الرئيسيةمقالات سياسيةسيناريو السلام: لا سادات فلسطيني ولا كيسنجر أميركي

سيناريو السلام: لا سادات فلسطيني ولا كيسنجر أميركي

Published on

spot_img

في أكتوبر (تشرين الأول) 73 تمكّنت القوات المصرية من عبور قناة السويس واختراق خطّ بارليف الذي كان يُعتقد أنّه عصيّ على الاختراق.

أُصيبت إسرائيل يومها بالصدمة. وأُصيبت مصر بالنشوة. شكّلت الصدمة والنشوة وجهَي العملة السياسية التي عملت الولايات المتحدة على تسويقها بنجاح. فكان كامب ديفيد وكانت التسوية السياسية بين مصر وإسرائيل.

في أكتوبر 2023 تمكّنت القوات الفلسطينية من اختراق الحاجز الأمني الإسرائيلي الذي يحيط بغزّة برّاً وبحراً. وهو حاجز كان يُعتقد حتى يومين فقط أنّه عصيّ على الاختراق. مرّة ثانية أُصيبت إسرائيل بالصدمة وأُصيبت منظمة حماس بالنشوة. فهل تشكّل الصدمة والنشوة وجهَي العملة السياسية الجديدة لتحقيق تسوية سياسية بين فلسطين وإسرائيل؟

في عام 1973 كان وزير خارجية الولايات المتحدة هو الدكتور هنري كيسنجر، وكان يهودياً. في عام 2023 يتولّى هذا المنصب أنتوني بلينكن، وهو يهودي أيضاً.

أضف إلى ذلك أنّه في عام 1973 كان على رأس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن. وكان من أكثر الإسرائيليين تطرّفاً وتشدّداً وكراهيةً للعرب وللفلسطينيين. فهو قبل قيام إسرائيل في عام 1948 كان رئيس منظمة الهاغاناة الإرهابية التي عملت على ارتكاب سلسلة من المجازر في المدن الفلسطينية لحمل الفلسطينيين على النجاة بأنفسهم بالهجرة إلى الدول العربية المجاورة، وخاصة إلى الأردن وسوريا ولبنان، حيث ما يزالون حتى اليوم.

يرأس اليوم الحكومة الإسرائيلية أحد تلامذته ومقلّديه، بنيامين نتانياهو، الذي لم يخفِ يوماً كراهيته للفلسطينيين وسعيه الدائم إلى دفعهم إلى ما وراء الحدود الفلسطينية المحتلّة.

أوروبا مصابة بعقدة الخوف من الاتّهام باللاسامية. وهي عقدة وإن كان لها ما يبرّرها، إلا أنّها تعطّل إمكانية القيام بأيّ دور بنّاء في الشرق الأوسط يتطلّب ولو حدّاً أدنى من الموضوعية

لا يوجد أنور سادات فلسطيني. ولا يوجد جيمي كارتر جديد في البيت الأبيض. من هنا السؤال: كيف يمكن تحقيق معجزة 1973 مرّة ثانية في عام 2023؟

كيسنجر.. وفنّ تحويل المستحيل إلى ممكن

يصف الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك السياسة بأنّها “فنّ تحويل المستحيل إلى ممكن”. وبموجب هذا التعريف، فإنّ العملية العسكرية التي قامت بها حركة حماس داخل إسرائيل، كانت حتى الأمس القريب أمراً مستحيلاً. قلبت العملية بكلّ أبعادها الدموية والتدميرية أوراق الشرق الأوسط رأساً على عقب. إلا أنّ هذا الانقلاب يخلق فرصة. والفرصة تحتاج إلى من يقتنصها، كما فعل ثعلب الدبلوماسية الأميركية الأسبق الدكتور هنري كيسنجر (تجاوز الآن المئة من العمر) الذي يتميّز بممارسة فنّ تحويل المستحيل إلى ممكن.

لا يمكن البحث عن كيسنجر أوروبي. ذلك أنّ الاتحاد الأوروبي الذي أغرقته الولايات المتحدة في الحرب الأوكرانية عاجز عن أداء دور سياسي مستقلّ في لعبة الأمم. كلّ همّه الآن هو وقف الهجرة ورفع السدود والجدران برّاً وبحراً لوقف تدفّق المهاجرين الأفارقة. وأوروبا مصابة بعقدة الخوف من الاتّهام باللاسامية. وهي عقدة وإن كان لها ما يبرّرها، إلا أنّها تعطّل إمكانية القيام بأيّ دور بنّاء في الشرق الأوسط يتطلّب ولو حدّاً أدنى من الموضوعية. فالموضوعية سرعان ما تُعتبر مدخلاً للاتّهام باللاسامية.

أمّا الولايات المتحدة التي تقف على أبواب انتخابات رئاسية جديدة، فإنّ المرشّحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتنافسون على استرضاء اللوبي الصهيوني ماليّاً وإعلامياً واقتراعياً. بدأ ذلك في عام 1947، وهو مستمرّ حتى اليوم.. وإلى ما شاء الله.

كذلك لا يمكن البحث عن كيسنجر صيني. صحيح أنّ الكيسنجريّة الصينية نجحت بين السعودية وإيران، وصحيح أنّها كانت تتطلّع إلى دخول مسرح العمليات الفلسطينية – الإسرائيلية أيضاً، إلا أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين الذين أُخذوا على حين غرّة بالنجاح الصيني الأوّل، لن يسمحوا لبكين بتحقيق نجاح ثانٍ، خاصة أنّ استغلال القضية الفلسطينية يشكّل المدخل إلى الاستغلالات السياسية في كلّ المنطقة.

من هنا السؤال: ماذا بعد عملية غزّة في العمق الإسرائيلي؟ وماذا بعد العملية الإسرائيلية في عمق غزّة؟ هل تضيء العمليّتان الضوء أمام كلّ الأطراف المتداخلة لفكّ الاشتباك بحيث يتحوّل المستحيل إلى ممكن؟

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...