الرئيسيةمقالات سياسيةلبنان يتخبّط بالنازحين: طور جديد من انحلال الجمهورية

لبنان يتخبّط بالنازحين: طور جديد من انحلال الجمهورية

Published on

spot_img

لم يعد يشغل اللبنانيين سوى ملف اللاجئين السوريين. عمليات تدفق منظمة وكثيفة تجري من الأراضي السورية باتجاه الأراضي اللبنانية. تقابلها حملات عنيفة وتقاذف للاتهامات بين المسؤولين والقوى السياسية، بالإضافة إلى الحملات العنيفة على اللاجئين، والتي تقود إلى تحميلهم مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي. تأتي الحملات في سياق سدّ فراغ وغياب أي خطة أو مشروع لمعالجة أزمة اللجوء. في مثل هذه الحالات تصبح الحملات العشوائية هي السبيل لتغطية الفشل أو انعدام الرؤية. يصل ذلك في ظل انسداد سياسي كبير، وغياب أي قدرة على الوصول إلى تسوية سياسية تطال رئاسة الجمهورية، والحكومة، ووضع رؤية مشتركة للبلاد لتخرج من أزمتها. هذا الصراع في التوجهات، يقابله أيضاً تصارع حول كيفية إدارة ملف اللاجئين.

مواقف المسيحيين
تتوزع المواقف التي يطلقها الأفرقاء تجاه ملف اللجوء السوري كل حسب موقعه وحساباته. فالقوى المسيحية بعضها يحمل النظام مسؤولية ما يجري، ويعتبر أن بعد التدفقات المنظمة لمجموعات مدربة هو جزء من عودة دمشق إلى الداخل اللبناني، وربما افتعال إشكالات في غاية السعي إلى التأثير لبنانياً. أما المسيحيون الآخرون فيحملون المسؤولية للمجتمع الدولي وللحكومة اللبنانية، ويعتبرون أن معالجة الأمر تكمن في التواصل مع النظام وفي الضغط على المجتمع الدولي والأوروبيين، من خلال الدعوات إلى فتح البحر أمامهم لإغراق أوروبا بهم.
في هذا السياق، تبرز المعلومات التي تتحدث عن زيارة سيجريها رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى البرلمان الأوروبي، لمناقشة ملف اللاجئين، وللاعتراض على ما صدر سابقاً عن هذا البرلمان وغيره من مواقف أوروبية، تعتبر أن العودة للاجئين إلى أراضيهم غير آمنة. يجتمع المسيحيون على اختلاف آرائهم السياسية حول أن ما يجري يمثل تهديداً ديمغرافياً.

مواقف المسلمين
أما إسلامياً، فالمواقف متنوعة، يتعايش السنّة مع صراع حول قبول اللاجئين تعاطفاً معهم، وعدم قبولهم بسبب التداعيات السلبية اقتصادياً واجتماعياً، والمنافسة في مجالات العمل. وهذا ينتج أيضاً عن حملة منظمة تشمل كل الطوائف عنوانها أن اليد العاملة السورية تزاحم اليد العاملة اللبنانية.
تحت هذا الضياع وغياب الرؤية، يمثل موقف السنّة نوعاً من التناقض أو غياب الرؤية والوضوح. وهو ما يسمح للكثير من المسؤولين باتخاذ مواقف متناقضة أو متعارضة أو فيها بعض من اللحاق بحرب المزايدات.
أما على ضفة الطائفة الشيعية، فهنا المسألة أعقد. أولاً كان حزب الله قد انخرط في الصراع السوري، وساهم في تهجير الكثير من السوريين من أراضيهم ومناطقهم على أساس ديمغرافي. هذا التغير الديمغرافي الذي حصل في سوريا له ما يعاكسه في لبنان. في المقابل أيضاً، يعتبر الحزب أنه لن يكون بإمكانه اتخاذ موقف علني ضد اللاجئين، انطلاقاً من ثوابته التي يعلن عنها وإنطلاقاً من علاقته مع دمشق. لكنه يشير إلى المخاطر الجسيمة التي تهدد وجود لبنان وكيانيته، ويرفد ذلك بالدعوة إلى اجتراح حلّ للأزمة من خلال التواصل مع دمشق، والتنسيق معها، والضغط على أميركا وأوروبا.

خارج المنظومة العالمية
كل ذلك يحصل، من دون أي وجود لأي خطة حكومية جدية ترقى إلى مستوى مواكبة هذه المشكلة، وسط خلافات بين الوزراء وأعضاء اللجنة التي تم تكليفها بالأمر. غياب السلطة الرسمية اللبنانية عن مواكبة أي حلّ لملف اللاجئين، ينتج عن انعدام القدرة على التواصل مع المجتمع الدولي بشكل فعلي، فيما هناك من يعتبر أن لبنان أصبح مغترباً على المجتمع الدولي، وذلك في استحقاقات كثيرة، أبرزها المحاولات المستمرة للتطبيع مع دمشق بغض النظر عن الموقف الدولي، وصولاً إلى الدعوات لإلغاء قانون قيصر.
واغترب لبنان أيضاً في مجلس الأمن الدولي عن مواقف الدول، فكان معترضاً على قرار التمديد لليونفيل وكيفية توسيع صلاحياتها.
كل هذه النقاط يتم التعاطي معها دولياً بأن لبنان خارج المنظومة العالمية. وبالتالي، كلما مضى أكثر في الاغتراب، عليه أن يواجه المزيد من الضغوط من دون تقديم المساعدة أو العون من أي طرف خارجي. ما ينطبق على ملف اللاجئين يسري أيضاً على ملف رئاسة الجمهورية وعلى استحقاقات اقتصادية.
كل هذا الضياع، التناقض في المواقف، والتضارب في الآراء، وفي ظل غياب أي رؤية وطنية واستراتيجية لمعالجة ملف اللاجئين، بعيداً عن المزايدات أو المواقف المسبقة التي يريد كل طرف صرفها في حسابه، وعلى وقع الحملات التي تشن بشكل منظم، أصبح من المحتمل الوصول إلى مرحلة تفجر الواقع اللبناني مع اللجوء السوري. ويمكن لهذا التفجر أن يكون له آثار وتداعيات اجتماعية وأمنية وعسكرية، قد تهب بالبلاد إلى مقلب جديد من منقلبات الانهيار والتدهور، خصوصاً أن غياب الرؤية السياسية والخطة الوطنية، يدفع كثيرين إلى زيادة منسوب الضغط على الجيش اللبناني، ووضعه في فوهة المدفع. علماً أن الحلّ سياسي، في لبنان، كما في سوريا، لأنه لا يمكن لهؤلاء اللاجئين أن يتسربوا من دون ضبط الحدود من الجهة السورية.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...