الرئيسيةمقالات سياسيةمن لبنان إلى ناغورني كاراباخ... زوال الغطاء السياسيّ؟

من لبنان إلى ناغورني كاراباخ… زوال الغطاء السياسيّ؟

Published on

spot_img

ما يزال لبنان يدفع إلى يومنا ثمن العجز، لدى عدد لا بأس به من سياسيّيه، عن فهم معنى الغطاء السياسي الدولي والإقليمي للبلد. لم يوجد في لبنان، هذا إذا وضعنا جانباً بعض الاستثناءات، مَن فهم أحداث ناغورني كاراباخ ولماذا قرّرت أرمينيا الاستسلام بدل دخول مواجهة مع أذربيجان المدعومة من تركيا وأميركا وإسرائيل. حدث ذلك في وقت تخشى إيران، التي أقامت علاقات وثيقة مع أرمينيا، أيّ تحرّش بأذربيجان.

من فؤاد شهاب إلى رفيق الحريري
عرف رجل مثل فؤاد شهاب، رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة بين 1958 و1964 أهمّية هذا الغطاء السياسي. كذلك، عرفه رفيق الحريري الذي راهن على إعادة الحياة إلى الاقتصاد اللبناني وإعادة بناء بيروت ووضع لبنان مجدّداً على خريطة الشرق الأوسط في ظلّ ظروف سياسيّة في غاية التعقيد على صعيد المنطقة.
إذا كان فؤاد شهاب عرف كيف يستعين بالغطاء المصري والأميركي في مرحلة معيّنة كان فيها جمال عبد الناصر يحكم المنطقة، فإنّ رفيق الحريري عرف كيف يتحرّك في ظلّ حدّ أدنى من التفاهمات السورية – السعودية من أجل تمرير مشروع إعادة الإعمار والإنماء في لبنان وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه، اقتصادياً وإنمائياً، في سنوات قليلة لم تتجاوز الستّ.
قدّم لبنان في مرحلة امتدّت بين 1992 و1998، عندما جاء بشّار الأسد، النجم الصاعد في سوريا وقتذاك، بإميل لحّود رئيساً للجمهورية، تنازلات كثيرة. كان ذلك كلّه من أجل حماية لبنان واللبنانيين في انتظار اليوم الذي يستوعب فيه النظام السوري، وبشّار الأسد تحديداً، أنّ لبنان المزدهر مصلحة سوريّة أيضاً. لم يأتِ ذلك اليوم.

عرف رجل مثل فؤاد شهاب، رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة بين 1958 و1964 أهمّية هذا الغطاء السياسي. كذلك، عرفه رفيق الحريري الذي راهن على إعادة الحياة إلى الاقتصاد اللبناني وإعادة بناء بيروت ووضع لبنان مجدّداً على خريطة الشرق الأوسط

يدفع الأسد الابن إلى اليوم، وسيدفع في المستقبل، ثمن عجزه عن فهم هذه المعادلة البسيطة المتعلّقة بازدهار لبنان. إنّه يدفع ثمن الارتماء في الحضن الإيراني وتفضيله السير في عملية اغتيال رفيق الحريري وتغطيتها بدل الرهان على عودة بيروت المتألّقة نظراً إلى أنّ عودتها هذه عودة لدمشق في الوقت ذاته.
انتهى لبنان عندما لم يعُد فيه من يفهم معنى الغطاء الإقليمي والدولي بعدما انخرط المسيحيون، في معظمهم، في لعبة لم تكن تصبّ إلّا في مصلحة النظام السوري الذي كان على رأسه حافظ الأسد. ذهب المسيحيون ضحيّة لعبة السلاح والميليشيات في وقت لم يكن الفلسطيني المسلّح يأبه بمصير لبنان، بل وضع نفسه من حيث يدري أو لا يدري في خدمة النظام السوري الذي كان هدفه وضع اليد على لبنان وعلى القرار الفلسطيني في الوقت ذاته.

