خمسة خطابات مفصليّة للأمين العامّ للحزب السيد حسن نصرالله منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة واشتعال الجبهة الجنوبية للبنان لم يتطرّق خلالها إلى الملفّ الداخلي، تحديداً الرئاسي، بأيّ كلمة.
زبدة كلام الأمين العامّ للحزب لبنانياً ارتكزت على “الذهاب إلى الحرب من دون ضوابط ولا أسقف إذا “فكّرت” إسرائيل بالهجوم على لبنان”، وأنّ “ما يجري على الحدود الجنوبية لا سابق له منذ 1948 لناحية تثبيت معادلة الردع ووضع لبنان أمام فرصة تاريخية لتحرير كامل أرضه بدءاً من نقطة B1 في الناقورة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا”، مع طرح مقاربة تحتمل الكثير من التأويل ربطاً ليس فقط بالملفّ الحدودي بل بانتخابات رئاسة الجمهورية: “فليقف العدوان على غزة، وبعد ذلك في ما يتعلّق بلبنان لكلّ حادث حديث”.
خمسة خطابات مفصليّة للأمين العامّ للحزب السيد حسن نصرالله منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة واشتعال الجبهة الجنوبية للبنان لم يتطرّق خلالها إلى الملفّ الداخلي، تحديداً الرئاسي، بأيّ كلمة
سياسة الغموض
عمليّاً، الغموض الذي كان يلفّ موقف الحزب، ليس من هويّة المرشّح الذي يتبنّاه علناً وهو النائب السابق سليمان فرنجية، بل إن المسار الرئاسي برمّته وآليّة الحلّ، زاد غموضاً بعد حرب غزة وانخراط الحزب بمشروع وحدة الساحات، خصوصاً بعدما سلّم كثيرون في الداخل والخارج بأنّ الحزب سيربط حتماً بين نتائج “الانتصار” المسبق الذي يسوّق له عسكرياً في الجنوب كجبهة إسناد لغزة وحماس و”استثمارها” ضمن الضغوط لوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع وبين انتخابات رئاسة الجمهورية وصولاً إلى المشاركة في اختيار رئيس الحكومة المقبل في ضوء فتح باب ملفّ سلاح الحزب على مصراعيه للمرّة الأولى، وهذه المرّة من جانب الحزب نفسه حين بادر نصرالله إلى فتح “طاقة” في شأن التحرير الكامل لمناطق النزاع في الجنوب، وهو ما يعني حتماً في اليوم التالي البحث في مصير السلاح ليس جنوب الليطاني وحسب، بل على كامل الأراضي اللبنانية تنفيذاً للاستراتيجية الدفاعية.
لا تُقارِب قيادات الحزب مسألة الموقف الحزبي الرسمي من احتمال الفَصل بين جبهة الجنوب التي لا تزال تتأرجح بين خيارَي التهدئة والانفجار ووقف العدوان على غزة، وبين إمكانية “استثمار” المرحلة الانتقالية الفاصلة عن ترتيبات ما بعد “طوفان غزة” من أجل انتخاب رئيس للجمهورية.
هو احتمال ممكن وقائم يغذّيه تجدّد الحراك الخارجي على أكثر من مستوى ورصد إعادة تموضعات داخلية ومبادرات متفرّقة وغير منسّقة، لكنّها تصبّ في خانة كسر الحواجز بين أكثر من فريق سياسي ونيابي، والأهمّ عدم تسجيل زيارة الموفد الرئاسي آموس هوكستين لتل أبيب ولبنان أيّ خرق قد يفتح ثغرة في جدار الاستاتيكو العسكري المفتوح ربّما على أشهر طويلة من الاستنزاف وحصد الخسائر كما النقاط. وللمفارقة، فور مغادرة هوكستين وعلى وقع التطوّرات العسكرية الميدانية تكرّس منطق الـ “فيفتي فيفتي” في شأن احتمال شنّ إسرائيل حرباً واسعة على لبنان الذي قابله إعلان نصرالله عن “جهوزية” الحزب للتصدّي لها “من دون سقوف”.
