تقدّمت المفاوضات حول ترتيب الوضع في الجنوب وصولاً إلى التفاصيل. فأصبحت النقاشات تتركز على دقائق الأمور اللوجستية والتقنيات، وآلية وقف المواجهات، والتمهيد للمرحلة التي تليها. ويلجأ كل طرف إلى تسميتها كما يشاء، أو كما يتلاءم مع مصلحته. فالإسرائيليون يعتبرون أن المرحلة الأولى من النقاش تتركز على انسحاب حزب الله لمسافة 10 كلم عن الحدود. أما بالنسبة إلى الحزب فذلك لن يُسمى انسحاباً، طالما مقاتلوه هم أبناء تلك المناطق. وعليه، فإن وقف إطلاق النار في غزة سينعكس وقفاً لإطلاق النار في لبنان. أما المرحلة الثانية فمتصلة بالنقاش حول “ترسيم” الحدود أو تثبيتها.
ولكن على هامش هذه النقاشات، هناك من بدأ يبحث في المرحلة التي تليها، وكأنها ستكون بحكم المنجزة.
الاستحقاقات السياسية
المرحلة التي تلي ترتيب الوضع في جنوب تتصل بالاستحقاقات السياسية، ولا سيما استحقاق رئاسة الجمهورية. إذ ترفض القوى الداخلية مبدأ الفصل بين الملفين، لأن ذلك غير ممكن. والتفاوض يجري على سلة كاملة وإن كان التفاوض على مراحل. في هذا السياق، يشكل استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية أولوية داخلية وخارجية. وكل طرف يسعى إلى تثبيت معادلته أو توفير ظروف انتخاب مرشحه. هنا ثمة من يشير إلى تمسك الثنائي الشيعي بمرشحه سليمان فرنجية، كون هناك فرصة أساسية لتثبيت هذا الخيار، لا سيما في ضوء ما يحكى عن جهات عديدة تعمل لصالح فرنجية في عواصم كثيرة، بينها الولايات المتحدة الأميركية، والتي ستكون مضطرة للتعاطي بواقعية مع المعطيات اللبنانية.
في المقابل، هناك من يشير إلى أن الظروف القائمة حالياً حيث التركيز على دور الجيش اللبناني، والتعاون الدولي والداخلي مع قائد الجيش جوزيف عون، لترتيب وقائع الجنوب، والتحضير لمرحلة ما بعد المواجهات، تعزز من حظوظ وفرص قائد الجيش.
هنا ثمة من يلفت النظر إلى الفيديو الذي نشره وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، والذي يركّز فيه بوضوح على التعاون مع الجيش، في سبيل ترتيب الوضع لاحقاً في الجنوب، وإرسال المزيد من التعزيزات، مع تدريب فوج مغاوير الحدود، ليتسلم الوضع جنوبي نهر الليطاني. فهناك من يقرأ في موقف بريطانيا وغيرها من الدول، إشارة إيجابية تجاه قائد الجيش، بوصفه المناط به استكمال الاتفاقات وإنجازها ميدانياً.
دور الجيش
سيكون الجيش محط اهتمام الدول، أولاً من خلال إدخال 12 ألف عسكري جديد إلى الجنوب، سيتولون ضبط الأوضاع الأمنية والعسكرية. وهنا يبرز تصريح لرئيس مجلس النواب نبيه برّي يشير فيه إلى قبول لبنان بالتطبيق الكامل للقرار 1701، وأن الجيش سيكون وحده المسؤول، وبحال وجد أي مسلح يعمل على توقيفه.
هذا الكلام يتطابق مع تفاصيل المفاوضات حول كيفية عمل الجيش مع قوات الطوارئ الدولية، وأن الجيش هو الذي سيتولى مسؤولية إخفاء المظاهر المسلحة في الجنوب. ما يؤشر إلى احتمال من اثنين، إما أن يسحب الحزب أسلحته الثقيلة من جنوب نهر الليطاني إلى شماله، وعدم إبراز أي مظاهر عسكرية أو مسلحة. وبحال حصل تجاوز يتم إبلاغ الجيش بالأمر ليعالجه. وإما أن يكون هناك معادلة “فوق الأرض للجيش” وتحت الأرض للحزب.
ولكن حينها تكون المعادلة السياسية هي التي تحكم الاستقرار في الجنوب وتوفر الضمانات لعدم القيام بأي عمليات عسكرية لاحقاً.
في المقابل، فإن لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 من قبل الإسرائيليين أيضاً، وبضرورة إلزامهم به من خلال وقف كل الاعتداءات البرية والبحرية والجوية، ووقف طلعات الاستطلاع التي ينفذها الطيران الإسرائيلي بشكل يومي. وعندما يتقدم لبنان بهذا الطلب، فهذا بحد ذاته يشير إلى التحول في مسار التفاوض نحو مراحل متقدمة، بينما آليات تطبيق القرار 1701 ستكون متصلة بلحظة وقف إطلاق النار في قطاع غزة. لتبدأ حينها الأسئلة عن مصير المرحلة السياسية رئاسياً.