حكاية الوصاية السوريّة
لدى الحديث عن الوصاية السوريّة على لبنان، ثمّة مراحل تستوجب التوقّف عندها. لم يدخل الجيش السوري لبنان في 1976 من دون غطاء أميركي – إسرائيلي بشروط معروفة و”خطوط حمر” وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين. لم يستعِد النظام السوري سيطرته على كلّ لبنان بعدما أفلتت منه المناطق المسيحية في 1990 إلّا في ظلّ غطاء أميركي – إسرائيلي وفّرته مشاركة الجيش السوري في إخراج العراق من الكويت.
يروي الراحل بيار رزق المعروف باسمه الحركيّ “أكرم”، وكان في مرحلة معيّنة مسؤولاً عن جهاز الأمن الخارجي لـ”القوات اللبنانيّة”، قصّة تستحقّ التوقّف عندها. تعطي هذه القصّة فكرة عن أهمّية الغطاء السياسي الخارجي في لبنان. قال “أكرم” في لقاء طويل عقدته معه في باريس إنّه حضر اجتماعاً في بغداد أواخر عام 1988 أو مطلع 1989 بعدما طُرحت في أوساط القيادة العراقية فكرة دعم الجبهة المعادية للوجود السوري في لبنان. كان العداء على أشدّه، في تلك الأيّام، بين صدّام حسين وحافظ الأسد. وكان ميشال عون في قصر بعبدا على رأس حكومة عسكريّة مهمّتها الوحيدة تأمين انتخاب رئيس للجمهوريّة خلفاً للرئيس أمين الجميّل الذي غادر قصر بعبدا مع انتهاء ولايته.

تركّز البحث في اجتماع بغداد، الذي كان برئاسة صدّام وحضره لبنانيون، على تزويد الجيش اللبناني الموالي لميشال عون و”القوات اللبنانيّة” دبّابات بغية حماية المنطقة الشرقيّة. كشف بيار رزق أنّه لدى عرض الفكرة مع خريطة للبنان، سارع وزير الدفاع العراقي عدنان خيرالله طلفاح المسلط (ابن خال صدّام وشقيق زوجته ساجدة) إلى الاعتراض قائلاً: المنطقة الشرقية في لبنان ساقطة عسكرياً حتّى لو أرسلنا مئات الدبّابات إليها. تتمتّع هذه المنطقة بغطاء سياسي يحميها، لا يمكن الدفاع عنها عسكرياً. لم يأخذ صدّام برأي ابن خاله الذي كان عسكرياً محترفاً وأصرّ على إرسال الدبّابات إلى لبنان عن طريق تركيا.
ما حدث أنّه بمجرّد رفع الغطاء السياسي عن المنطقة الشرقيّة، التي تلقّت بالفعل دبّابات عراقيّة، سقط ميشال عون ولجأ إلى منزل السفير الفرنسي رينيه آلا تاركاً جنوده وضبّاطه يُذبحون على يد القوات السوريّة… أو يتحوّلون إلى أسرى لديها.

بين مَن يفهم ومَن لا يفهم
هناك من يفهم ما هو الغطاء السياسي وهناك من لا يفهم ذلك. من يفهم معنى الغطاء السياسي شخص مثل رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان يعمل على إنقاذ أرمينيا بدل خوض معركة خاسرة سلفاً في إقليم ناغورني كاراباخ الساقط عسكرياً. على العكس من ميشال عون، سعى رئيس الوزراء الأرمني إلى تسوية. حافظت التسوية على أرمينيا على حساب زوال إقليم ناغورني كاراباخ الذي لم يعد يمتلك أيّ غطاء سياسي من النوع الذي أمّنه له الروسي.
بموجب تلك التسوية التي كان في استطاعة ميشال عون الحصول على شبيه لها بمجرّد قبول اتفاق الطائف وانتقال الرئيس المنتخَب رينيه معوّض إلى قصر بعبدا، كان في الإمكان حماية قصر بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة والعمل على إبقائهما خارج الهيمنة السوريّة. كان سقوط قصر بعبدا في يد القوات السوريّة ضربة قاضية للمسيحيين في لبنان. لم يقوموا من هذه الضربة إلى يومنا هذا.


ليس في لبنان في الوقت الحاضر من يستطيع تأمين أيّ غطاء سياسي للبلد. لا وجود لأيّ تسوية جدّية مطروحة في ظلّ هيمنة سلاح إيران على البلد في غياب أيّ مرجعية لبنانية تمتلك عقلاً سياسياً متوازناً كما كانت الحال أيام فؤاد شهاب أو رفيق الحريري. يوجد فقط مشروع توسّعي إيراني على استعداد لاستغلال الفراغ في رئاسة الجمهوريّة إلى أبعد حدود في وقت لم يعد لبنان أولويّة أميركيّة أو سعوديّة.
الخوف على لبنان قائم أكثر من أيّ وقت في غياب تسوية مطروحة، كما كانت عليه الحال أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وفي ظلّ غياب إقليمي أو دولي يحمي هذه التسوية. لبنان معزول أكثر من أيّ وقت. الخوف عليه أكثر من أيّ وقت!

