يُعتبر مجلس الشيوخ هيئة سياسية من هيئات السلطة التشريعية. لقد عرف العالم القديم مجلس الشيوخ وكان ذلك في العصر الروماني حيث حمل اسم «مجلس الشيوخ الروماني» الذي اكتسب شهرة جعلت من الأنظمة الدستورية الحديثة التي تتكون من مكونات متعددة تعتمده كهيئة سياسية خاصة باعتباره اكثر تمثيلا لأنه يضم جميع مكونات المجتمع مهما كان عددها صغيرا أو كانت بعيدة.
لقد عرف لبنان مجلس الشيوخ لأول مرة في العام 1926 من خلال دستور 23 أيار من العام نفسه الذي سرعان ما الغي في العام التالي بإيعاز من السلطة المنتدبة التي وجدت فيه عرقلة للحياة البرلمانية ومعيقا لحركة الحكومة.
لكن مؤتمر الطائف الذي انعقد في العام 1990 وكان يهدف ليس فقط الى انهاء الحرب الأهلية في لبنان وانما ايضا لتغيير صورة العمل السياسي اللبناني. ورسم هذا المؤتمر خارطة طريق لإنتقال لبنان من النظام الطائفي الى النظام الوطني. ولهذا جاء في المادة «28» من دستور الطائف على أنه بعد انتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.
لكن هذا المجلس لم يُبصر النور حتى تاريخه. وقد تذرع البعض بأن المادة «28» اياها لم تحدد آلية تأليف المجلس ولا حددت ما هي القضايا المصيرية التي تكون محل عنايته.
الا اننا نعتقد ان عدم تأليف مجلس الشيوخ المحكي عنه لا يعود الى غموض المادة «28» التي يمكن توضيحها. واننا نعتقد أن السبب الحقيقي غير المعلن يعود ربما الى إرادة الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة ان تبقى هي ممسكة بالسلطة بذريعة الطائفية والمذهبية من خلال تهميش الطوائف الأخرى وعدم إشراكها في العمل السياسي.
فمجلس الشيوخ وباعتباره يضم جميع المكونات الطائفية والمذهبية هو اكثر تمثيلا للمجتمع اللبناني لأنه يضم جميع المكونات الطائفية التي تتشارك في الإمساك بالسلطة وإدارة الإجراءات السياسية بعيدا عن المنحى الطائفي واقترابا أكثر فأكثر من المنحى السياسي. والأهم من كل ذلك أن وجود مجلس الشيوخ يحقق مشاركة جميع المكونات الطائفية في العمل السياسي بمعزل عن عددها أو اماكن وجودها.
من هنا يصبح ضروريا عند تشكيل مجلس الشيوخ الحرص على تمثيل جميع الطوائف المعترف بها في لبنان بشكل عادل ويتناسب مع حجمها لأن هذا المجلس سوف يكون جسر عبور من العمل السياسي الطائفي الى العمل السياسي الوطني.
أما لجهة القضايا المصيرية التي نصت عليها المادة «28» فليس ما يمنع من الإسترشاد بما ورد في الفقرة الخامسة من المادة «65» من الدستور التي حددت المواضيع الأساسية مثل تعديل الدستور واعلان حالة طوارىء والحرب والسلم والموازنة العامة وإعادة النظر في التقسيم الإداري وقانون الإنتخاب وقانون الجنسية والقوانين الشخصية الخ…
من المؤكد أن وجود مجلس للشيوخ يشكل عامل استقرار للنظام الدستوري في البلاد لأنه يتيح لكل العائلات الروحية المشاركة في العملية التشريعية وفي رسم مستقبل البلد فضلا عن انه يحد من مخاطر نظام المجلس الواحد سيما وأن هذا المجلس قد يكون نتيجة تسوية سياسية تقوم على توافق جميع مكونات المجتمع لإقامة نظام سياسي متوازن وديمقراطي ومعبرا عن آراء الجميع ولو كان عندنا اليوم مثل هذا المجلس لما تخبط لبنان فيما يتخبط فيه.
من هنا نتمنى أن يكون استحداث مجلس الشيوخ أول بند إصلاحي من بنود الإصلاح العديدة لأن فيه خيراً للبنان ولأبنائه.