لم يعد خافياً أن الهدف الرئيس من زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان التسويق للتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، بعدما استحال انتخاب رئيس الجمهورية وهو العمود الفقري لمهمته أمرا كثير التعقيد نتيجة مجموعة من العوامل في طليعتها الأخطاء التي وقعت فيها فرنسا في إدارة مسعاها الرئاسي، وتحديدا منذ أن قرّر الإليزيه أن صفقة مع حزب الله وحركة أمل تكفي لانتخاب رئيس ولتأمين المصالح الفرنسية السياسية والاقتصادية في لبنان.
ارتكز لودريان في تسويقه التمديد لقائد الجيش على ما سمّاه موافقة كل القوى السياسية، ما عدا التيار الوطني الحر، على التمديد أو تأجيل التسريح. غير أن المبررات التي أوردها في مباحثاته مع القوى السياسية أظهرت بلا أدنى شك أن التمديد حاجة خارجية أكثر منها داخلية، وأن الخارج يبحث عن مصلحته لا عن الاستقرار في رأس المؤسسة العسكرية، وذلك ربطا بأمرين: تعاطي قيادة الجيش مع أزمة النازحين، والجولة التي يجري التحضّر لها في ما خص التطبيق الفعلي والعملي للقرار 1701.
1-في أزمة النازحين، لا تزال العواصم المعنية تضغط على لبنان من أجل منع هجرة هؤلاء إلى أوروبا عبر البحر اللبناني. وهو ما تحقٌق لهم فعليا باستثناء خروق بسيطة يجري التعامل معها موضِعيا. ما يحصل حقيقةً أن النازحين يدخلون قطعانا عبر الحدود البرية. وكثر منهم يجدون في لبنان محطة موقتة في رحلتهم إلى الشواطئ الأوروبية. لكنهم لا يلبثوا أن يتحوّلوا أسرى المخيم اللبناني الكبير نتيجة تعذّر هجرتهم تهريبا عبر البحر. وهو تماما ما يريده الأوروبيون الذين يقبلون للبنان ويجبرونه على ما يرفضونه. من هذه الزاوية أتى توصيف لودريان لقائد الجيش عن أنه ضمانة لفرنسا وأوروبا. وهي لا شكّ نقطة فرنسية تركت التباسا واسعا والكثير من التساؤلات عن خلفية تلك الضمانة، خصوصا متى عُرف أن لودريان قال في لقائه العاصف مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل: «لا نثق الا بقائد الجيش. هذا يتعلق بأمن فرنسا والعماد جوزاف عون الوحيد القادر على منع تدفق اللاجئين عبر البحر صوب أوروبا». وهو ما رد عليه باسيل جازما برفض التدخل الخارجي ومنطق الفرض، وخصوصا من دولة تعظ يوميا بالإصلاحات والحاجة اللبنانية إليها.
وتبيّن من كل تلك الوقائع أن عند حجّة «الضمانة» تسقط كل القيم الجمهورية الفرنسية القائمة أساسا على احترام القانون والدستور وعلى تداول السلطة، كأن فرنسا تبلّدت لبنانيا.
2-في تطبيق القرار 1701، تضغط عواصم القرار من أجل ما تصفه التطبيق الفعلي والعملي له، وتحديدا ما ورد فيه لجهة إخلاء منطقة جنوب الليطاني من أي مظاهر مسلّحة ما عدا الجيش والقوة الدولية، وهو مربط الخيل الدولي راهنا وطلب اسرائيلي ملحّ، بما يعني حكما العودة إلى التطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين الآخرين 1559 و1860 (تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة وإيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل)، وكلاهما جزء لا يتجزأ من مندرجات القرار 1701.
قال لودريان في هذا السياق لمن التقاهم في بيروت إن «لفرنسا كتيبة عاملة ضمن القوة الدولية في الجنوب، وهي تحتاج إلى قائد للجيش تقدر أن تتكلّم معه والتأكد من ثبات الأمن جنوباً حماية للبنان ولأمن جنودنا، وهو ما ينطبق على العماد عون الذي اعتدنا تجاوبه الكامل مع احتياجاتنا».
وبدا واضحا أن لودريان يربط التطبيق الفعلي للقرار باستمرار العماد عون على رأس المؤسسة العسكرية، كحاجة لا تعلوها حاجة راهنا. ويعني هذا الإصرار، من ضمن ما يعني، أن المرحلة المقبلة الآتية على لبنان تفترض تشددا في تطبيق هذا القرار، ولا سيما في مسألة انعدام الوجود العسكري لحزب الله جنوب الليطاني وهو مطلب فرنسي وأميركي بالدرجة الأولى، وأن هذا التشدد، من وجهة النظر الفرنسية، يفترض تغطية ومواكبة لصيقة من قيادة الجيش. ولا ريب أن هذه المسألة ستثير الريبة لدى حزب الله بالدرجة الأولى، وهو الذي خاض معركة سياسية عنيفة هذه السنة لمنع تعديل قواعد الاشتباك جنوبا، وكذلك لمنع إعطاء اليونيفيل صلاحية المداهمات بلا مواكبة من الجيش اللبناني. وهذه المداهمات ترمي عمليا إلى تطبيق القرار 1701، ولا سيما مصادرة أي سلاح يجري ضبطه في منطقة العمليات جنوب الليطاني وفق مندرجات القرار الأممي، إلى جانب الإنتقال من الحالة الراهنة الملتبسة إلى «وقف دائم لإطلاق النار وحلّ بعيد المدى».
ولا يُخفى أن حزب الله مستعدّ استعدادا كاملا للأسوأ لكي يمنع هذه الغاية الدولية، أي تجريده من سلاحه بالقوة، بما هي في مفهومه خدمة مجانية لإسرائيل التي تطالب راهنا بسحب قوات النخبة التابعة للحزب أو ما يعرف بقوة الرضوان من المنطقة الحدودية نحو العمق اللبناني، كشرط أساس للخوض في أي تهدئة مستدامة جنوبا.