يعمل حزب الله على تجميع أوراق كثيرة بين يديه، تحضيراً لمرحلة ما بعد الحرب على غزّة. ربط الحزب مسألة وقف العمليات التي يخوضها إنطلاقاً من جنوب لبنان ضد المواقع الإسرائيلية، بمسألة توقف الحرب في القطاع. لكنه يعلم أن تغييرات كثيرة ستطرح على مستويات متعددة إقليمية ودولية، تبحث في مرحلة استعادة الاستقرار على الجبهة، طالما أن لا أحد يريد الحرب، ولا يريد استمرار عمليات الاستنزاف. خصوصاً أن الإسرائيليين يفكرون باليوم التالي لما بعد توقف الحرب، وكيف سيعملون على إقناع سكان المستوطنات الشمالية بالعودة إلى منازلهم، طالما الحزب بكل قوته موجود، ويمكنه في أي لحظة أن يشن عملية أكبر وأضخم من عملية طوفان الأقصى.
التهديد والتفاوض
تتعدد مسارات التفاوض مع الحزب، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر. في جانب منها تنطوي على تهديدات ورفع الأسقف على الطريقة الفرنسية، التي تنقل تهديدات إسرائيلية شرسة، ويتم تضمينها الكثير من المخاوف الفرنسية على الوضع في لبنان. وبعضها الآخر قائم على مبدأ “التفاوض”. وهي الطريقة التي يعتمدها الأميركيون، كما حصل في عملية ترسيم الحدود البحرية ومحاولة سحبها على الحدود البرية.
حزب الله، عندما أقدم على فتح جبهة الجنوب دعماً وإسناداً لغزة، كان يعلم مسبقاً كل هذه الطروحات والتهديدات التي ستنهال عليه. لكنه عمل على تجميع أكثر من ورقة بيده، أولها الاجتماعات التي عقدت مع مسؤولين في حماس والجهاد الإسلامي، ووضعها في سياق “غرفة العمليات المشتركة” التي تقود المعارك في غزة. ثانيها، فتح المجال أمام كتائب القسام وسرايا القدس وغيرها من التنظيمات، كسرايا المقاومة والجماعة الإسلامية، للمشاركة بإطلاق الصواريخ والقتال ضد الإسرائيليين.
اتفاق بلا حرب
هنا تكمن النقطة الأهم بالنسبة إلى حزب الله، فبغرفة العمليات المشتركة هو شريك بالتفاوض حول ما يجري في غزة، وذلك يندرج في سياق “وحدة الجبهات” وعدم تجزئتها، وفق ما أرادت اسرائيل فعله. أما مشاركة حماس، والجهاد والجماعة الإسلامية وسرايا المقاومة في عمليات قتالية وإطلاق الصواريخ، فإن الحزب لاحقاً سيكون هو المفاوض عن كل هذه الفصائل والتنظيمات، لا سيما عندما ستُطرح عليه مسألة ضبط الجبهة في الجنوب، وتكريس الاستقرار، وتسجيل انسحابات عسكرية.
هنا سيطرح الحزب مسألة تسوية الوضع على قاعدة ضبط حركة تلك الفصائل والتنظيمات، فيفاوض على سحبها وعلى قدرته في ضبط الجبهة، من دون أن يكون التفاوض على انسحاب قواته أو عناصره، لأن هذا من سابع المستحيلات بالنسبة إليه، فهو إبن الأرض، ومقاتلوه هم أبناء تلك المناطق الجنوبية. وبالتالي، لا يمكن القبول بخروجهم. وهذا أمر غير مطروح بالنسبة إليه.
استبق الحزب كل التحركات الدولية، من الحركة الفرنسية إلى اللجنة الخماسية، بالإضافة إلى العمل الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية، في مقابل استمرار التفاوض الإيراني الأميركي. إذ أن كل هذه المساعي تهدف للوصول إلى ترتيبات معينة في المرحلة المقبلة، تحمل تغييراً ضمن اتفاق من دون اللجوء إلى التصعيد العسكري. والبحث يتركز حول كيفية معالجة مسألة السلاح الثقيل في جنوب نهر الليطاني.
لا يمكن لهذه الحرب في ضوء طريقة إدارتها من قبل الأميركيين، وتركيز الإسرائيليين على غزة، ومنعهم من الضرب في اليمن، ولجمهم عن التصعيد تجاه حزب الله ولبنان.. إلا أن يكون له مترتبات في السياسة.
في هذا السياق، فإن التفاوض سيكون مع الأميركيين، وسيصبح لاحقاً على تلك الفصائل التي قاتلت إلى جانب الحزب وليس على الحزب ووجوده في جنوب نهر الليطاني.