللبنانية الداخلية “مضجرة” في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الأساسية، لا سيما...

مهمة لودريان تبدَّلت من انتخاب الرئيس إلى السعي لتأجيل تسريح قائد الجيش

لم يعد خافياً أن الهدف الرئيس من زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف...

لبنان بعد حرب غزّة… من يسأل عن قرار السلم والحرب؟

"لبنان ما بعد حرب غزة يشبه السؤال عن لبنان ما بعد الانتداب، ويشبه السؤال...

لودريان لم يطرح تعديلاً للـ1701… بل فرصة لتطبيقه

مع إعلان إسرائيل استئناف القتال ضدّ “حماس” سمحت أيام التبادل السبعة التي كانت واشنطن...

“ليونة” مستجدة بالملف الرئاسي.. وإصرار دولي على التمديد لعون

على وقع الزيارة الرابعة التي أجراها المبعوث الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، تحدث...

بلى هُزمنا… والحلّ؟ فليحكم الحزب (1)

جرى هذا النقاش ضمن حلقة تفكير سياسي مناوئة للحزب ومرجعيّاته، في السياسة والأيديولوجيا والمنطلقات...

لبنان في مسار الحلّ من غزّة إلى واشنطن

عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان وإن كانت في شكلها لا تحمل أيّ مبادرة...

لودريان “دبلوماسيّ بلا قفازات”… ينفعل و”يَزعَل”

لكلّ حقبة سياسية مُعضلات وإشكاليات، تجذب معها وساطات ووفود خارجية، في مغامرة أشبه ببحث...

متى سيبدأ الدولار بالهبوط… 50 ألفاً أو أقلّ؟

قبل انتهاء ولاية رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان، كان التوقّع العامّ السائد بين...

“تعديل” الـ1701 ومنطقة عازلة: التفاوض مع “الحزب” بنبرة نارية

يتنقّل لبنان في السجالات بين الملفات، من دون حسم أي منها. وقد أصبحت هذه...

دعم قوي من “الخماسية” لمهمّة لودريان… وقلقٌ أمميّ على لبنان

في ظل استمرار الهدوء الحذر الذي يخيم على المناطق الجنوبية، طالما أن الهدنة الممددة...

حراك دولي جدّي لكسر جليد الرئاسة وإطفاء جمر الحدود

على عادتهم، يبرع اللبنانيون في ضرب بعضهم البعض من تحت الحزام، بناء على حسابات...