الرئيسيةمقالات سياسيةغولدا مئير تفضح بايدن وتمتحن الحزب

غولدا مئير تفضح بايدن وتمتحن الحزب

Published on

spot_img

واضح أن ذاكرة جو بايدن تخونه في بعض التفاصيل الثانوية الصغيرة.

في زيارته الأخيرة لإسرائيل كرر رئيس أميركا قصة لقائه مع رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير قبل 50 سنة ونيف. أخطأ في أنها كانت قبل حرب أكتوبر (تشرين الأول)، لا حرب الأيام الستة كما قال. وسها ربما عمّن كان حاضراً خلال اللقاء وأين وكيف.

لكن روايته، بما شابها من ثغر، دليل قاطع على أن الرجل يعرف ماذا يريد، وعلى أنه قرر تكرار تجربة ومسيرة 1973.

هي “زلّة كاشفة” أو Lapsus بلغة علم النفس. من يدرك أبعادها، يمكن أن يقرأ التطورات المقبلة. كيف سيتصرف نتانياهو. وإلى أين تذهب “حماس”. وما هي خيارات الحزب ولبنان.

                                        *********************

العبارة الوحيدة الثابتة في روايات بايدن المتكررة عن لقائه رئيسة حكومة اسرائيل يومها، نقله عنها اطمئنانها وثقتها بالمستقبل: “لسبب بسيط. فنحن نملك سلاحاً سرّياً. وهو أنه لا مكان آخر لنا لنذهب إليه”.

 لا شك أنّ “حماس” ذاهبة إلى تسوية بطعم الانتصار. تسوية تستند إلى جوهر وثيقتها المعلنة سنة 2017: أي دولة فلسطينية ضمن حدود 4 حزيران 67. ومعها سنوات لتتخفف من إسلاميتها و”إخوانيتها” وأثقالها التيوقراطية

بعد الوحشية الفظيعة في الهجوم على غزة، وبعد هول عدد الضحايا ودماء الأبرياء وأجساد الأطفال الطرية المسحوقة… صار هذا “السلاح السري” بأيدي الفلسطينيين. هم وحدهم، لا مكان على سطح الكوكب يقيمون فيه إلا فلسطين. هناك فقط يدفنون أحبتهم تحت ترابها. وفيها وحدها يحيون أحراراً فوق أرضها. لذلك بات يدرك بايدن أنه لا يمكن لمشهد الكيان والفلسطينيين أن يعود كما كان قبل 7 أكتوبر أبداً.

لا بل لم يكن يحتاج بايدن إلى ذكريات ما قبل نصف قرن، ولا إلى زيارة المنطقة ليتأكد من ذلك.

كان يكفيه أن يُطل من شرفة ما على الساحات المحاذية لبيته الأبيض، أو يسمع صراخ الجامعات وهتافات طلابها وأساتذتها، صروح العقل الأميركي، أو يتابع إعلام العمّ سام، حتى الأكثر تقليدية وعراقة منه، قبل أن يصل إلى رشيدة طالب وألكسندريا أوكازيو كورتيز وأخواتهما في الكونغرس، ليدرك أن فلسطين صارت مسألة أميركية داخلية وأن حلّها بات مصلحة أميركية داخلية.

لهذا جاء بايدن إلى الشرق الأوسط، بحركتين متكاملتين: احتضان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بشدة وتلاصق تام، حتى تعطيل حركته، وتهديد طهران من رأسها حتى الأذرع، لتفشيل محاولاتها لوصل الجبهات أو توسعة الحرب، أو ما تسميّه “وحدة الساحات”.

حتى الآن يمكن القول إن الحركتين نجحتا: الثور الاسرائيلي كُبح، والثعلب الإيراني ضُبط.

لكن إلى أين من هنا؟

إذاً من الواضح أن بايدن يراهن على تكرار إنجاز 1973. يومذاك، عبر جيش الرئيس المصري أنور السادات سيناء ودخل جيش الرئيس السوري حافظ الأسد الجولان، فاهتز الكيان الاسرائيلي، وأدرك مجدداً أن زواله ممكن. كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ويده اليمنى وزير خارجية أميركا التاريخي هنري كيسنجر جاهزين للحصاد. بين هزيمة اسرائيل الممنوعة، وانتصار العرب المستحيل، أوجدا فسحة، عبر منها السادات نحو أولى التسويات، وغطّ في الكنيست، مُصالِحاً ومُوقّعاً.

طبعاً كثيرة هي تفاصيل ما حصل يومئذ. وأكثر منها مقارنتها مع ما يحصل اليوم.

