أين باريس من حملة الانتقادات التي تعرضت لها من قبل بعض الأوساط السياسية والاعلامية اللبنانية حيال تحركها على صعيد المساعدة في ايجاد مخرج للشغور الرئاسي، وكيف تنظر العاصمة الفرنسية إلى موقف الرياض المستجد من هذا الاستحقاق والنشاط الديبلوماسي السعودي في الساحة اللبنانية؟
الانتقادات القاسية الصادرة في الفترة الأخيرة عن بعض القيادات السياسية والمراجع الروحية والأوساط الإعلامية اللبنانية والتي طالت فرنسا وخصوصاً الخلية الرئاسية المهتمة في المساعدة على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لم تفاجىء باريس التي كانت وصلتها تقارير ديبلوماسية واستطلاعات رأي اجرتها أجهزتها على الأرض في الأوساط الشعبية اللبنانية (خصوصاً المسيحية).
فقد ذهبت خلاصة عملية “جس النبض” هذه في اتجاه “عدم تفهم الموقف الفرنسي” حيال المضي في خيار دعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للوصول الى رئاسة الجمهورية. وفي معرض ردها على هذه الحملة “غير العادلة وغير المبررة”، أبدت المصادر الفرنسية المتابعة للملف اللبناني تفهمها “للمزاج الشعبي غير المتحمس لهذا الخيار” إلا أنها لم تخفِ مرارتها وامتعاضها الشديد حيال مواقف بعض القيادات السياسية والمراجع الروحية المسيحية التي “تحاول التهرب من تحمل مسؤولياتها حيال تبعة استمرار الشغور الرئاسي وعدم القدرة على صياغة رؤية مشتركة وهذا ما يجعلها ترغب في إلقاء المسؤولية على غيرها”. وتضيف المصادر أن لديها الكثير من الوقائع والحقائق التي تُدين هؤلاء لكنها تحتفظ بها حالياً نظراً لتحسسها دقة الظرف اللبناني. خلاصة موقف باريس المستجد: “هناك تطور في المسار الرئاسي اللبناني بحيث أن اللعبة باتت مفتوحة”. ويبدو أنه أمام السباق الرئاسي مهلة شهر بين منتصف أيار/مايو وبين منتصف حزيران/يونيو تتضح خلالها حظوظ فرنجية من خلال تجميع قواه ومؤيديه في مقابل امكان نجاح فرص تفاهم معارضيه على مرشح منافس له وللدلالة على قدرة الداخل اللبناني ولا سيما الجانب المسيحي في اتخاذ زمام المبادرة وفرض إرادته على أي تسوية حتى ولو أتت بمباركة خارجية، استعادت المصادر الظروف التي رافقت الإنتخابات الرئاسية في العام 2016 كاشفة عن بعض جوانبها. هنا، تروي المصادر الفرنسية أنه في العام 2016، وبرغم تفاهم سعد الحريري وسليمان فرنجية في باريس على خارطة طريق تُمهّد الطريق امام وصول الأخير الى قصر بعبدا وتسرع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الاتصال بفرنجية للمباركة والتهنئة، استبق العماد ميشال عون زيارة السفير الفرنسي إلى الرابية واستدعى في الصباح الباكر وعلى عجل النائب ابراهيم كنعان المولج بمهمة التفاوض مع القوات اللبنانية وطلب إليه التوجه فوراً إلى معراب وابلاغ رئيس حزب القوات سمير جعجع قبوله المناصفة في توزيع الحقائب الوزارية والمراكز الإدارية مقابل تأييد نواب القوات اللبنانية له في المعركة الرئاسية. وهكذا كان.. والبقية معروفة لجهة سقوط تفاهم الحريري ـ فرنجية ونجاح اتفاق معراب بين عون وجعجع. تحريك المياه الرئاسية الراكدة وفي إطار إعادة تحديد الموقف الفرنسي حيال الواقع الحالي في لبنان تُذكّر المصادر بالمعطيات الآتية: 1-يعود الفضل لفرنسا في إخراج الوضع اللبناني المتأزم من حال الانتظار والشغور الرئاسي والمأزق المستمر منذ أكثر من ستة اشهر. فباريس هي التي بادرت إلى “تحريك المياه الرئاسية الراكدة” في محاولة جادة ومستمرة لإخراج الوضع اللبناني من حال “الستاتيكو” عبر تكثيف مشاوراتها واتصالاتها الدولية (مع الولايات المتحدة) والإقليمية (مع السعودية ثم مع قطر ومصر). ولولا هذا الاصرار الفرنسي لما كان لبنان يشهد حالياً هذا الحراك الداخلي والخارجي. 