يؤسّس مسلسل الاغتيالات الإسرائيلية لقيادات من “الحزب” و”ح.م.ا.س” في لبنان من الضاحية إلى عمق النبطية مروراً بساحل الشوف لمرحلة قد تكرّس، برأي مطّلعين، “مساراً منفصلاً عن الترتيبات الأمنيّة التي قد يشهدها جنوب لبنان، بما يعني أنّ احتمال وقف الأعمال العسكرية على الحدود الجنوبية مع شمال إسرائيل قد لا يسري بالضرورة على قائمة الأهداف التي يرصدها العدوّ الإسرائيلي لاصطياد المقاومين لدى حماس أو الحزب”.
هو واقعٌ، بتأكيد هؤلاء، قد يبقي الداخل اللبناني رهينة مرحلة من الاستنزاف ستطول وتكون خارج حسابات التسوية المحتملة في غزة وارتداداتها في جنوب لبنان، ربطاً بالحسابات الإسرائيلية بفتح دفتر “تصفية الحساب” مع حماس وحركات المقاومة، ومن ضمنها الحزب، بعيداً عن عنوان التسوية الكبرى في غزة، أي من خلال مسلسل الاغتيالات الذي قد يبقى شغّالاً ومرتبطاً حصراً بأجندة الانتقام الإسرائيلي.
طبخة الرئاسة لن تنضج
يبدو الأمر كافياً لجعل طبخة الحلّ السياسي في لبنان بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية غير قابلة للاستواء في المدى المنظور، سيّما وأنّ التصعيد العسكري لا يزال يتأجّج جنوباً والتعزيزات الإسرائيلية شمالاً تتزايد والحديث الإعلامي المتكرّر عن إمكانية انسحاب الحزب من جنوب الليطاني وتكريس المنطقة العازلة يُقابل باستنفار عملاني أكبر لكوادر الحزب وتعزيز لمنظومته الصاروخية ومنظومة المسيّرات المتطوّرة مع تبديل في الخطط الأمنيّة خلال تنقّلات كوادره من الجنوب حتى الضاحية.
حاول ممثّلو دول القرار المعنيون بأزمة لبنان الاستفسار عن مدى تقبّل الحزب التفاوض حول أيّ اسم آخر غير النائب السابق سليمان فرنجية
مرّة أخرى يُطرح السؤال البديهي: إلى أيّ مدى يمكن الفصل بين إصرار إسرائيل على تغيير الواقع الأمنيّ في جنوب لبنان والتهديد بحرب واسعة على لبنان واحتمال كسر استاتيكو الجمود السياسي والتوافق على سلّة تفاهمات تُدشّن بانتخاب رئيس الجمهورية؟
يكشف مصدر معنيّ بـ “الحجّ” الدبلوماسي أخيراً إلى لبنان، الذي استُثنيت منه زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري التي قد تتحدّد لاحقاً ربطاً بتطوّر ملفّ التفاوض حول تسوية غزة، إضافة إلى الزيارة المؤجّلة للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، أنّ القاسم المشترك لتحرّك الخماسية ولقاءات المسؤولين الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين والوفود الدولية في لبنان هو تثبيت واقع الفصل بين غزة ولبنان وإبقاء كرة الحسم الرئاسي لدى القيادات اللبنانية حصراً. وهو الأمر الذي أشار إليه النائب السابق وليد جنبلاط صراحة في حديثه إلى وكالة “روسيا اليوم” بقوله إنّ “أعضاء الخماسية يقولون إنّ ملفّ الرئاسة داخلي، وهذا الملفّ غير مطروح اليوم إلا إذا أتت الخماسية بعرضٍ”.
تفاصيل النصيحة
وصل الأمر إلى حدّ دعوة أحد الموفدين اللبنانيين الرئيس نبيه بري إلى عدم التراجع عن فكرة الدعوة إلى الحوار كآليّة منطقية لتقليص حجم التباعد في الخيارات الرئاسية بين معسكرين أساسيَّين.
لكنّ هذه الدعوة ترافقت مع “نصيحة” دولية لبرّي بالفصل بين موقعه كرئيس لمجلس النواب والمرجعية الأساسية المعنية بالدعوة إلى طاولة حوار رئاسية وبين موقعه كرئيس لحركة أمل التي تنخرط رسمياً ولو بشكل محدود جداً بالعمليات العسكرية في جنوب لبنان، وهو واقع يتمّ رصده، وفق مطّلعين، من قبل مراكز القرار في الخارج.
الأمر الآخر الذي يُجمع عليه الموفدون الدوليون هو أنّ الحزب الذي يُعتبر، قبل الحكومة اللبنانية، صاحب الكلمة الفصل في تكريس عودة الهدوء إلى الجبهة الجنوبية، هو أيضاً حامل مفتاح الحلّ الرئاسي قبل أيّ فريق سياسي آخر، وسيتعزّز هذا الواقع تحديداً بنتيجة التفاوض الإيراني – الأميركي المستمرّ في سلطنة عُمان.
في الوقائع، حاول ممثّلو دول القرار المعنيون بأزمة لبنان الاستفسار عن مدى تقبّل الحزب التفاوض حول أيّ اسم آخر غير النائب السابق سليمان فرنجية، وبالواسطة وصل الجواب واضحاً: “مرشّحنا إلى الآن سليمان فرنجية ولا مانع من فتح باب مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية إذا توافقت الكتل السياسية على مرشّح ما. أمّا الجنوب فتحكمه معادلة أخرى تماماً، وشروط التهدئة والبحث بأيّ ترتيبات أمنيّة تخصّ الحزب وملفّ الحدود ليست فقط وقف حرب غزة نهائياً ومنع حرب الإبادة المحتملة في رفح بل وقف آلة الاغتيالات التي تصنَّف لدى قيادة الحزب بمنزلة حرب أخرى مفتوحة ضدّ المقاومة لا يمكن التعامل معها إلا بوصفها عدواناً يتجاوز بنتائجه جميع حروب إسرائيل واغتيالاتها السابقة في لبنان”.