إحدى النقاط الأساسية التي كرّسها اجتماع الدوحة الخماسي، هو عدم الإشارة في بيانه الختامي إلى فكرة الحوار التي كانت مطروحة بين الأفرقاء اللبنانيين. وهي فكرة فرنسية حصل عليها تقاطع مع قوى داخلية، على رأسها الثنائي الشيعي. بحسب المعلومات فقد كان هناك توافق سعودي قطري على عدم الدعوة إلى هذا الحوار في المرحلة الحالية، لمجموعة أسباب، أولها عدم نضوج الظروف، ولأن الأرضية غير جاهزة، وثانياً، لأن لا أحد يمكنه ضبط هذا الحوار وإلى أين يمكن أن يذهب، خصوصاً في ظل التباعد الكبير في وجهات النظر والرؤى، وثالثاً باعتبار أن كل الحوارات التي خيضت سابقاً في بيروت لم يتم الالتزام بنتائجها، ولم يحصل أي تطبيق لمقرراتها. وغالبيتها تم الانقلاب عليها.
الغياب السنّي
ومن الأسباب الأساسية أيضاً لعدم نضوج ظروف الحوار، هو انعدام وجود أي تمثيل جدي وحقيقي وفاعل للطائفة السنّية في هذه المرحلة. إذ أن الثنائي الشيعي لديه موقف منسجم ويمثل الطائفة الشيعية. فيما القوى المسيحية تعبّر عن نفسها، ولديها تمثيلها الشعبي تتقاطع فيما بينها على نقاط وتختلف على نقاط أخرى. فيما المرجعية التمثيلية الدرزية واضحة أيضاً. في المقابل، يبقى السنّة خارج المعادلة، نظراً لتشتتهم وتفرقهم وانعدام القدرة على تشكيل كتلة نيابية وازنة وفاعلة ومتجانسة فيما بينها، باستثناء تشكيل كتلة واحدة من قبل حلفاء حزب الله.
مسألة غياب السنّة أو تشتتهم لا بد لها أن تشكل عقبة أساسية في طريق أي فكرة للحوار، لأنه سيؤدي إلى اختلال في ميزان التوازن الوطني.
في هذا الصدد، يدور نقاش أساسي في البلاد، حول كيفية إنتاج جهة تمثيلية لهذه الطائفة، وهل يتم إنتاجها انطلاقاً من الأرض، أي ببناء منظومة سياسية من تحت إلى فوق، عبر تشكيل مجموعات جديدة أو ذهاب بعض النواب إلى تأسيس حالات تنظيمية، يمكن أن تلقى صدى في الشارع؟ أم أن صناعة مثل هذه الحالة أو الحيثية ستكون من فوق إلى تحت، أي أن يتم توفير رعاية إقليمية ودولية وعربية خصوصاً، لعدد من الشخصيات السياسية، التي يمكن أن تتلاقى فيما بينها على مشروع معين، وتوفير كل آليات الدعم لها لتصبح هي الممثلة للطائفة السنية. جزء من هذا النقاش لا يزال دائراً حتى اليوم، من دون توفر أي معطيات خارجية بشأنه، ومن بين ما يجري تداوله أيضاً، هو طرح أسئلة متعددة حول احتمال بروز تطورات تتعلق بعودة “تيار المستقبل” إلى تفعيل عمله السياسي.
..فترة طويلة
من بين الأفكار التي طرحت هو أن يتم التركيز على انتخاب رئيس للجمهورية، واختيار رئيس الحكومة، والذي يمكن أن تبنى من حوله حيثية أساسية بناء على رعاية خارجية، باعتبار أن ذلك يمكن أن يكون الخيار الأفضل وفق مقتضيات الحاجة اللبنانية. وبالتالي، ما بعد تشكيل هذه الحيثية يمكن الذهاب إلى حوارات ما بعد إعادة تشكيل السلطة. خصوصاً أن السنّة في هذه المرحلة، يمرّون في ظروف مشابهة لما كان عليه وضع الموارنة ما بين العامين 1990 و2005. إذ يغرقون في تفاصيل الخلافات وزواريبها الضيقة، بعيداً عن تقديم رؤية واضحة أو مشروع مستقبلي.
في ظل هذا الواقع القائم، لن يكون من المستبعد استمرار الحالة اللبنانية الراهنة لفترة طويلة، نظراً لعدم توفر ظروف حقيقية قادرة على إحداث أي تغيير أو إنتاج الحلول، بخلاف ما كان عليه الوضع سابقاً بين العامين 1989 و1990، عندما كانت الأرضية الداخلية جاهزة للتحاور وإنتاج الحل، مدفوعة بمتغيرات دولية وإقليمية كبرى انعكست على الساحة المحلية.
كما برزت محطة أخرى أظهرت الاهتمام الخارجي بلبنان، وهي بدأت منذ العام 2004 عندما جاءت لحظة دولية أخرى بالاتفاق الأميركي-الفرنسي في النورماندي، ونتج عنه القرار 1559 وصولاً إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكل ما مرت به البلاد من تداعيات لصراع إقليمي دولي بين محورين.
تجدد الاهتمام الدولي على وقع هذه التناقضات الإقليمية، من خلال مؤتمر الحوار في العاصمة القطرية في العام 2008 وأنتج حلاً للأزمة. أما اليوم فإن الواقع القائم مختلف جذرياً، في ظل عدم توفر أي أجواء دولية مهتمة بلبنان، أو تضعه في سلّم أولوياتها. فالاهتمام به ينطلق من الحفاظ على استقراره من دون تقديم مشروع تفصيلي وواضح لما ستكون عليه الصيغة الداخلية والخارجية التي ستحتكم إليها البلاد.