الرئيسيةمقالات سياسيةفلسطين تقاتل... وإيران تنتصر

فلسطين تقاتل… وإيران تنتصر

Published on

spot_img

شيءٌ من الانتصار على إسرائيل تحقّق. لا ريب في ذلك. صورة الدولة التي لا تُقهر، تهشّمت. إسرائيل اليوم أقرب ما تكون إلى توصيف الأمين العام للحزب، وممثّل الخامنئيّة على “الساحة” اللبنانية، حسن نصر الله.

لنقُل “الجبهة اللبنانية” لا “الساحة اللبنانية”، ما دامت إيران ترفع فلسطين وتحريرها عنواناً عريضاً لها، تندرج تحته جبهات تبعد عنها -أي عن فلسطين- أكثر ممّا تبعد إيران نفسها ربّما، وما دام في هذه الجبهة اللبنانية لا توجد قوى خارجية وإقليمية لها ثقل يؤخذ في الحسبان.

ربّما هذا ما كان في خلفيّة حاصري المقاومة من الجبهة اللبنانية، في الحزب لا غير، مطلع تسعينيات القرن الماضي، وفي أوج سيطرة الجيش السوري على لبنان.

شيءٌ من الانتصار على إسرائيل تحقّق. لا ريب في ذلك. صورة الدولة التي لا تُقهر، تهشّمت. إسرائيل اليوم أقرب ما تكون إلى توصيف الأمين العام للحزب، وممثّل الخامنئيّة على “الساحة” اللبنانية، حسن نصر الله

دول أم جبهات؟

ما تمّ بالتوافق والتراضي في الجبهة اللبنانية، بين الإيرانيين والسوريين، تمّ في غيرها من الدول-الجبهات، وإن بغير تراضٍ ولا توافق. ثمّة توجّه إيراني كشف عن وجهه في كلّ الدول العربية التي وطأها الإيرانيون وهم يصدّرون “ثورتهم”.

لا تريد إيران دولاً قائمةً بذاتها ولذاتها في الإقليم “الإيراني”، الممتدّ على امتداد القضية الفلسطينية، من حدودها الغربية وصولاً إلى اليمن حتى اللحظة. تريد جبهات متنوّعة التهديدات، جبهات عدّة لا جبهة واحدة.

جبهات عديدة وكثيرة كلمة سرّها “توحيد الساحات”، الشعار الذي أطلقه الأبرز بين رجال إيران في الإقليم، أي نصر الله. تهديد ووعيد من الحوثي في اليمن، ومثله من الحشد الشعبي في العراق، وتلويح بتدخّل وتحرّكات خجولة في الجبهة السورية متعدّدة الوظائف، وكلام تخطّى التهديد والوعيد في الجبهة اللبنانية.

لكن حتى الآن، الأيادي على القلوب، لا على الزناد، علماً بأنّ قرار الحرب والسلم في تلك الدول لم يعد في أيدي أنظمتها الرسمية التي تقاتل في فلسطين ربّما منذ ما قبل نكبة الـ1948. وهذا ما عوّدتنا إيران عليه منذ وصول “الشيطان الأكبر” وحلفائه إلى حدودها مع أفغانستان، ثمّ إلى العراق، وهما جاراها الأقربان.

جبهة حسينيّة… فأين الحسينيّون؟

وحدها الجبهة الفلسطينية المفتوحة أصلاً منذ عام 1948، تقاتل، وحدها مشتعلة من دون سائر الجبهات الأخرى. وحدها تعاني الأمرّين، وتُذبح ويُقطَع عن سكّانها الماء. إنّها جبهة “حسينيّة” بامتياز وفق العقيدة الإيرانية، ومن دون ناصر ينصرها.

فلسطين تقاتل إحقاقاً للحقّ في دنيا العرب والإسلام. يحدث هذا كلّ عامين أو ثلاثة، لكنّه هذا العام يأخذ بُعداً أوضح:

ـ ثمّة من يموّل ويدرّب ويقدّم الخدمات اللوجستية والأمنيّة والعسكرية كافّة، وينأى بنفسه. يفعل في فلسطين، تماماً كما فعل في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

ـ ثمّة من يقاتل بلحم حيّ ليس لحمه، وبدم طازج ليس دمه. لا ينزل “حديدان” إلى الميدان، إلا عندما توضع الطاولات وتُصفّ الكراسي، ويأتي مفاوضو الدول الكبرى.

ما دامت إيران ترفع فلسطين وتحريرها عنواناً عريضاً لها، تندرج تحته جبهات تبعد عنها -أي عن فلسطين- أكثر ممّا تبعد إيران نفسها ربّما، وما دام في هذه الجبهة اللبنانية لا توجد قوى خارجية وإقليمية لها ثقل يؤخذ في الحسبان

منذ اتفاقات تطبيع العلاقات تحت الطاولة وفوقها، وإيران تموّل أصحاب القضية الفلسطينية، وأصحاب القضايا الفئوية في العالم العربي، من لبنان إلى اليمن. تمدّهم بالسلاح والعتاد والأموال إذا توافرت. وتدعمهم لفظياً بأشدّ العبارات والشعارات ثوريةً، لكنّها تبقى بعيدةً.

تفعل إيران ما تفعله حيناً نصرةً لأهل اليمن، فتقوّض الدولة اليمنية وتنزع منها قرار الحرب والسلم، فيفتح الحوثيون جبهة الخليج العربي، وأحياناً نصرةً لأهل العراق، فتحول دون قيام دولة فيه، وتتركه لأنصارها من الحشد الشعبي منهبةً اقتصاديةً وطاولةً تفاوضيةً كلّما حُشرت. ومرّةً من لبنان، حيث تناصر أنصارها المحرومين سابقاً والمستضعَفين حالياً، ومرّةً من سوريا حيث تناصر النظام المستضعَف فيها، ضدّ الغالبية الساحقة من السوريين.

وبيوتنا نحن؟  

حسناً، إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، كما لا ينفكّ يردّد ممثّل السياسة الإيرانية في الجبهة اللبنانية، حسن نصر الله. المقاومون الفلسطينيون أثبتوا ذلك، وإن أظهر دعمَه العالمُ الذي يقف خلف إسرائيل وبجانبيها وأمامها ويمدّ لها جسراً جوّياً من كلّ شيء.

لكن ماذا عنّا؟ هل بيوتنا أقوى من بيت العنكبوت ذاك؟ هل عندنا بيوت أصلاً؟ إذا قرّر أمير الجبهة اللبنانية، الأمين العامّ للحزب، نقل شعاره من خطاباته إلى أرض المعركة، بطلب إيراني أعلى، ففي أيّ بيت نحتمي؟ الدولة، وقد نزع منها قرار السلم والحرب والمال والاقتصاد والثقافة وحال دون الاجتماع فيها؟ أم نحتمي بالمجتمع الذي مزّقه إرباً إرباً حتى لا يكاد يتضامن فيه فرد أو جماعة مع “حاضنته”؟ أم نتّجه إلى الملاجئ التي بناها وهو يحفر تحت الأرض وفوقها؟ وأيّ اقتصاد سيتحمّل أعباء “نخوة” و”شهامة” قد يرفع لواءهما في أيّ لحظة، لئلّا نقول مغامرة؟


كلّ التضامن مع الفلسطينيين عموماً، وأهل غزّة خصوصاً، في ما يتعرّضون له من هجمة وحشية وإبادة. لُقّنت منذ الطفولة أن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، لكن ماذا بعد المعركة؟ إلى أين تمضي بنا طهران، ولم يعُد أمامنا بحر ولا وراءنا؟

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...