الرئيسيةمقالات سياسيةلبنان والمنطقة بعد غزة: تنظيم الفوضى الأميركية

لبنان والمنطقة بعد غزة: تنظيم الفوضى الأميركية

Published on

spot_img

لو لم تُمنح إسرائيل الغطاء الأميركي الشامل لعمليات القتل الجماعي والتهجير في قطاع غزة، لما تمكنت تل أبيب من استمرار معاركها بهذه الشراسة، وربما لما بقيت عمليات قوى المقاومة من جبهات أخرى محدودة، وبهذا الشكل المضبوط.
الموقف الأميركي، وجحافل المدمرات البحرية وحاملات الطائرات، أحدث تغييراً في موازين القوى، ففُرض واقع جديد يحيّد إيران عن الانخراط المباشر، ويمنع حلفاءها من توسيع رقعة الاشتباكات أو الدخول في حرب واسعة. كل هذه الوقائع تضع الولايات المتحدة الأميركية في مقدمّة رعاية هذا الصراع، والذي قد يفسره كثر بأنه عودة أميركية متجددة إلى المنطقة، غايتها إعادة تثبيت النفوذ، والتصدي للصين وروسيا، بالإضافة إلى الحفاظ على مشروع “بقاء اسرائيل” وحمايتها.

صفقة القرن
تقف الولايات المتحدة الأميركية اليوم أمام مسؤولية تاريخية تتصل بدورها، وهي التي أخذت طرفاً واضحاً. وفي كل الأحوال هي ليست المرّة الأولى التي تكون كذلك. إذ لم تهتم واشنطن لكل عمليات التهجير التي اقتُرفت بنتيجة سياستها في المنطقة. ولم تعر الاهتمام لمجازر كثيرة حصلت، إنما فقط تحرّكت في سبيل دعم اسرائيل. منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت المواقف واضحة في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وإخراجهم من القطاع. وهذا ينطوي على تهديد الأمن القومي العربي، وخلق إشكالات عربية عربية، والمساهمة في المزيد من إضعاف الدول العربية. كما أن هذا المشروع لو نجح لن يقتصر على القطاع إنما سينسحب على الضفة الغربية ومخاطر تهجير أهلها أيضاً، لصالح تطبيق متأخر لصفقة القرن التي أعلنت سابقاً بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب.

تنظيم الفوضى
وفق هذا المسار، لا تبدو واشنطن في وارد تصحيح الكثير من الخطايا التاريخية التي ارتكبتها، منذ فشلها في العراق وتفكيكه وتركه مستباحاً لقوى إقليمية، ومن ثم إدارة الظهر للشعب السوري إلى أن تفككت سوريا، وصولاً إلى خراب اليمن بصراعات متوالية، غايتها تهديد الأمن القومي العربي والخليجي تحديداً.
واليوم، استمرار التغطية الأميركية للمجازر الإسرائيلية في غزة وعمليات التهجير، يعني استمرار النهج الأميركي المتبع نفسه، الذي لا يريد تحمل مسؤولية تنظيم الفوضى التي اختلقوها في المنطقة، منذ حرب العراق وما بعده. والمدخل لإنهاء القوضى يكون بإيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية. وهو ما يستمر الأميركيون في تجاهله وضرب كل مقومات تحققه.

التبرؤ الإيراني
في سعي الإسرائيليين الانتقال بمعاركهم إلى جنوب قطاع غزة، بعد تهجير الناس إلى هناك، وإصرارهم المستمر على تهجير السكان مجدداً، فإن ذلك سيخلق مشكلة فلسطينية عربية، ولا سيما مع مصر التي ترفض مسار التهجير. ما سيزيد من التشظيات واختلاق صيغ تهديد الكيانات العربية كلها. في المقابل، لا بد من تسجيل جملة ملاحظات تتصل بالموقف الإيراني والذي ركّز على التبرؤ من مسؤولية ما جرى في 7 تشرين، وتأكيدها المستمر بأن ايران لا تريد الانخراط في الحرب، ينطوي على حرص في المحافظة على “الوطنية الإيرانية” ومصالحها، وصون أمنها. منذ اليوم الأول، كان كبار قادة إيران يعملون على إطلاق مواقف واضحة بأنهم لا يريدون المغامرة ولا الانخراط في الصراع، خصوصاً في ظل الوجود الأميركي.
هذا سيفرض واقعاً جديداً أيضاً. إذ تسعى إيران من خلال عدم الانخراط في الصراع، إلى عقد تفاهمات مع الأميركيين. فيما قد يحيي الأميركيون معادلة جديدة بنتيجة الحرب على غزة، وهي معادلة “إيران منضبطة، اسرائيل آمنة ومستقرة”. على أن يتوجب عن ذلك إعادة خلق تفاهمات جديدة، عبر قنوات مباشرة أو غير مباشرة. وإن كانت ايران قد استفادت من “الحرب على الإرهاب” من العراق إلى سوريا، كما من التباعد الأميركي الخليجي في الفترات السابقة، فإن طموحاتها وصلت إلى طريق مسدود، خصوصاً أن كل مواطن النفوذ الإيراني تعرضت إلى انهيارات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية، في ظل انعدام القدرة على تقديم أي مشاريع بناء أو تقدم.

وقائع جديدة؟
ستفرض الوقائع ما بعد حرب غزة مرتكزات جديدة إقليمياً، لا سيما في ضوء الكلام الأميركي عن مستقبل غزة والضفة الغربية وإنتاج “سلطة فلسطينية متجددة”، يمكن له أن ينسحب على خارج فلسطين من خلال إنتاج مقاربة أميركية جديدة للمنطقة، قد لا تخلو من الكثير من العنف، خصوصاً مع القوى التابعة لإيران، في حال لم يحصل التفاهم المباشر أو غير المباشر. كما أن الولايات المتحدة الأميركية تريد مجانبة الاصطدام المباشر مع روسيا، ومع إيران، وفي الوقت نفسه تغيير الوقائع على الأرض في سوريا.
أما في لبنان فيبدو هناك حرص أميركي على بقاء هذا البلد، من خلال التركيز والاهتمام بالحفاظ على بعض المؤسسات ومنع الفراغ فيها، مع التضييق على حزب الله قدر الإمكان. ولكن قد يكون هناك تفكير أميركي في قطع الإمدادات العسكرية للحزب في لبنان عبر سوريا والعراق، وصولاً إلى ما يسمى تطبيق القرار 1701، بالسياسة بدلاً من التصعيد العسكري.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...