أحدث المقالات

مادة انتقاد “عونيّة” لقائد الجيش!

أضاف مسؤولون في «التيار الوطني الحر» أن إجراءات الجيش اللبناني لمكافحة تهريب الأفراد السوريين...

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب...

تقويض القرار 1701… بتواطؤ دولي

يتعامل العالم مع جرائم هائلة تسحق أهل قطاع غزة وتبيدهم، بالكثير من البرود والتجاهل...

“تطابق” فرنسي-سعودي لبنانياً.. وتحذيرات حول مصير الجنوب

أصبحت الدوامة السياسية اللبنانية الداخلية “مضجرة” في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الأساسية، لا سيما...

المزيد من هذه الأخبار

“ربط الساحات” بين غزّة… والضاحية واليرزة!

تندرج زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تحت عنوانين أساسيّين فرضتهما التطوّرات الأخيرة: – تجدّد...

بين “التيار” وبكركي لا قطيعة… ولكن!

تعثرت محاولات رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لتحسين علاقته بالبطريرك الماروني بشارة...

قطر طرحت سلّة كاملة وقدّمت ترشيحَيْ البيسري وحتّي

تكاد تكون قطر الدولة العربية الأكثر قرباً من «حماس» نظراً الى حسن علاقتها بها...

محمد رعد الجار والأب

تعود معرفتي بالنائب محمد رعد إلى ما يقارب أربعين عاماً. عرفت والده كرجل فاضل...

لودريان بعد هوكشتاين…”اطلالة” على الحدود والأفق الرئاسي المسدود

فرضت تطورات الوضع الإقليمي نفسها على المشهد الداخلي، وهو ما أسهم في “تطوير” عمل...

إنقلاب عسكري بقيادة الجيش في 10 كانون الثاني؟

بعد الإنقلاب السياسي في 31 تشرين الأول 2022 بمنع انتخاب رئيس للجمهورية، وفرض الفراغ...

قيادة الجيش: لا التعيين مُيسّرٌ ولا التمديد آمن

دونما أن تكون خافية صلة الوصل بين استحقاقَيِ الجيش ورئاسة الجمهورية، إلا أن مرور...

الفرنسيّون متمسكون بـ”مرشح ثالث” للرئاسة

يحط الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت يوم الأربعاء في زيارة تستمر...

الإزدواجية العالمية: الفيلسوف الألمانيّ هابرماس يدعم إسرائيل

“إنّ حرب إسرائيل على غزة مبرَّرة مبدئياً” ولا يجوز وصفها بأنّها تشبه المحرقة أو...

الدور القطري يتكرس.. والحل اللبناني بمفاوضة “الحزب” أولاً

تسير الوقائع اللبنانية على الإيقاع الإقليمي. الهدنة في غزة تنعكس على الجنوب، والتصعيد سيقابله...

سيناريو أميركي.. بنسخة إيرانية؟

نجاح تنفيذ أولى الهدن الإنسانية في غزة، وإتمام عملية تبادل الدفعة الأولى من الأسرى،...

معادلةٌ صعبة أمام “الحزب”… وخياران في ملفّ قيادة الجيش

يقف «حزب الله» أمام معادلة صعبة في حسمه خياراته لملء الشغور في قيادة الجيش...

“رئاسة” بعد الهدنة: المفتاح بيد الحزب

تستبعد أوساط مطّلعة أن يقود استئناف الحراك الفرنسي والقطري باتجاه لبنان إلى إحداث خرق...

جبهة لبنان معلّقة… ونية لاستئناف الحرب

بموازاة حالة عدم اليقين التي تلفّ مصير «الوقفة الإنسانية» للقتال والتي سمّيت هدنة قابلة...

الخشية من “غلاف الليطاني”

تكاد الصورة تكون متعارضة كلياً، بين ما حدث في غزة صباح السابع من تشرين...