الرئيسيةمقالات سياسيةفرنسيس.. بابا الفقراء: لبنان الفقير يحتاجُه

فرنسيس.. بابا الفقراء: لبنان الفقير يحتاجُه

Published on

spot_img

الأربعاء 13 آذار 2013: كانت أنظار العالم موجّهة نحو عاصمة الكثلكة. بعد أكثر من 24 ساعة من الاجتماعات وخمس دورات تصويت، تصاعد الدخان الأبيض. في تمام الساعة السابعة وستّ دقائق أُعلن اسم البابا الجديد. بدأ عهد جديد في الفاتيكان.

الإثنين 13 آذار 2023: دخل الرجل الثمانينيّ كنيسة القدّيسة مرتا الصغيرة. احتُفل بالقدّاس بحضور عدد قليل من الكرادلة العاملين في الفاتيكان. قدّاس عادي في مناسبة مميّزة: عشر سنوات على اعتلاء البابا فرنسيس السدّة البطرسيّة. إحياء الذكرى يعكس ميزة الرجل وحبريّته: البساطة، التواضع، والفقر. فمنذ عشر سنوات طلب رئيس أساقفة بوينس أيرس السابق من أبناء أبرشيته، بدل المجيء إلى الفاتيكان للمشاركة في حفل تنصيبه، التبرّع بالمال للفقراء. وما أكثرهم في بلاده. فهو يعرفهم. كان يعيش معهم. ومثلهم. يصلح ثقب حذائه لدى الإسكافي. ويعيد خياطة ثوبه الكهنوتي إذا ما تمزّق.

الأربعاء 13 آذار 2013: كانت أنظار العالم موجّهة نحو عاصمة الكثلكة. بعد أكثر من 24 ساعة من الاجتماعات وخمس دورات تصويت، تصاعد الدخان الأبيض. في تمام الساعة السابعة وستّ دقائق أُعلن اسم البابا الجديد. بدأ عهد جديد في الفاتيكان

منذ عشر سنوات اختار الكاردينال خورخي ماريو برغوغليو اسم “فرنسيس” تيمّناً بقديس الفقراء والسلام. وفي ذكرى انتخابه بالأمس قال: “لم أكن أعتقد أنّني سأكون البابا الذي سيشهد الحرب العالمية الثالثة”، حرب ضاعفت عدد الفقراء في العالم وجعلت السلام العالمي صعب المنال.

الإصلاح الكنسيّ

ميزتان طبعتا السنوات العشر الأولى من حبرية البابا فرنسيس: الإصلاح الكنسيّ وتطوير الحوار المسكوني والحوار بين الأديان.

قبل انتخابه، أعلن الكاردينال برغوغليو حاجة الكنيسة إلى الإصلاح. فهو آتٍ من خبرة رعوية جعلته يلمس أنّ الكنيسة ابتعدت عن معاناة الناس وغدت أسيرة تنظيمها. لا عجب في ذلك. ولا عيب في إعلانه. فالكنيسة بشريّة إلى جانب كونها إلهيّة، حسب الإيمان الكاثوليكي. والبشر معرّضون للخطأ والخطيئة. في خطابه إلى “الكوريّا الرومانيّة” (الإدارة الفاتيكانيّة) في عام 2014، تحدّث البابا فرنسيس عن أمراض الإكليروس الخمسة عشر، ومنها التحجّر في الأطر التنظيميّة، والتنظيم الخاطئ، والألزهايمر الروحي، والمجد الباطل، والعداوة، والثرثرة، وتأليه الرؤساء، واللامبالاة تجاه الآخرين، والتعلّق بالأشياء المادّيّة، والربح العالمي، ودعا إلى العودة إلى خبرة روحيّة مثمرة للشفاء من كلّ تلك الأمراض.

لم يكتفِ البابا بالخطابات. إنّما عمل على الإصلاح. بعد أيام على انتخابه شكّل فريق عمل من الكرادلة والأساقفة المؤمنين بهذا الإصلاح. بدأه في إدارة الفاتيكان وبيت المال ووسائل الإعلام. وكان هدفه كنيسة أكثر قرباً من الناس وموجّهة لخدمتهم.

الحوار المسكونيّ وحوار الأديان

على خطى أسلافه طوّر البابا فرنسيس خلال السنوات العشر الأولى من حبريّته الحوار المسكوني بين الكنائس. عانق البطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل خلال زيارته للأراضي المقدّسة في فلسطين، ووقّعا معاً وثيقة تاريخيّة. والتقى في الفاتيكان رئيس الكنيسة الأنغليكانية أسقف كانتربري جاستن ويلبي. كما زار الكنيسة الأنغليكانية في روما لمناسبة 200 عام على تشييدها.

