على وقع عتبة المئة يوم من الحرب التي يمكن أن تستمرّ لشهور أخرى، ما دامت خريطة الطريق لا تزال غير ناضجة ولا تزال المفاوضات السرّية غير مكتملة لتحديد كيفية إنهاء الحرب وإخراج الحلّ السياسي، بدأت في لبنان تظهر معالم مبادرات رئاسية داخلية ستواكب عودة اللجنة الخماسية في نهاية الشهر الجاري إلى الاجتماع.
بين الخارج والداخل أصبح من المسلّم به فصل المسارين السياسي والأمنيّ، وتنقسم استفاقة لبنان من الكوما السياسية التي أدخلته بها حرب غزّة إلى مسارين:
– مسار خارجي سيحمله الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بعد اجتماع “الخماسية” في القاهرة أو في المملكة العربية السعودية. وسيكون عنوانه ثوابت رئاسية باتت معلنة منذ اجتماع نيويورك الثلاثي.
– ومسار حراك داخلي خرج من رحم الكتلة السنّية الوحيدة المتماسكة، “تكتّل الاعتدال الوطني”. وقد امتدّ إلى كتل أخرى، متقاطعاً مع حراك عين التينة التي ستكون بوّابة الحلّ الرئاسي في المقبل من الأيام.
على وقع عتبة المئة يوم من الحرب التي يمكن أن تستمرّ لشهور أخرى، ما دامت خريطة الطريق لا تزال غير ناضجة ولا تزال المفاوضات السرّية غير مكتملة لتحديد كيفية إنهاء الحرب وإخراج الحلّ السياسي
فهل ينتج هذان الحراكان رئاسة لإعادة تكوين السلطة أم أنّ الرئاسة مؤجّلة إلى ما بعد غزّة؟
عودة فاعلة للقاهرة
بين نهاية هذا الشهر وبداية شهر شباط، ستجتمع اللجنة الخماسية على مستوى ممثّلين عن الدول الخمس، وليس على مستوى وزراء الخارجية. الجديد أنّ القاهرة طلبت أن يحصل الاجتماع على أرضها لِما لها من دور تاريخي في لبنان. فالقاهرة التي ارتضت أن يكون دورها ثانوياً في الفترة السابقة، قرّرت أن يكون حراكها اللبناني أكثر فاعلية. وبغضّ النظر عمّا إذا عُقد الاجتماع على أرضها أو لا فإنّها ستكون في عمق المباحثات اللبنانية حول الرئاسة المقبلة.
بعد الاجتماع الذي سيحضره لودريان، سيتوجّه الأخير إلى بيروت للقاء المسؤولين، لكن هذه المرّة مع خريطة طريق واضحة. في العلن لن تدخل اللجنة في أسماء. لكن في المضمون ستكون مقرّراتها مختصرة على مواصفات قلّة من الشخصيات. وفي هذه المقرّرات أن يمثّل الرئيس المقبل خياراً “ثالثاً”، وأن يطوي صفحة الانقسام السابق حول المرشّحَين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، وأن تمثّل الشخصية نهجاً إصلاحياً ليكون رئيس الجمهورية متعاوناً مع حكومة منتجة إصلاحية جاهزة للعمل على إخراج لبنان من أزمته بمساعدة دولية وعربية.
نهاية ترشيح فرنجيّة والبيسري؟
تقول مصادر فرنسية لـ”أساس” إنّ بيان نيويورك الأوّل لا يزال يختصر مواصفات الرئيس. لهذا فإنّه لناحية الأسماء سبق أن دخلت اللجنة في فخّ تسمية مرشّحين رئاسيّين:
– أوّلاً عندما سمّت باريس سليمان فرنجية يوم رأت فيه شخصية يمكن أن يتمّ التوافق عليها، وهو ما أدّى إلى انقلاب القوى المسيحية على الدور الفرنسي في لبنان.
– ثانياً عندما سمّت الدوحة اللواء الياس البيسري يوم كانت هذه التسمية أحادية من دون تنسيق مع أعضاء اللجنة، وهو ما أدّى إلى جردة حساب قطرية مع اللجنة وعودة مبدئية عن التسمية.
