كان العام ٢٠٢٢ عام إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النوّاب، من دون منافسٍ سوى الورقة البيضاء. وفي العام ٢٠٢٣، نجح بري في تكريس نفسه، من جديد، لاعباً أساسيّاً لا يشكّ أحدٌ بحنكته. سيناريو التمديد لقائد الجيش أكبر دليل.
يعرف الرجل المعروف بدقّة المواعيد، إذ يتناول أدويته بالتوقيت نفسه، ويأكل ويشرب وينام ويتمشّى يوميّاً في التوقيت نفسه، كيف يختار توقيت الأحداث، فيحقّق المكاسب السياسيّة.
هو حقّق، بإصدار قانون تأجيل تسريح قادة الأجهزة الأمنيّة، وخصوصاً قائد الجيش العماد جوزيف عون، سلسلة مكاسب:
أولاً، أرضى الخارج الداعم لعون، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركيّة، وباقي أعضاء اللجنة الخماسيّة.
ثانياً، انتقم من جبران باسيل وأبعده أكثر عن حزب الله، بعد أن تضرّر بري مراراً من تحالف “التيّار” – “الحزب”.
ثالثاً، استدعى تكتل “الجمهوريّة القويّة” الى بيت الطاعة البرلماني، إذ أرغم أعضاءه على حضور جلسة تشريعيّة والمشاركة في التشريع، ولو في ظلّ شغور منصب رئيس الجمهوريّة.
رابعاً، وضع قائد الجيش، حُكماً، في صفّه، إذ يعود له الفضل الأكبر داخليّاً في هذا التمديد.
لم تأتِ مكاسب بري من عدم. هو يعرف من أين تؤكل الأكتاف السياسيّة في لبنان، وقد اختبر السياسة منذ عقود وأثبت، في أكثر من محطّة، أنّه الأذكى، وأنّه الأكثر ثباتاً في الحضور في وسطٍ سياسيّ دائم الحركة، وكثير الانقلابات.
ونحن نطوي عاماً لبنانيّاً حافلاً بالأحداث، شهدنا فيه جلسات انتخاب بلا نتيجة توقّفت منذ حزيران الماضي، وخروج اللواء عباس إبراهيم من موقعٍ استمرّ فيه ١٤ عاماً، وحلول حاكم مصرف مركزي بالإنابة، من الطائفة الشيعيّة للمرة الأولى، وتأجيل تسريح قادة الأجهزة الأمنيّة، يمكن اعتبار العام ٢٠٢٣ سنة نبيه بري، اللاعب الأكثر تمرّساً بين سياسيّي لبنان.
فمع كلّ حدث، ومع كلّ تغيير، يحضر اسم نبيه بري كصانعٍ لا كمتلقٍّ. وإذا كان الآخرون يمضون عن مناصبهم، أو يستمرّون بحكم التمديد المشروط، فإنّ نبيه بري يستمرّ في موقع الرئاسة الثانية عاماً بعد عام، قابضاً على مطرقةٍ يضرب بها أحياناً على الطاولة، وغالباً، ولو مجازاً، يضرب على الرؤوس.