الرئيسيةمقالات سياسيةمتى رئيس «صُنع في لبنان»؟

متى رئيس «صُنع في لبنان»؟

Published on

spot_img

ليس لأنني أمضيتُ بضع سنوات سفيراً لبلاد الخير والطمأنينة وإحترام الذات الإنسانية (المملكة العربية السعودية) لدى لبنان بلد الطبيعة الجميلة بحراً وجبلاً وسهلاً ونهراً، كما بلد الثقافة والتآخي بين طوائفه، أحزن لما آلت إليه الأحوال فيه نتيجة تقديم أسلوب التحدي ومفرداته على ماهو عكس ذلك، أي التخاطب الأخوي وعلى قاعدة الوطن للجميع وهو خط أحمر لا يجوز الإكثار من التنظير في شأن مؤسساته الدستورية…
.. وليس لأنني خلال تلك السنوات إعتمدتُ الحوار الأخوي المستند إلى ثوابت نهج أُولي الأمر في المملكة منذ والدهم الطيب الذكر، الملك عبدالعزيز وحِرْص كل منهم على إعتماد سياسة الأخ الحادب المتفهم في ساعات الشدة وغلبة العناد على الروية لدى البعض. وفي محطات حوارية كثيرة مع كل أطياف الميدان السياسي والحزبي الرحب، تفهمتُ وأفهمتُ وكانت الطمأنينة تتقدم على المحاذير.

ليس الحزن يغمر نفسي وأنا أستحضر من الذاكرة تلك السنوات متابعاً لما هي الحال في البلد العزيز علينا شعباً وقيادة، لما آلت إليه الأحوال فيه، وإنما لأن متعاطي الشأن السياسي والحزبي والحركي والتياري في لبنان، أمسوا دون قواعد العمل الموجب تأديته بحُسن النية للشعب وبالتالي للوطن. كما أمسوا يمارسون الواجب السياسي عكس ما هو المعروف عن لبنان بأنه البلد الذي يزهو بالممارسة الديمقراطية. وأقول ذلك على أساس أن تنوع الرؤى لا يعود حلاً إذا كان سيُبنى سلفاً على العناد. ولقد كثرت في الأشهر الماضية الدعوات إلى الحوار بهدف إيجاد حلول للأزمة المستعصية وهي تحديداً إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكن ما جدوى الدعوة إلى الحوار إذا كان الطرف الذاهب إلى الحوار يتمسك بالموقف الواحد ولا يتقبل المناقشة.. أي بما معناه إنه سيذهب إلى الحوار ليقول هذا موقفي الذي لا مجال لأي تعديل فيه. هنا تصبح الدعوة إلى الحوار «رفْع عتب» على نحو ما يردد اللبناني كمَثَل عن الكلام غير الملتزم. وهنا بطبيعة الحال لا يعود للحوار فرصة التوصل إلى موقف متوازن، بل إن جلسة الحوار في حال عُقدت لن تدوم أكثر من بضع دقائق ويعود كل طرف إلى عرينه. لكن لو تم الحوار مستوحى أو مقتبساً على نحو ما سبق وحدث في «تجربة الطائف» التي أثمرت وفاقاً لا سامح الله الذين تلاعبوا وما زالوا به إما لجهة عدم الإلتزام أو لجهة التفسير وفْق الهوى السياسي فإنه لا بد سيثمر توافقاً وإن في الحد الذي لا يحرج هذا أو ذاك أو أولئك. وإذا جاز لحادب مثل حالي الإقتراح فإنني أرى العلاج في صيغة مجلس حواري قوامه رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية يدعون إليه بصيغة بيان يحمل تواقيعهم كل الأطياف الحزبية والتيارية والحركية وفي أشخاص القائد الأول رتبة مترئساً وفد جماعته لهذه الأطياف، ومعهم ممثلو النقابات والقيادة العسكرية والأمنية إلى جانب مَن يمثل الهيئات النسائية والمجتمع المدني، ولا تنتهي إجتماعات المتحاورين هؤلاء إلا بإتفاق يحمل تواقيع المشاركين، وبصرف النظر عما إذا كان المتحاورون إنتهوا إلى صيغة لا متخوف من مخيف فيها. صيغة تضع الأمور في مساحة عريضة من الطمأنينة حاضراً وإنتعاش الأحوال مستقبلاً. ومثل هذه الصيغة تنسجم مع تقاليد الديمقراطية التي يكاد العناد والتعصب وتحريك المشاعر الفئوية تهز ملامحها.

ربما لو كانت العملية الانتخابية للرئاسة اللبنانية تجري بالإقتراع الشعبي على نحو ما عايشناه هذه الأيام من خلال انتخابات الرئاسة في تركيا، لما كان للبنان أن يكابد هذه الوهدات واحدة تلو أُخرى، وتلك في أي حال تجربة تنفع كصيغة للبنان ما دام المخاض الصعب يلازم عملية إنتخاب الرئيس منذ السبعينات، وما دام النواب الذين يقترعون عند واجب إختيار الرئيس يمثلون أنفسهم بأكثر من تمثيلهم للقواعد الشعبية التي إنتخبتْهم نواباً. وإذا كان لبنان يتماهى بالديمقراطية نهجاً فهذه تركيا مارست العملية الديمقراطية في إنتخاب رئيس ومن دون عراك وجرحى. ومع أن الفائز لم يمثل كل شعب تركيا إقتراعاً وإنما نصف المقترعين زائداً خمسة في المئة إلا أن الفائز رغم خسارته إسطنبوله جوهرة الشأن التركي هو رئيس النصفيْن معاً وكذلك رئيس الذين لم يمارسوا الواجب الإنتخابي.

تلك في زحمة الأحوال الراهنة مجرد خواطر وتمنيات نابعة من مشاعر أخ عربي عرف لبنان وأحبه ويتمنى لشعبه الكريم تَجاوز العثرات التي هي عملياً صُنعت في الخارج لبلد طالما يتباهى بعبارة «صُنع في لبنان» وبات من الواجب درءاً لما قد ينتهي أعظم لا قدَّر الله إنتخاب رئيس يتسم بالحرص على وطنه، يصْدُق القول ويمارس الخبرة ويشهر سيف سلطانه ضد التحزب والفساد والطائفية البغيضة ويعمل بتنسيق مخلص ووطني مع حكومة تعزز العلاقة مع المحيط العربي وتستعيد الثقة به من المجتمع الدولي وتنخرط على نحو ما تعيشه بعض دول الأمة في البرامج الإستثمارية. رئيس «صُنع في لبنان» من أجْل إنقاذه ورحمة بشعبه ومعه حكومة تعمل من أجْل لبنان… وكفى هذا الوطن العزيز الذي منحه الله سبحانه وتعالى خيرات يحاول بعض أهل السياسة والتحزب بعثرتها.. هداهم الله إلى سواء السبيل. وأعان شعب لبنان على تحمُّل هذا الإبتلاء الذي يقاسيه منذ ست سنوات عجاف.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...