بين نهاية هذا الشهر وبداية شهر شباط، ستجتمع اللجنة الخماسية على مستوى ممثّلين عن الدول الخمس، وليس على مستوى وزراء الخارجية
بالتالي فإنّ باريس والدوحة اللتين تلعبان دوراً مهمّاً في لبنان لِما لفرنسا أوّلاً من تأثير ثقافي وتاريخي وسياسي في لبنان، ولِما لقطر من علاقات متينة مع القوى السياسية ودور في إعادة إعمار البلاد بعد حرب تموز 2006، ستعودان إلى اللجنة من دون تسميات في العلن، لكن بتأكيد مواصفات رئاسية محدّدة جداً.
حراك داخليّ بين برّي و”الاعتدال”
من رحم كتلة الاعتدال الوطني السنّية ولدت مبادرة رئاسية امتدّت إلى عدد من الكتل النيابية الصغيرة، أبرزها “لبنان الجديد” ونواب صيدا وعدد من النواب المستقلّين. ستشكّل هذه الكتل لجنة لتجول على القوى بهدف إحياء الملفّ الرئاسي من ركوده. ستلاقي مبادرة هذه اللجنة عين التينة التي باركت حراك “الاعتدال” والتي تتحضّر لمبادرة تشبه المبادرة السابقة لكن من دون التشديد على شكل الحوار المفترض.
الرئيس برّي وصلته أجواء من مصادر دبلوماسية حول رغبتها في العمل على فصل المسارين الأمني والسياسي وعدم ربطهما لأنّ ما بينهما ليس مقايضة ولا مبادلة. وعليه، صرّح بشكل واضح جداً بعد لقائه مسؤولَ السياسةِ الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن “أهمية إنجازِ الاستحقاق الرئاسي بمعزِلٍ عن الحرب العدوانيةِ التي تشنُّها إسرائيل”.
يقول النائب سجيع عطية لـ”أساس” إنّ الحراك الداخلي الرئاسي المفترض اطّلع عليه الرئيس بري وباركه وسط شبه توافق وقناعة بأنّ الرئيس المقبل سيُنتخب قبل الاتفاق الأمني بين لبنان وإسرائيل، لكي يكون توقيعه ختماً لاتفاق تاريخي لن يكون لبنان قبله كما بعده، فدور رئيس الجمهورية في هذه الحالة، وإن كانت صلاحياته غير نهائية في البت في أي اتفاق أمني أو تثبيت حدود بريّة ربطاً بالمفاوضات الجارية، إنّ انتخابه يعيد تكوين السلطة على مستوى تشكيل حكومة جديدة. لأنّه وبحسب الدستور أنّ أي اتفاق أو معاهدة عليها أن تمر في مجلسي الوزراء والنواب كي تصبح منجزة. من هذا المنطلق يتحدث المعنيون بالمسار الرئاسي عن ضرورة الانتخاب لإعادة تكوين السلطة لتكون جاهزة للمصادقة على أي معاهدة مقبلة.
الحزب منفتح على هوكستين
بالتزامن مع الحراك الخارجي والداخلي الرئاسي، مسار الاتفاق الأمنيّ مستمرّ. وفي معلومات “أساس” أنّه على الرغم من أنّ ما طرحه الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين ليس كاملاً وليس مقبولاً بكامله، إلا أنّ الحزب مرتاح ومنفتح على مهمّة هوكستين الذي يفترض أن يعود بطرح كامل بين لبنان وإسرائيل.
إلى ذلك الحين فإنّ المسار الأمنيّ مستمرّ والمسار السياسي كذلك. وكلّ المسارات تتقاطع في عين التينة على أن يتمّ توقيع وانفتاح العهد الجديد في بعبدا قريباً.
هذا في أفضل السيناريوهات، أما في أحسنها أن يكون الكلام لا يعكس الأفعال، وأن تكون كل الدعوات لانتخاب رئيس فقط مادة للتفاوض. في كلام آخر، إنّ الرئاسة ستكون واحدة من خيارين. إما أن يسعى فريق في البلد أن تكون الرئاسة مقايضة مع اتفاق الحدود وهو أمر مستبعد حصوله، إمّا أن يكون اتفاق الحدود مقابل ثمن إقليمي كما كانت الحدود البحريّة ثمن حكومة العراق، وإما أن تكون الرئاسة اتفاقاً بين كل القوى السياسيّة على إعادة وضع البلد على السكة العربيّة والدوليّة وهو ما تعمل عليه كتلة الاعتدال السنيّة التي وضعت نفسها في قلب المعادلة.
لكن، ووفق مصادر مقربة من الحزب ، فهي تنقل عنه انفتاحه على الحدود وعلى الرئاسة مجيباً أنّه في لبنان لا يريد شيئاً. فهل سيدفع الثمن إذاً في الإقليم؟