عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان وإن كانت في شكلها لا تحمل أيّ مبادرة محدّدة وتبدو وكأنّها تكرار لما سبق، إلا أنّ مضمونها الذي يختصَر في ثلاثة عناوين، يمهّد لمرحلة مقبلة ليس فقط على لبنان بل على غزة أيضاً، وذلك للارتباط الذي برز بين الحرب في غزة والوضع الجنوبي في لبنان. وبالتالي المعطى الأساس الذي يُفترض الانطلاق منه لقراءة خلفيّات الزيارة ليس مفصولاً عن جلسة مجلس الأمن التي انعقدت يوم الأربعاء في محاولة للوصول إلى قرار بوقف إطلاق النار، ولا عن أيّ مفاوضات إيرانية سعودية في المنطقة ستترتّب على أساسها ملفّات عدّة، ومن بينها وبشكل أساسي لبنان. ولمزيد من الربط، لا بدّ من التذكير بأنّ لودريان قبل وصوله بساعات إلى بيروت كان قد التقى مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا وناقشا الملفّ اللبناني، وبالتالي العناوين الثلاثة الفرنسية ليست فقط فرنسية، بل هي خلاصة الموقف الخماسي حول لبنان وسط تأكيد من مرجعيات متّصلة بها أنّ القطري الذي يجول في لبنان أيضاً، ليس بعيداً عن جوّها. بناء عليه، يبقى توقيت حصول التسوية الرئاسية التي لن تكون مفصولة عن حياكة خريطة المنطقة لتأكيد أهمية ارتباط لبنان باستقرارها في جبهته الجنوبية ربطاً بالمشهد الأمنيّ في إسرائيل.
انتظار قرار وقف إطلاق النار
على الرغم من الهدنة التي تتجدّد يوماً بعد يوم بين إسرائيل وحماس برعاية قطرية أميركية، إلا أنّ ما هو منتظر لبدء مسار جديد في الصراع هو قرار وقف إطلاق النار على أن تليه مفاوضات الحلّ السياسي. يوم الأربعاء كان المشهد مختلفاً في مجلس الأمن عن كلّ الجلسات السابقة. طالبت المملكة العربية السعودية بوقف إطلاق النار لأنّ الهدن الإنسانية لم تعُد تكفي. فيما قدّمت الصين، التي ترأس الجلسة الاستثنائية بمشاركة اللجنة الوزارية المنبثقة عن قمّة الرياض الأخيرة، ورقة حلّ للصراع. أمّا واشنطن فعبّرت عن موقف متقدّم في المطالبة بوقف إطلاق النار بعدما ردّت مباشرة على نتانياهو بمعارضتها تكرار سيناريو شمال غزة في جنوبها. موقف أميركا إن دلّ على شيء فهو يثبت أنّ واشنطن بدأت تعمل منذ فترة لـ”اليوم الذي يلي الحرب”، فاعتبرت مندوبة أميركا أنّنا “نحتاج إلى حلّ الدولتين حيث الضفة وغزة متّحدتان في سلطة واحدة”. يأتي هذا الكلام تزامناً مع العمل المكثّف في كواليس إدارة واشنطن على مسار الحلّ بعد غزة الذي تدفع فيه واشنطن إسرائيل، لا نتانياهو، إلى العودة إلى مفاوضات السلام لتلاقي مصر والأردن والمملكة العربية السعودية في منتصف الطريق. لا شكّ أن لا وضوح بعد للمرحلة الانتقالية، لكنّ ما سيليها بدأ يظهر على شكل حكومة وحدة وطنية لن تكون حماس بعيدة عنها. وبحسب مصادر دبلوماسية، ليس الكلام الأميركي عن سلطة مشتركة إلا اعترافاً بأن لا إمكانية لأيّ حلّ سياسي من دون إشراك الفصائل بعدما رفض العرب، وتحديداً مصر والأردن، الدخول في “وحل غزة أمنيّاً للقضاء على حماس”.
عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان وإن كانت في شكلها لا تحمل أيّ مبادرة محدّدة وتبدو وكأنّها تكرار لما سبق
لبنان جزء من مسار “ما بعد الحرب”
عند نضوج الحلّ في مجلس الأمن، لن يكون لبنان بعيداً عن خريطته، كما تؤكّد مصادر دبلوماسية. في لبنان أكثر من عنوان.
– استقرار الجنوب، وبالتالي استقرار الشمال الإسرائيلي ربطاً بتطبيق الـ1701 وعدم المسّ به.
– الغاز ومن خلاله استثمارات أوروبية وأميركية في لبنان في مرحلة الازدهار.
– رئاسة الجمهورية على قاعدة الخيار الثالث، أي خيار التسوية لا خيار المواجهة، وذلك لكي يحظى لبنان في العهد المقبل بدعم واحتضان عربي ودولي.
هذه العناوين الثلاثة في الملفّ اللبناني حاضرة في مفاوضات المملكة العربية السعودية وإيران، كما هي حاضرة في واشنطن. ربّما زيارة الموفد الفرنسي هذه المرّة ليست إلا ترجمة لهذا الاهتمام الدولي بهذه العناوين الثلاثة المضاف إليها حالياً ضرورة التمديد لقائد الجيش جوزف عون لأنّ عدم التمديد له هو جنون مطلق كما عبّر لودريان أمام أحد رؤساء الأحزاب الذين التقاهم يوم الأربعاء.
كيف سيتعامل لبنان مع وضعه على خريطة الحلّ ربطاً بأحداث ما بعد 7 أكتوبر، وتحديداً الحزب، في الملفّ الأمني أوّلاً والرئاسي ثانياً؟ وقد يكونان في مفهومه مرتبطين؟ هذا هو النقاش السياسي الداخلي اليوم وسط تأكيد أنّ الـ1701 لا إمكانية لتعديله ولا لتطبيقه بالكامل لأنّ إسرائيل معنيّة به أوّلاً ومتخلّفة عن تطبيقه، وبالتالي سيبقى الحال على ما هو عليه. أمّا في الرئاسة، فالرسالة الأبرز خرجت من عين التينة وحارة حريك بعد زيارة لودريان. فعين التينة أكّدت انفتاحها على عقد جلسات مفتوحة بعد جلسات نقاش وحوار، وحارة حريك تركت جوابها مبهماً قابلاً للدرس. يبدو أنّ الجميع قد أيقن أنّ ملفّ لبنان قد وُضع على الطاولة وأنّ لحظة قطاف الرئاسة ستكون برعاية الخماسية وإيران معاً، وسط معلومات أنّهم أصبحوا أقرب إلى الحلّ أكثر من أيّ وقت مضى.