2-تأكيد الديبلوماسية الفرنسية بأن “لا مرشح” لباريس في السباق الرئاسي جاء ليس فقط للتأكيد على موقف فرنسا المبدئي من أن فرنسا على مسافة واحدة من جميع المرشحين، بل أيضاً للقول بأن مواكبتها لخيار فرنجية كان بهدف دفع بقية الفرقاء للتحرك الجدي والعملي من أجل بلورة أي تفاهم أو توافق حول أي مرشح منافس. 3-ثوابت الموقف الفرنسي تنطلق من تحذيرها من خطورة الاستمرار في تعطيل المؤسسات الدستورية وتداعيات ذلك على الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي لكل اللبنانيين. 4-التمسك بحل توافقي في إطار احترام إتفاق الطائف والواقع البرلماني الذي نتج عن الانتخابات النيابية الأخيرة والتوازنات الداخلية الدقيقة. 5-الإلتزام الفعلي بالمباشرة بعملية الإصلاحات الضرورية والمطلوبة كمدخل أساسي لاستعادة ثقة الخارج وتأمين دعمه. سباق فرنجية الرئاسي مع الوقت تنظر باريس بكثير من الإرتياح إلى الموقف السعودي حيال الاستحقاق الرئاسي وما يرافقه من نشاط ديبلوماسي وحراك في الداخل اللبناني. وهي تعتبر أن موقف الديبلوماسية السعودية بالاعلان أن “لا فيتو” رئاسياً يتقاطع ويلاقي موقف الديبلوماسية الفرنسية التي عبّرت عنها وزارة الخارجية بلسان الناطقة باسم الكي دورسيه من خلال تشديدها أن “لا مرشح” لها للرئاسة اللبنانية. ما بعد منتصف الشهر المقبل لن يكون كما قبله أكان على صعيد تحديد خيارات الأشخاص في الداخل (كل الاحتمالات واردة) أو على صعيد اتخاذ إجراءات عقابية خارجية تتناول الجهات الداخلية المعرقلة للاستحقاق الرئاسي وتشير المصادر إلى أن الديبلوماسيتين الفرنسية والسعودية تلتقيان لاعطاء “فرصة أو مهلة حث” للفريقين المتنافسين (الأول المؤيد لخيار فرنجية والثاني المعارض له) من أن أجل أن يسعى كل فريق لتنسيق مواقفه وتجميع قواه تمهيداً للذهاب في أقرب فرصة إلى المجلس النيابي واقتراع كل فريق للمرشح الذي يختاره. وقد وصلت إلى العاصمة الفرنسية أصداء مساعي المعارضة للتفاهم حول رؤية مشتركة ومرشح موحد (هناك ثلاثة اسماء مطروحة نتيجة عملية التصفية والفرز بين الأسماء المتداولة وهناك أرجحية لاسم بين الثلاثة، بينما يبقى اسم رابع مستور منعاً لحرقه وحرصاً على طرحه في حال توفر ظروف تسوية ما). وتحرص المصادر على التأكيد أن باريس كما الرياض، لا موقف مسبقاً لها من هذه الشخصية أو تلك، بل إن الحكم على المرشح الفائز سيكون من خلال الأفعال. خلاصة موقف باريس المستجد: “هناك تطور في المسار الرئاسي اللبناني بحيث أن اللعبة باتت مفتوحة”. ويبدو أنه أمام السباق الرئاسي مهلة شهر بين منتصف أيار/مايو وبين منتصف حزيران/يونيو تتضح خلالها حظوظ فرنجية من خلال تجميع قواه ومؤيديه في مقابل امكان نجاح فرص تفاهم معارضيه على مرشح منافس له. باختصار؛ ما بعد منتصف الشهر المقبل لن يكون كما قبله أكان على صعيد تحديد خيارات الأشخاص في الداخل (كل الاحتمالات واردة) أو على صعيد اتخاذ تدابير وإجراءات عقابية خارجية تتناول الجهات الداخلية المعرقلة والمعطلة للاستحقاق الرئاسي في لبنان.