يومها كانت جهوزية السادات للتسوية أكبر بكثير من استعداد “حماس” لذلك اليوم. لكن صعوبة ما قام به خليفة جمال عبد الناصر، أنه كان يومها غير مسبوق ولا مُتصوّر أو مُتخيّل.

اليوم، بعد اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، و”صمت دمشق وصبرها”، واتفاقيات أبراهام من بعض دول الخليج إلى المغرب وكادت ليبيا، يحقّ لواشنطن أن تفكر في أن التتمّة ممكنة حتى مع “حماس” بالذات.

في زيارته الأخيرة لإسرائيل كرر رئيس أميركا قصة لقائه مع رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير قبل 50 سنة ونيف. أخطأ في أنها كانت قبل حرب أكتوبر (تشرين الأول)، لا حرب الأيام الستة كما قال

يومها كانت قيادة الكيان بأيدي من هم أقل جنوناً من متطرفي تل أبيب اليوم. لكن الخطر الذي أصاب هؤلاء في 7 أكتوبر الجاري، أكبر بكثير مما أصاب أسلافهم في 6 أكتوبر 73.

كل المؤشرات تبدو مساعدة، على الأقل ليعتقد بايدن وإدارته بضرورة المحاولة.

انقسامات حماس… وتمايزاتها

فالتباين بين “حماس” وطهران صار موثقاً في 3 شهادات حمساوية علنية، على الأقل.

والتمايز داخل “حماس” نفسها سيبدأ بالظهور تباعاً وسيتأكد، على الرغم من كل محاولات رسم صورة الكتلة الحديدية المتراصة.

هذا فضلاً عن موقف عربي مشجع بأدنى تقدير على الوصول إلى تسوية عادلة ثابتة ودائمة.

في كل الأحوال، مسار أكتوبر 73 استغرق نحو 10 سنوات، حتى حققت مصر سيادتها الكاملة على أرضها.

وما سيبدأ بعد حرب غزة مجرد خطوة أولى ستكون في نهايتها دولة فلسطين المستقلة، في مدى زمني تحدده الظروف المواكبة والمعطيات المرافقة والمواقف المسهّلة أو المعرقلة.

هل نطمئن إذاً في بيروت؟

المقارنة نفسها لا تدعو إلى ذلك. فبعد حرب 73 وتوقيع اتفاق فكّ الاشتباك في سيناء والجولان، انتقل البحث الأميركي والغليان الفلسطيني إلى لبنان. أحسّ الأسد بأنه غُدر من قبل حليفه المصري. وخاف الملك حسين في الأردن من عودة خيار “الوطن البديل” على أرضه. وتفاقم صراع الأسد وأبي عمار على وراثة عبد الناصر في المنطقة، وخصوصاً في بيروت وانطلاقاً منها.

أدى كل هذا إلى انفجار الحرب في لبنان سنة 1975 في خطوة بدت وكأنها وسيلة ضرورية لتحصين خطوة السادات وضمان تسوية مصر. ارتاح الأردن من هاجسه، بعدما غرقت منظمة التحرير في وحول معارك الفنادق والجبل والمخيمات. واطمأن الأسد لحصوله على جائزة ترضية من يد كيسنجر نفسه. وليست مصادفة ولا تفصيلاً أن جيش الأسد لم يدخل لبنان سنة 76، إلا بعدما تأكد المعنيون من تجديد اتفاق الجولان في 31 أيار من ذلك العام، فأُعطي الضوء الأخضر ليحتل بلاد الأرز في 1 حزيران!

هكذا دفع لبنان ثمن مسار التسوية المصرية، المنبثقة تحديداً من انتصار أكتوبر 1973.

لكن ما هي الترجمة الراهنة لهذا الكلام الآن؟

بكلّ بساطة، لا شك أنّ “حماس” ذاهبة إلى تسوية بطعم الانتصار. تسوية تستند إلى جوهر وثيقتها المعلنة سنة 2017: أي دولة فلسطينية ضمن حدود 4 حزيران 67. ومعها سنوات لتتخفف من إسلاميتها و”إخوانيتها” وأثقالها التيوقراطية.

بعدها ستطرح إيران على نفسها وعلى واشنطن السؤال التالي: أين حصّتي؟ وسيُقلق سؤالها حليفها بشار الأسد. كما سيضع الحزب في لبنان أمام امتحانه الأهم.

أمامنا لتبلور تلك المرحلة بوضوح وجلاء، فترة طويلة نسبياً، بقياس سنوات عدّة طبعاً. لكنّ السؤال سيكون مطروحاً منذ الآن في بيروت: هل يلتزم الحزب بالوثائق* التي أعلنها؟ أم يُفرض عليه واقع آخر يُلغي تلك الوثائق ويُلغي بالتالي لبنان؟

هذه مسألة تقتضي المتابعة.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...