ينخرط «حزب الله» في لعبة «الاستقواء بالخارج»، لكنه في الوقت نفسه يدين تسلّح خصومه بمواقف هذا الخارج عندما لا تأتي الرياح بما تشتهيه سفنه. ثم يعود إلى رفض ضغوط هذا الخارج ويهدّد بالويل والثبور ويجزم قادته بأنهم لن يخضعوا «لإملاءات» الدول…
انتظر «الحزب» أشهراً أن تسفر المبادرة الفرنسية عن ضغط باريس على من يَفترض أنها تمون عليهم من أجل تسهيل خيارها الرئاسي. وحين لم ينجح الأمر ولم يستجب معارضوه لميل خلية الأزمة الفرنسية لمرشح «الحزب» الرئاسي، راهن على أن يقنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القيادة السعودية بالتدخّل لدى حلفائها في شكل يسمح بتأمين العدد الكافي من الأصوات لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.
حسب بعض العارفين بالعلاقة التنسيقية لـ»الحزب» مع فرنسا، كانت هناك جولات وصولات في اللقاءات شبه الأسبوعية بين فريق موكل بالمهمة من السفارة الفرنسية في بيروت، وبين قيادة «حزب الله» حول المأزق اللبناني، وملء الفراغ الرئاسي. وهناك من ينقل عن دبلوماسيين أجانب أنّ الحوارات شملت أيضاً، في حالات قليلة، مجيء وفد من «حرس الثورة» الإيرانية إلى بيروت للقاء الدبلوماسيين الفرنسيين، وإنّ دبلوماسيين فرنسيين جاؤوا إلى بيروت من أجل عقد بعض اللقاءات. والوسط السياسي اللبناني يضجّ بالأخبار عن المسار الحواري الفرنسي- الإيراني، وما أحاط به من حيثيات تتعلّق بلبنان وبالمصالح الاقتصادية والاستثمارية… من دون تناول ما رافق ترسيم الحدود البحرية…
أحدث مؤشّر على ما كان وما زال يحصل قول النائب غسان سكاف أمس إنّ «الجميع يحاور «حزب الله»، بعضهم في العلن والقسم الأكبر في السرّ… و»حزب الله» كان يفضّل المبادرة الفرنسية ولم يكن محبّذاً مجرّد اجتماع الخماسية، وما فاجأ الجميع هو البيان المشترك…»، الذي صدر عن خماسية الدوحة.
وحين لم ينجح الرهان على الضغط الفرنسي على الرافضين خيار «الحزب» الرئاسي، تطلّع «الممانعون»، ومعهم بعض القوى الخارجية إلى اتفاق بكين بين إيران والمملكة العربية السعودية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، لعلّه يقود إلى النتيجة نفسها بحجة أنّ ما يهمّ الرياض من وراء تطبيع العلاقة بين الدولتين هو التهدئة والهدنة في اليمن، وأنّها لا تأبه للبنان والرئاسة فيه ولا شروط لديها على اسم أي رئيس، لأنّها أساساً لا تنوي الاستثمار المالي والاقتصادي في البلد، سواء انتخب رئيس أم لم ينتخب، وأنها باتت تسلّم بأنه صار تحت النفوذ الإيراني. اعتمد «الممانعون» في تلك المرحلة على مقولة أنّه على اللبنانيين أن يستفيدوا من تسويات المنطقة وحال الاسترخاء فيها من أجل السير بركبها. وذهب بعض الممانعين إلى حدّ «تعيير» المعارضين بأنهم «لا يستوعبون ما يجري في الإقليم»، ويعاندون اتّجاه الأمور نحو التسليم بانتصار إيران على الصعيد الإقليمي…
وبعدما أخفق ذلك استدارت «الممانعة» نحو الاستثمار في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وفي دعوة السعودية الرئيس السوري بشار الأسد إلى القمة العربية في جدة، من أجل الترويج لحصول تحوّلات إقليمية لصالح محور «الممانعة» في لبنان. وأخذ بعض مؤيّدي خيار «الممانعين» الرئاسي يبحثون عن نافذة، أو اختراق، ينقل الساحة اللبنانية إلى معادلة «السين- سين» أي تفاهم السعودية وسوريا على إدارة الوضع اللبناني كما في تسعينات القرن الماضي، وأنّ هذا الاحتمال لا بدّ من أن يسهّل انتخاب فرنجية للرئاسة.
كان يمكن لـ»حزب الله» أن يعيب على خصومه اللبنانيين الذين يتّهمهم بتنفيذ تعليمات الخارج، أنّ المبادرة الفرنسية خذلتهم بعدما راهنوا على حركة الرئيس إيمانويل ماكرون منذ عام 2020، وأنّ انتظارهم مفاوضات الولايات المتحدة مع إيران لم يثمر، وأنّ تطلّعهم إلى موقف سعودي يساند خيارهم لم يتحقق، لأنّ هؤلاء الخصوم راهنوا هم أيضاً على موقف خارجي لمصلحتهم، لو لم يكن «الحزب» نفسه منخرطاً حتى أذنيه في الرهانات الخارجية. هذا من دون الأخذ بالتكهّنات عن ربطه توجّهاته الرئاسية بخطط إيران الإقليمية.
في المحطة الأخيرة، لاجتماع الخماسية في الدوحة، ما أثار «الحزب» عبّرت عنه كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية معتبرة «أي رهان على مساعدة أصدقاء لا يصحّ أن يتحوّل خياراً بديلاً عن الجهد الوطني أو معطلاً له». السبب أنّ الخماسية لم تكن متحمّسة للدعوة العلنية إلى مطلب «الثنائي الشيعي» بالحوار حول الرئاسة الذي في مشروع جان إيف لودريان الدعوة إليه، بفعل خشية أميركية وسعودية من فشله طالما هناك فريق رافض له بحجّة أن هدف «الحزب» التحاور حول شخص سليمان فرنجية.
اتّسم موقف كتلة «الوفاء للمقاومة» بالليونة، إلا أن عضو المجلس المركزي في «الحزب» الشيخ نبيل قاووق كان أكثر حدّة بقوله: «يعملون اليوم على استجلاب قرارات دولية وعقوبات تجاه فريقنا. الإستقواء بالأجنبي يعقّد ويعرقل الحل الرئاسي ولا ينفع هؤلاء بشيء لأننا لسنا نحن من يخضع أمام العقوبات».
أمّا تلويح الخماسية بـ»إجراءات» فله حديث آخر.