مأساة الصراعات العربية والإقليمية أنّه لا يوجد طرف جانٍ وطرف مجنيّ عليه. كلاهما في النار.
تتّسع المأساة كثيراً حينما نكتشف أنّ المؤامرة في كلّ صراع محليّة بامتياز. ويزداد الشرّ فيها حينما نعلم أنّ اللاعب المحلّي هو الذي يستدعي التورّط الإقليمي والتدخّل الدولي في هذا الصراع. أصبح كلّ شيء يدخل في حسابات الربح والخسارة الشخصية، بمعنى أيّما أربح “للوردات” الحروب الأهلية، استمرارها أم التهدئة المؤقّتة أم التسوية؟
عادة ما تولد الصراعات محلّية وتحاول القوى الإقليمية، وبالذات الجارة منها، أن تستغلّ الصراع. فتنفتح شهيّة القوى الكبرى على استثمار الأزمة بممارسة الحرب بالوكالة، وفي معظم الأحيان تسعى القوى المحلّية إلى إقناع الغير بأنّ الحرب أفضل.
تتّسع المأساة كثيراً حينما نكتشف أنّ المؤامرة في كلّ صراع محليّة بامتياز. ويزداد الشرّ فيها حينما نعلم أنّ اللاعب المحلّي هو الذي يستدعي التورّط الإقليمي والتدخّل الدولي في هذا الصراع
التأمّل في الصراعات العربيّة
تعالوا نتأمّل الصراعات المدمّرة والمخيفة في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وأخيراً السودان.
– في اليمن أراد الحوثيون وعلي عبد الله صالح هذا الصراع. وكما العادة الشمال والجنوب أرادا “بيزنس” الحرب والتمويل من خلال إدخال إيران والسعودية في اللعبة.
– في السودان، عبد الفتّاح البرهان وحميدتي هما من ميراث نظام عمر البشير، وقد اتّفقا على الانقلاب عليه من أجل الحفاظ على السلطة من ثورة الشارع واختطاف مشروع الدولة المدنية. صراع البرهان وحميدتي هو صراع سلطة ونفوذ استدعى الاستقواء بقوى إقليمية وعربية وإفريقية. ويتمّ ابتزاز المنطقة بأمن البحر الأحمر وأمن دول الجوار وثروات الذهب والزراعة.
– في سوريا، الحكم والمعارضة، الجيش والميليشيات، القوى المحلّية والقوى الأجنبية، القوى المدعوّة رسمياً من النظام (إيران وروسيا) إلى التدخّل العسكري والقوى الأجنبية الدخيلة من دون إذن النظام (تركيا، الولايات المتحدة الأميركية، التحالف الدولي)، كلّهم في النار. كما أنّ الميليشيات الموالية (الحشد الشعبي، حزب الله، لواء فاطميون) والميليشيات المعارضة، وتُقدَّر بـ83 فرقة مرتزقة، بالإضافة إلى قوات الأكراد، كلّهم يلعبون لعبة الأمم ولهم مصلحة عظمى في استمرار الصراع.
– في العراق، الحكومة والبرلمان وجيش الدولة النظامي تسيطر عليهم إيران والقوى الشيعية، والعرب السُّنّة والأكراد لهم ولاءات إقليمية أو دولية. يُدار الصراع الشيعي السنّيّ، الإيراني – الخليجي، التركي – الكردي، بامتياز على مساحة هذا البلد العريق.
– في لبنان، يتطوّع كلّ حزب، وكلّ ميليشيا، وكلّ طائفة، وكلّ زعيم لاستدعاء الدعم والتمويل والنقود من عواصم المنطقة أو العواصم الدولية. ومن لبنان أُصيبت كلّ من باريس وواشنطن وبكين والدوحة والرياض وطهران ودمشق وأنقرة بـ”الزهق السياسي” والإرهاق التعارضيّ بسبب ألاعيب ومنادَيات ومطالِب وأكاذيب وفساد قادة الطوائف اللبنانية.
لم يعد هناك كلام يُقال أو صيغ يمكن أن تُبتدَع أو مال سياسي يكفي لإحداث اختراق سياسي في حالة الفراغ السياسي والانهيار الاقتصادي وسقوط مشروع الدولة في لبنان.
تُقدِّر مصادر مستقلّة قيمة عمليات بيع وشراء وتهريب وسمسرة في خمسة صراعات إقليمية في المنطقة بـ 800 مليون إلى تريليون دولار بدءاً من العقد الماضي حتى تاريخه
“بيزنس” الصراعات
باختصار “بيزنس” الصراعات والحروب الأهليّة أكثر التجارات ربحاً في هذه المنطقة.
الفكرة القديمة السائدة أنّ هناك مؤامرات إقليمية مدعومة دائماً هي التي تتسبّب بالصراعات الإقليمية.
الحقيقة المؤلمة أنّ الأطراف المحلّية تتاجر بالصراعات وتبيع الاستقرار المطلوب والمشروع الوطني المنشود من أجل مكاسب شخصية قذرة.
“بيزنس” الحروب الأهلية لدى هؤلاء أكثر ربحاً وأكثر حمايةً لهم من أيّ نظام سياسي مدني مستقرّ.
تحت مظلّة هذه الصراعات تُدار مسرحيّات القبول بالوساطة للحصول على جائزة ثمناً للقبول بالتهدئة.
تحت مظلّة الحروب الأهلية تنشط تجارة السلاح واستئجار الميليشيات ونهب مصادر الطاقة والمعادن والغاز وجبال الذهب، ويسهل جدّاً بناء السدود غير الشرعية لنهب الموارد المائية، وتنشط الإتاوات والخوّات، وتهريب البشر والمخدّرات والبضائع والأدوية المغشوشة وتزوير العملة وتجارة البشر والأعضاء وشبكات الدعارة، ودفن النفايات النووية وممارسة كلّ عمل غير مشروع مخالف للقانون ومحرّم دولياً وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الأسطورية.
مصالح الصراع أكثر ربحاً من مصالح السلام، و”لوردات” الحرب والعصابات في أمان في ظلّ استمرار إطلاق النيران ودمار المدافع.
الدولة المستقرّة، دولة القانون، الدولة المدنية الديمقراطية، سيادة العدل والإنصاف، الحكم الرشيد، حرّية التعبير، وحقوق الإنسان هي العدوّ الأوّل لِما يحدث الآن لزعماء الصراعات في صنعاء ودمشق وبيروت وبغداد وطرابلس الغرب والخرطوم.
الجميع مذنب، والجميع يتاجر بالصراعات، ويؤكّد ذلك كلّه مكالمةٌ هاتفيةٌ رصدها جهاز استخبارات خليجي كان يُجري مصالحة عربية بين طرفين عربيَّين ويقول فيها أحدهما للآخر: “نتّفق الآن ونحصل على المال ثمّ نُكمل الصراع”.
تُقدِّر مصادر مستقلّة قيمة عمليات بيع وشراء وتهريب وسمسرة في خمسة صراعات إقليمية في المنطقة بـ 800 مليون إلى تريليون دولار بدءاً من العقد الماضي حتى تاريخه. وهي أربح وأكبر من أيّ تنمية مستدامة يمكن أن تصل إلى الشعوب العربية المتضرّرة التي دفعت ثمن هذه الصراعات أكثر من 40 مليون نازح ولاجئ، وسقط بسببها أكثر من مليون قتيل وخمسة ملايين جريح ومعوّق.
ما بين 7 إلى 10 آلاف تاجر أزمات وفاسد سياسي يتاجرون بمصائر 400 مليون عربي. يا للهول ويا للمأساة.