فرنسيس هو “قديس الفقراء والسلام”، والبابا سمّى نفسه فرنسيس، ولبنان اليوم واحد من أكثر دول العالم فقراً، وأكثر من يحتاج إلى السلام… وهو ينتظر البابا

وكان للحوار بين الأديان، وبخاصة مع الإسلام، النصيب الأكبر في حبريّته. وقد تجسّد ذلك في لقاءاته مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب شيخ الأزهر وتوقيعهما “وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” في الإمارات في عام 2019. كما تجسّد في زياراته دولاً إسلامية لم يزُرها حبر روماني من قبل، ومنها الإمارات والعراق والبحرين والسودان. وهو ما أسفر عن فتح سفارة للفاتيكان في الإمارات، هي الثانية في الخليج العربي بعد الكويت. ويبدو أنّ الحوار أصبح متقدّماً مع المملكة العربيّة السعوديّة، خاصّة أنّ المملكة تعتمد سياسة انفتاح غير مسبوقة في تاريخها.

تقاعس أم عجز؟!

منذ اعتلاء البابا فرنسيس السدّة البطرسيّة كثرت الحروب في العالم، بخاصّة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أدّى إلى تراجع الحضور المسيحي التاريخيّ الذي يوليه الفاتيكان أهميّة خاصّة واستثنائيّة لأسباب عدّة: فالمسيح ولد وعاش وصُلب وقام في المنطقة، ورسالة التبشير المسيحي انطلقت من الشرق الأوسط إلى العالم، وفي أورشليم وأنطاكية والإسكندرية والقسطنطينية أُسّست أولى الكنائس، وفي صحراء مصر بدأت الحياة الرهبانيّة. كما تختصر المنطقة الحوار والتلاقي بين الأديان اللذين ينبثق عنهما حوار وتلاقٍ بين الحضارات والثقافات لِما للأديان من تأثير عليهما.

انطلاقاً من هذه الأهمية للمنطقة، دعا البابا فرنسيس أكثر من مرّة إلى وضع حدّ للحروب فيها. دعا إلى إنهاء الحرب في سوريا. لكنّ أصوات انفجارات براميل بشار الأسد كانت أقوى. ودعا إلى وضع حدّ لمآسي العراق والعراقيين. إلا أنّ التطرّف الديني ومصالح الدول السياسية ونفوذ الميليشيات كانت أقوى. وهو يدعو اليوم إلى إيقاف “الحرب العالمية الثالثة” في أوكرانيا. لكنّ مصالح الدول الجيوسياسيّة تتقدّم على صوت الضمير الإنساني. لم يتقاعس الفاتيكان عن الدعوة إلى السلام، لكنّه بدا عاجزاً في مواجهة آلات الحرب الشيطانيّة.

الفاتيكان مُطالَب بمبادرة من أجل لبنان!

أمّا في لبنان المنكوب، ففي كلّ مرّة نتواصل مع مسؤولين في الفاتيكان أو مقرّبين منه نسمع أنّ الفاتيكان قلق ومستاء. هو قلق على بلد انهارت كلّ قطاعاته وجاع شعبه ومهدّد بوجوده، ومستاء من طبقة سياسيّة لم تحسن إدارة البلاد ولم تقُم بالإصلاحات المطلوبة منها منذ سنوات لتفادي السقوط المريع. لكنّ اليوم التعبير عن القلق والاستياء لم يعُد يكفي. المطلوب مبادرة فاتيكانية من أجل لبنان، مبادرة تؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة يصالح لبنان مع محيطه العربيّ والمجتمع الدوليّ، وتشكيل حكومة قادرة على الإصلاح وعلى التواصل مع المؤسّسات الدوليّة التي ستساعد البلاد للخروج من الأزمة الاقتصادية والماليّة. وأصبح معروفاً أنّ مفاتيح الحلّ للمأزق والأزمة اللبنانيَّين إقليميّة أكثر ممّا هي دوليّة. وهي تحديداً في إيران والسعودية. بعد اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في بكين أصبحت إمكانية نجاح مبادرة للفاتيكان أكبر لِما له من علاقات جيّدة مع إيران ومتطوّرة مع السعوديّة.

بالأمس استقبل البابا فرنسيس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. سمع منه هموم لبنان واللبنانيين. لكنّ الكلام الأعمق دار في لقاء ميقاتي بالكاردينال بييترو بارولين، أمين سرّ دولة الفاتيكان، الذي استُكمل حول مائدة العشاء التي دعا إليها سفير لبنان لدى الفاتيكان فريد الخازن، وشارك فيها وزير خارجية الفاتيكان المطران بول ريتشارد غلاغير. فهل يتحرّك الفاتيكان بمبادرة لإحلال السلام في بلد افتقد السلام منذ عقود، ولإعطاء الأمن لشعب تحوّل من باحث عن الأمن إلى باحث عن كسرة خبز في مستوعبات القمامة، فلا يجدها فينتحر؟!