بين البرلمان والحدود
بالتأكيد، يُمكِن اليوم طرح الأسئلة البديهية:
– هل يمكن لنواب الحزب أن يتوجّهوا إلى ساحة النجمة للمشاركة في انتخاب فرنجية، أو مرشّح آخر، فيما ساحة الجنوب تشتعل بالصواريخ العابِرة للأجواء اللبنانية-الإسرائيلية وحرب الاغتيالات ناشطة وصولاً إلى عمق الضاحية؟
– إذا كان الشرط بالنسبة للحزب وقف العدوان على غزة من أجل بدء التفاوض حول الحدود البريّة والانسحاب من جنوب الليطاني، فأيّ شرط يمكن أن يَضعه الحزب من أجل قبوله بالجلوس إلى الطاولة لتقرير هويّة الرئيس المقبل؟
– ما الذي يمكن أن يقود أصلاً معارضي وصول فرنجية، داخلياً وخارجياً، إلى توفير غطاء لانتخابه إذا كان من مصلحة الحزب “ترئيسه” قبل نهاية الحرب؟
– كيف يمكن لنصرالله أن يوظّف داخلياً ما يصفه بالانتصار التاريخي بفعل، كما قال، الخسائر الاستراتيجية التي لحقت بالكيان الإسرائيلي خلال مئة يوم على المستوى السياسي والأمنيّ والاقتصادي والعسكري، والذي قد يتوَّج بوقف العدوان والذهاب إلى التفاوض؟
يتشكّك قريبون من الحزب بعكس مرجعيات سياسية عدّة “في جديّة الحديث عن تسوية رئاسية قبل أن تُطفأ محرّكات الحرب في غزة امتداداً إلى عودة الاستقرار إلى الجنوب اللبناني”
– كيف يمكن أن تجد مقاربة التهدئة المؤقّتة أو الحلّ الجزئي الذي طرحه هوكستين صدى لدى الحزب في الوقت الذي تردّدت فيه أصداء موقف نصرالله شخصياً، الرافض لأيّ كلام بأيّ موضوع قبل وقف إطلاق النار النهائي في غزة، على لسان رئيس الحكومة بوصفه الممثّل الرسمي للبنان في منتديات القرار الدولي كما على لسان رئيس مجلس النواب ووزير الخارجية، فيما في المقابل تغرق الحكومة الإسرائيلية بالخلافات السياسية والأمنيّة والشخصية؟
لا رئاسة قبل نهاية حرب غزّة؟
يتشكّك قريبون من الحزب بعكس مرجعيات سياسية عدّة “في جديّة الحديث عن تسوية رئاسية قبل أن تُطفأ محرّكات الحرب في غزة امتداداً إلى عودة الاستقرار إلى الجنوب اللبناني”، ويغلّبون مسار “تمسّك الحزب بخيار فرنجية بكلّ بساطة لأنّه لا شيء، قبل حرب غزة وبعد مئة يوم من اندلاعها، يدفعه إلى تقديم تنازلات تعكس منطق عدم تكريس المكاسب”.
سعر السلاح!
في المقابل، لا يعوّل هؤلاء أيضاً على منطق المقايضة بين “تنازل الحزب جنوباً، لجهة الواقع الميداني والعسكري وترك التفاوض بالكامل للدولة كما حصل في ملفّ ترسيم الحدود البحرية، والتعويض رئاسياً لأنّ هذه المقايضة غير جائزة للعديد من الاعتبارات، أهمّها أنّ مصير السلاح ربطاً بأيّ ترتيبات أمنيّة جنوبية لا يمكن أن يُسعّر برئاسة جمهورية أو مكتسبات سياسية لها تاريخ صلاحيّتها في الحكم، فيما التمسّك بسليمان فرنجية مرشّحاً لرئاسة الجمهورية أمرٌ، كان ولا يزال، قابلاً للتفاوض عليه والتحقيق قبل وبعد حرب غزة بغضّ النظر عن نتائجها”.
يلفت هؤلاء إلى أنّ خطوط الإمداد والتواصل السياسي للحزب مع ممثّلي عواصم القرار لم تنقطع طوال فترة حرب غزة إمّا بالمباشر أو بالوساطة من خلال رئيسَيْ مجلس النواب والحكومة وقنوات سرّيّة. والاستنتاج الأهمّ الذي يخرج به هؤلاء أنّ ضوابط نصرالله العسكرية لحرب غزة تُسهم في ترحيل الملفّ الرئاسي وانطلاق مسار الحلّ السياسي والماليّ والاقتصادي إلى فترة غير محدّدة زمنياً بغضّ النظر عمّا يمكن أن يصدر من مقترحات جديدة عن اجتماع اللجنة الخماسية المرتقب أو جولات الموفَدَين الفرنسي والقطري.