سلْمُ لبنان من سلم غزة. بهذه العبارة يرد المسؤولون اللبنانيون، وخصوصاً الرئيس نبيه برّي، على كل المواقف الدولية والديبلوماسية التي تدعو لبنان إلى وقف العمليات العسكرية في الجنوب ومنع التصعيد.
بالنسبة إلى لبنان، فإن الجواب واضح، وإسرائيل هي التي تستمر بتنفيذ المزيد من الاعتداءات على الداخل اللبناني، وهي التي تخرق كل القوانين. لبنان لا يريد الحرب وهو حريص على التهدئة. ولكن ذلك يرتبط بمنع الإسرائيليين من ممارسة المزيد من الاعتداءات. كما يرتبط بوقف الحرب على غزة. كل هذه المواقف تجمّعت أمام الموفدين الدوليين، بما فيهم جوزيب بوريل، وهي أُبلغت للأميركيين أيضاً.
القرار الأميركي
الحركة الدولية القائمة تشير بوضوح إلى أن التفاوض هو المسار المفضل لدى الجميع، ولكن لا بد من وقف الحرب على قطاع غزة قبل الإنطلاق. ثمة رهانات على محكمة العدل الدولية وإمكانية خروجها بقرار يدين الحكومة الإسرائيلية. وبحال أبرم هذا القرار فيمكن الاعتبار بأن مسار العمليات العسكرية في قطاع غزة سيتغير بفعل الضغط الدولي. وهذا الضغط له ما يقابله لبنانياً، فيذهب أحد المسؤولين إلى الاعتبار أن الأميركيين هم أصحاب القرار. فبمقال في صحيفة الواشنطن بوست أوصلوا الرسائل اللازمة للإسرائيليين بمنع أي حرب على لبنان، وربما بمقال آخر يمكن أن يشيروا لبنيامين نتنياهو أن يستقيل من رئاسة الحكومة تحت طائلة التهديد بالإطاحة بالإئتلاف الحكومة، الذي على أساسه تشكلت حكومة الحرب، فتسقط. لا سيما أن الخلافات القائمة بين أعضاء الحكومة أصبحت قابلة للتفجر في أي لحظة.
حسب ما يتوفر من معطيات فإن كل التهديدات الإسرائيلية التي تطلق باتجاه لبنان وحزب الله، تبدو للاستهلاك السياسي والإعلامي. إذ لن تكون اسرائيل قادرة على شن حرب واسعة، لكنها تمارس الاستفزاز لاستدراج حزب الله للإقدام على هذه الحرب. إلا أن الحزب يقيس حساباته وخطواته بدقة، لتجنب توسع الصراع وعدم منح أي فرصة للإسرائيليين لتوسيع المواجهات إلى معركة مفتوحة ضد لبنان.
ضمانات من “الحزب”
ما يطرحه بوريل، هو ذاته الذي طرحته وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا سابقاً، عن تطبيق القرار 1701 بالتدرج، وإعادة الاستقرار إلى جنوب لبنان ووقف مسار التصعيد، بالإضافة إلى البحث عن حل سياسي عبر تسوية توافقية في الداخل اللبناني. ومما قالته كولونا أيضاً، إن ما تريده الدول هو الحصول على ضمانات من حزب الله بعدم شن عملية مشابهة لـ”طوفان الأقصى”. والنقاط نفسها ستكررها وزيرة الخارجية الألمانية. إلا أن الثابت الوحيد هو بقاء البت بهذه الملفات بيد الولايات المتحدة الأميركية، التي تصر على ممارسة الديبلوماسية المكوكية للوصول إلى حل أو اتفاق.
في السياق، تشير المعلومات إلى أن شخصية محسوبة على الأميركيين تواصلت مع مسؤولين في حزب الله، بهدف وضع إطار معين لأي اتفاق يمكن أن يحصل في الجنوب مستقبلاً، والذي وضعه أمين عام الحزب، السيد حسن نصرالله، في خانة الفرصة التاريخية للتحرير الثاني، ولمنع الاختراقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية. في هذا السياق، تبرز زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، ومن ضمنها عنوان أساسي وهو إعادة التفاوض مع ايران لمنع التصعيد.
جانب من الطروحات التي تعرض على لبنان، تتصل إلى جانب وقف التصعيد في الجنوب بالبحث عن تسوية سياسية شاملة. لكن الأكيد أن المفاوضات أيضاً ستكون مع الحزب كما في الجنوب كذلك في السياسة. وهنا تتضارب وجهات النظر التي تحاول بناء خلاصات سريعة لذلك، بين من يعتبر أن الحزب سيذهب إلى ترجمة هذه الاتفاقات على خط التوازنات الداخلية بتعزيز حضوره رئاسياً وسياسياً، خصوصاً أن من كان يريد رئيساً يثق به أصبح هذا المطلب لديه عشرة أضعاف. في مقابل وجهة نظر أخرى تعتبر أن مسار التفاوض سيفرض تلاقياً بين القوى وتقديم تنازلات تتصل بالرئاسة وبغيرها، في مقابل الحصول على ضمانات سياسية واقتصادية.