فرنسيس هو “قديس الفقراء والسلام”، والبابا سمّى نفسه فرنسيس، ولبنان اليوم واحد من أكثر دول العالم فقراً، وأكثر من يحتاج إلى السلام… وهو ينتظر البابا.

أحدث المقالات

جهاد ازعور رئيسا؟! too good to be true

خارج الثلاثي الشهير المرشح لرئاسة الجمهورية (النائب ميشال معوض، قائد الجيش جوزف عون والوزير...

مخاوف أمنية من استمرار الوضع المتأزم

أبدت مصادر أمنية خشيتها من استمرار الوضع المتأزم الذي قد يعزز المخاوف من عمل...

إيلاف الموارنة.. أبعد من الشتاء والصيف

كانت الكنيسة المارونية صريحة في توصيف اعتراضها على إرجاء التوقيت الصيفي على حقيقته، بوصفه...

«دوحة جديدة» في القاهرة بمشاركة إيران؟

فيما آفاق التسويات تبدو مسدودة تماماً منذ بداية العام الجاري، سرت في نهاية الأسبوع...

المزيد من هذه الأخبار

مصادر «المرده» لـ«اللواء»: فرنجيه مرشح طبيعي وأسهمه ما زالت مرتفعة وسيُعلن برنامجه قريباً

مع استمرار الترقب الداخلي لما ستؤول اليه التطورات الإقليمية في ضوء الاتفاق السعودي-الإيراني وزيارة...

شيا تكرّر: سنتعامل مع فرنجيه رئيسا

ليس صحيحاً أن الجمود يكتنف مساعي انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الأدقّ القول إن هذه...

واشنطن: في لبنان ممنوع أن تتجاوزنا الرياض

قد تتحمّس السعودية لتسوية ما في ظل الحوار السعودي - الإيراني. لكن التسوية والحوار...

الراعي يعالج «المرض الماروني» بالصلاة: قد تفعل الأعاجيب!

بعد استِنفاد حراكه في اتجاه القوى المسيحية، بالموفدين الروحيين المُحمّلين برسائل «نصح»، وجدَ البطريرك...

كيف سيُسدّد ثمن سليمان فرنجيه؟

رغم تمنيات حلفائه، لم يعقد رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجيه، إلى الآن مؤتمراً صحافياً...

هل تستدرك باريس مقاربة فرنجيه – سلام بعد الانتقاد؟

الإقفال الرئاسي على حاله، فيما تبدو الدينامية الخارجية أوسع مدى من تلك التي في...

الصين تبادر لـ”ملء الفراغ” الأميركي

كان اتخاذ القرارات بناء على منظور استراتيجي، الميزةَ الرئيسة للصين. كان هذا فعالاً وحاسماً...

توجهات جديدة في السياسات الخارجية للسعودية

تاريخيا، كانت السياسات الخارجية للمملكة العربية السعودية تقترب كثيرا من مواقف الولايات المتحدة باستثناء...

بانتظار لغة الحزب.. الصينية

الحديث السائد في البلد.. هو عن التعطيل. المنابر تضجّ بالحديث عن معطّلين لا تُعلَن...

كمال جنبلاط خارج السياسة: شعر وتقمص وروحانيات

يروي كمال جنبلاط "لم يكن لدي في البداية سوى خيار الذهاب إلى منطقة صحراوية...

لماذا تُخيف البلديات السلطة؟

تخاف السلطة من الانتخابات البلدية، ألف مرة انتخابات نيابية، ولا مرة انتخابات بلدية، لماذا؟...

برّي إلى الرياض… على بركات بكين

بعد الإعلان في بكين عن التوصّل إلى اتفاق بين الرياض وطهران يوم الجمعة الماضي،...

أزمة البنوك الأميركيّة: الإفلاس الذي يشتهيه اللبنانيّون

كان يمكن لبنك "سيليكون فالي" أن يستمرّ بالعمل لأربع سنوات أخرى، من دون أن...

السعودية تغيّرت.. هل تخطت الخطوط الأميركية الحمر؟

مع خبر توقيع الإتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، يكون قد تبدّد الشك عند كل...

فرنجيّه يستعدّ: ترشّح وزيارات و”٢٤ قيراط”

كتب أنطوان غطاس صعب في موقع mtv: بات من الواضح أن الأيام المقبلة ستكون مفصلية...