قد تطغى الزيارة المرتقبة للسفير السعودي وليد البخاري للسفير الإيراني مُجتبى أماني على وهج تحرّك سفراء اللجنة الخماسية باتّجاه القوى السياسية بعد تعثّر انطلاقته في الأيام الماضية.
بتقدير متابعين وعلى الرغم من الطابع غير المقرّر والأشبه بلقاءات استكمال كَسر الجمود الدبلوماسي بين سفيرَي المملكة وطهران، فإنّ لقاءات على هذا المستوى تعكس جزءاً من خفايا المشهد الرئاسي المشبَع بالغموض أكثر من “البَرمة” الشكليّة لسفراء الخماسية التي تبدو حتى اللحظة أقرب إلى تعبئة الوقت بانتظار صدور كلمة السرّ.
لا جولة موسّعة للخماسيّة
في هذا السياق، تكشف معطيات “أساس” أن لا جدول موسّعاً لسفراء “الخماسية”، وقد يتمّ الاكتفاء بلقاءات محدودة تبدأ من حامل مفتاح مجلس النواب الرئيس نبيه بري.
يحدث ذلك في ظلّ معطيَين مرتبطين بالحزب:
– الأوّل هو التصعيد العسكري المستمرّ في الجنوب الذي أدخل الحزب إلى قاموسه صواريخ فلق 1 البعيدة المدى (جزء من المنظومة الصاروخية المتطوّرة التي يملكها الحزب) في وقت يبدو فيه أمن الشمال الإسرائيلي المطلوب استرجاعه بإلحاح من قبل قيادة العدوّ في مهبّ المواجهة العسكرية التي لا تزال مفتوحة بالتوازي بين احتمالَي الحرب و”اللاحرب”.
تكشف معطيات “أساس” أن لا جدول موسّعاً لسفراء “الخماسية”، وقد يتمّ الاكتفاء بلقاءات محدودة تبدأ من حامل مفتاح مجلس النواب الرئيس نبيه بري
– رصد مناخات داخل الحزب بهدف تعميمها في الإعلام والأروقة السياسية مفادها: “ما حَدن حكي معنا في شأن تحرّك الخماسية ولا نعلم من حرّك سفراءها داخل لبنان”. فعليّاً لا جديد في الملفّ الرئاسي، وإذا كنّا نريد أن نثبّت الوقائع فهي الوقوف المستمرّ للثنائي الشيعي إلى جانب سليمان فرنجية في مقابل التأييد الأميركي والقطري لقائد الجيش جوزف عون، والأهمّ أنّ مفهوم المقايضة بين معارك الجنوب والرئاسة غير وارد. أمّا موقف وليد جنبلاط فمتوقّع في المحطات المفصلية، خصوصاً أنّ الرئيس السابق للحزب الاشتراكي مقتنع بأنّ الحزب سيخرج رابحاً من المعركة، ولا احتمال لدى المختارة لتكرار خطأ 2006، وهذا ما يفسّر استدارة جنبلاط الجزئية نحو فرنجية.
في السياق نفسه أتى قبل أيام موقف مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف الذي كان أوّل مسؤول في الحزب يردّ مباشرة على المعطيات التي تردّدت في الآونة الأخيرة عن إمكانية الدخول بمقايضة تسمح بوصول فرنجية إلى قصر بعبدا.
سمّى عفيف بالاسم جبران باسيل وسمير جعجع والكتائب والبطريرك الماروني الذين يعلنون رفضهم لـ “المقايضة بين رئاسة الجمهورية والحرب في غزة”، مؤكّداً أنّ “هذا الأمر ليس مطروحاً بالأصل. نحن في الحزب لا نقبل به، ولم يحكِ معنا أحد في هذا الموضوع، كما تمّ خلقه من بنات أفكار أحدهم الذي اعتبر أنّ الحزب إذا تحوّل إلى رابح في حرب غزة فسوف ينال مرشّحه لرئاسة الجمهورية، وهذا له علاقة بالصراع السياسي الداخلي فقط”.
مصادر معنية تجزم لـ “أساس” أنّ “انضمام إيران إلى الخماسية تحصيل حاصل حين يحين أوان التسوية الكبرى، وهو أمرٌ واقعٌ أصلاً من خلال المفاوضات السرّيّة القائمة في الإقليم
انضمام إيران للخماسيّة حتميّ..
مصادر معنية تجزم لـ “أساس” أنّ “انضمام إيران إلى الخماسية تحصيل حاصل حين يحين أوان التسوية الكبرى، وهو أمرٌ واقعٌ أصلاً من خلال المفاوضات السرّيّة القائمة في الإقليم، وبالتالي لا يحتاج الأمر إلى رؤية السفير مجتبى أماني جالساً مع سفراء الخماسية داخل قاعة واحدة”.
الأمر نفسه، وفق المصادر، ينطبق على الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الذي كاد البعض ينصّبه عضواً في الخماسية مكان السفيرة الأميركية ليزا جونسون، فيما واقع الحال أنّ هوكستين يعمل على ملفّ تكريس الاستقرار جنوباً ودفع الحزب قدر المستطاع شمال الليطاني وفتح باب التفاوض حول النقاط الحدودية المتنازع عليها، وقد طرح أفكاراً في زيارته الأخيرة وصفها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بـ “المقبولة”، لكنّ أيّ تقدّم في سياق وضع الحزب جنوباً والتفاوض على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية قد يحصل بالتوازي مع حلحلة ملفّ رئاسة الجمهورية، ولذلك يبقى أيضاً هوكستين “عضو ظلّ” داخل “خماسية الكبار”.
كما أنّه على خلاف المشهد الذي يوحي بنشاط زائد لـ “خماسية السفراء” وصولاً إلى النشاط المتجدّد للموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني والوصول المرتقب للموفد الفرنسي جان إيف لوديان بعد انعقاد اجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك أو الرياض أو قطر، فإنّ جزءاً من الحراك الدبلوماسي باتّجاه لبنان يمنح، بتأكيد معنيّين، أولوية إطفاء جبهة الجنوب وتكريس المنطقة الآمنة للإسرائيليين وتكريس بقاء النازحين السوريين الأهميّة نفسها لملفّ رئاسة الجمهورية، وربّما أكثر.
في سياق أكثر تعبيراً يقول مسؤول في إحدى السفارات المعنيّة بالحلّ في لبنان: “بأسوأ الأحوال لا نتوقّع من أيّ رئيس جمهورية منتخب، مهما كان اسمه، أن ينفّذ انقلاباً لمجرّد أنّ الحزب ساهم في وصوله إلى القصر الجمهوري. نعلم أنّ مفاتيح السلطة السياسية في مكان آخر، واسم الرئيس ليس معركتنا الكبرى، لكنّ مشكلة اللبنانيين هي تقاعسهم المخيف عن القيام بهذه الخطوة الدستورية كممرّ أساسي للبدء بمسيرة الإصلاحات. هم ينتظرون ماذا سنقرّر ونحن ننتظر أن يقرّروا اسم رئيسهم. هذه الدوّامة ستستمرّ إلى أن يأتي فعلاً من يكتب لأولياء الأمر في لبنان من هو رئيسهم المقبل بغضّ النظر عن الملفّات اللبنانية الأخرى التي تهمّ دول القرار أكثر، وعلى رأسها ملفّات النفط والحدود البرّيّة والنازحين وسلاح الحزب”.