إزاء الفراغ الرئاسي القاتل، المعطوف على فراغ سياسي، لا تجد القوى السياسية في لبنان سبيلاً لملئه سوى بطروحات متعددة، تخفي انقسامات بعيدة في الرؤى والتوجهات. ففي وقت خرج مسؤولو الثنائي الشيعي للتأكيد على أهمية الحفاظ على اتفاق الطائف والتمسك به، انطلاقاً من الحفاظ على وحدة الكيان.. تبرز في المقابل طروحات كثيرة لقوى سياسية ومدنية تطالب بأفكار متعددة، من بينها الفيدرالية، اللامركزية الإدارية والمالية والسياسية الموسعة. فيما تذهب قوى مغمورة إلى طرح أفكار التقسيم والانفصال، على أساس سياسي وليس على أساس طائفي أو مذهبي.
الانفصال عن الحزب
والانفصال السياسي ينطلق من فكرة فصل المسارات عن حزب الله، بتحويل لبنان إلى منطقتين. الأولى، يحكمها الحزب وحلفاؤه. والثانية، تحظى برعاية إقليمية ودولية. ومثل هذه الأفكار تتطور وتأخذ مداها لدى لوبيات لبنانية متعددة في عواصم غربية، لا سيما في أوروبا وأميركا.
ليس بالضرورة أن تصل كل هذه النقاشات إلى نتائج، إلا أن التداول بها سيستمر طيلة فترة الفراغ الرئاسي القائم، في ظل الانقسام العمودي بين حزب الله من جهة، والقوى المسيحية من جهة أخرى، التي ترفض انتخاب سليمان فرنجية، على قاعدة عدم التسليم للحزب باختيار من يريده للرئاسة، لأن ذلك سيكون عبارة عن تكريس سيطرة الحزب السياسية على البلاد.
وهناك مواقف أصبحت واضحة يعلنها مسؤولون أساسيون وقيادات مسيحية، لا سيما القوات اللبنانية وحزب الكتائب، الذين يعتبرون أن آلية عمل الدولة والنظام والصيغة الحالية لم تعد قابلة للعيش، ولا بد من البحث عن تطويرها وتعديلها، بشكل يسهم في تحريك عجلة المؤسسات من دون أي إعاقات أو عثرات تعطيلية.
ورش حزبية داخلية
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة إلى أن عدداً من الأحزاب المسيحية، عمل على تنظيم ورش عمل داخلية، تتركز على البحث في كيفية السعي لتطوير آلية عمل الدولة ومؤسساتها والنظام ككل، خصوصاً بما يتعلق بمسألة الاستحقاقات الدستورية، بالإضافة إلى تطوير وضع اللامركزية وكيفية توسيعها. وبعض هذه القوى شهدت نقاشاً حول اعتماد الفيدرالية أيضاً. وهو طرح لم يلق معارضة كبيرة في صفوف كوادر هذه الأحزاب والقوى. كما أن ذلك يمثل رأياً عمومياً في البيئة المسيحية.
التيار الوطني الحر أيضاً شهد عقد مثل هذه النقاشات وورش العمل، والتي تركزت حول اقتراحات لتطوير بعض الأمور في صيغة الطائف، بما فيها وضع مهل لانتخاب رئيس الجمهورية، ووضع مهل تلزم رئيس الجمهورية بإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة، وإلزام رئيس الحكومة بتشكيل حكومته. وقد عرجت هذه المباحثات إلى فكرة الفيدرالية وما يطرح حولها، فيما كان هناك رأي أساسي يشير إلى أن هذه الخيارات الصغرى قد تخدم القوى المسيحية المتخاصمة مع التيار، لأنها أكثر قدرة على إدارة المناطق المسيحية. ومن بين الأفكار التي طرحت، هي مسألة “الصندوق السيادي”. والذي يضعه التيار في خانة أولوياته الرئاسية، بغض النظر عن الاسم الذي سينتخب رئيساً. وعلى هذا الأساس يتفاوض التيار مع حزب الله مجدداً. علماً أن الحزب لا يزال متمسكاً بفرنجية حتى النهاية، ولن يتخلى عنه. وهذا إما سيقود إلى فراغ طويل، أو في حال نجح الحزب بإيصال فرنجية، سيعزز العزلة المسيحية أو الاغتراب لدى المسيحيين.
في إطار الرد على هذه الطروحات، برزت مواقف الثنائي الشيعي حول الطائف. كما يحصل تحرك لدى تيار المستقبل، ولا سيما النائبة بهية الحريري والأمين العام أحمد الحريري، من أجل التركيز على ضرورة حماية الطائف كرد على طروحات بعض القوى المسيحية، على أن يتم تنظيم ورش عمل ولقاءات سياسية ورسمية، حول أهمية التمسك بالطائف في ذكرى إبرامه.