الرئيسيةمقالات سياسيةلماذا احتفل سُنّة لبنان بفوز إردوغان؟

لماذا احتفل سُنّة لبنان بفوز إردوغان؟

Published on

spot_img

بداية لا بدّ من تأكيد نقطتين:
1- الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ليس خليفة المسلمين. لا هو أعلن ذلك ولا الوقائع والحقائق تقول بذلك.
2- تركيا ليست دولة الخلافة العثمانية، بل هي دولة علمانية، بقوانينها المدنية وبممارستها السياسية.
ما شهدته بيروت وطرابلس وصيدا، التي تضمّ الكتلة السنّيّة الكبرى في لبنان، من احتفالات ومسيرات احتفال بفوز إردوغان بفترة رئاسية جديدة في تركيا، هو حدث لا يمكن تجاهله، لا بل إنّ الصمت تجاهه يحمل الكثير من الدلالات والمؤشّرات.
ما يمكن تأكيده أنّ أيّ طرف سياسي سنّيّ وازن لم يدعُ إلى هذه الاحتفالات والمسيرات، ولم تقُم أيّ جهة تمتلك إمكانيات ماليّة ولوجستية بدعم هذه الاحتفالية. بل ما شهدته ساحة التلّ في طرابلس حيث تقف ساعة السلطان عبد الحميد العثماني، وما فعلته شوارع بيروت، وتحديداً في منطقة عائشة بكّار وساحة المفتي الشهيد حسن خالد في الطريق الجديدة، كان حركة شعبية عفويّة من بيئة تعيش قلقها الإقليمي وفراغها الداخلي على صعيد المرجعية.

ما دفع سُنّة لبنان إلى الاحتفال بإردوغان هو نفسه ما دفعهم إلى الاحتفال بفريقَيْ الرياضي والأنصار. هو الجوع إلى الانتصار والشعور بالقوّة
السُّنّة والوقوف في العراء
لم يُقتل رفيق الحريري في عام 2005 لأنّه نائب عن بيروت، أو لأنّه بنى مسجد محمد الأمين في وسط بيروت. قُتل رفيق الحريري بطُنّ من المتفجّرات لأنّه يمثّل محوراً عربياً له مشروعه السياسي الذي يتعارض ويقف سدّاً بوجه محور آخر له مشروعه التوسّعي الساعي إلى الهيمنة على الهويّة والجغرافيا.
أبعاد اغتيال رفيق الحريري الدوليّة قرأها سُنّة لبنان جيّداً. نزلوا إلى الساحات على غير عادتهم وانخرطوا في المواجهة والنضال كما لم يعتادوا من قبل. تعاملوا مع ثورة الأرز على أنّها ثورتهم الخاصّة من أجل لبنان تماماً كما كانت محكمة اغتيال الرئيس الحريري من أجل لبنان.
ضمن علم الثورات، فإنّ أيّ ثورة لا تصل إلى التغيير والنصر تُصاب بالفشل، وهذا ما حصل من زيارة الرئيس سعد الحريري لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد ونومه في قصر المهاجرين. وأذكر هنا زيارتي لبيت الوسط صباح يوم أحد سائلاً: “ماذا تقول للناس عن هذه الزيارة؟”، فكان الجواب: “طلبها منّا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، والرجل وقف إلى جانبنا ولا يمكننا ردّ طلبه”، فاستجاب الحريري لِما طُلب منه وزار دمشق من دون موافقة ورضا سُنّة لبنان. ثمّ كانت التسوية الرئاسية وسوء إدارتها وطلب الحريري من السُنّة تجرُّع السم من دون نقاش أو معارضة..! فكان ما كان من تنازلات وأضحيات، وكأنّ السُنّة كما وصفهم النائب نهاد المشنوق في حينه باتوا يعيشون عيد الأضحى يومياً على مدار السنة منذ عام 2015 بعدما مارست المملكة العربية السعودية اعتكافاً عن لبنان وتمهّل مصري في الانخراط بالمستنقع اللبناني.
شعر سُنّة لبنان أنّهم يعيشون في العراء سياسياً واقتصادياً وأمنيّاً. قُتل منهم من قُتل واعتُقل منهم من اعتُقل، ومن فتح فمه كانت تهمة الداعشيّة بانتظاره. وإمعاناً بذلك سمع السُّنّة عبارة واحدة في الإعلام: السعوديّة لا تضع لبنان في أولويّاتها. فيما مصر تطلّ وتنكفئ ثمّ تطلّ، ودائماً في سياق التمهّل وعدم الرغبة في الانخراط.

لم يبقَ غير إردوغان
لم تختلف احتفالية السُّنّة في طرابلس وبيروت وعكّار وصيدا بفوز إردوغان عن احتفاليّتهم بفوز فريق الأنصار ببطولة الدوري قبل عام وبفوز فريق الرياضي على فريقَيْ الحكمة والدينامو. لا بل كتب أحدهم بالأمس على صفحته على فيسبوك مبتهجاً: “إنّه يوم جميل. انتصاران في يوم واحد: فوز إردوغان وفوز الرياضي”.
ما دفع سُنّة لبنان إلى الاحتفال بإردوغان هو نفسه ما دفعهم إلى الاحتفال بفريقَيْ الرياضي والأنصار. هو الجوع إلى الانتصار والشعور بالقوّة. هو الوهم بأنّهم يخرجون من العراء السياسي. هم يشعرون بجوع إلى مرجعية قادرة على حمايتهم وتحقيق الانتصارات لهم.

السُّنّة لم يكفروا بالعروبة، لكنّ جوعهم إلى البطولات العربية هو الكافر. ألم يقُل زياد الرحباني “أنا مش كافر بس الجوع هو كافر”.
لماذا احتفل السُّنّة بإردوغان؟ سؤال جوابه في الرياض والقاهرة. جوابه في كلّ عاصمة قرار عربي لا تنظر إلى سُنّة لبنان على أنّهم أولويّة، ولا تحمّلهم مسؤولية ما لم تقترفه أيديهم.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...