مرة جديدة يعلن الإعلام الإسرائيلي رفع حالة التأهّب على الحدود الشمالية على خلفية استهداف القائد الميداني في «حزب الله» وسام الطويل نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت قرية خربة سلم الجنوبية. هو الاستهداف الثاني لقرى خارج القرى المحاذية للحدود بعد استهداف كوثرية السياد المحاذية للزهراني. وسّعت إسرائيل نطاق اعتداءاتها إلى ما بعد بلدات المواجهة للحدود وأخذت تستهدف قرى في الخطوط الخلفية، التي يفترض أنّها خارج قواعد الاشتباك، وكذلك لم يعد «حزب الله» يوفّر هدفاً في الداخل الإسرائيلي وعلى الحدود. حسب المعطيات الميدانية، فإنّ الوضع آخذ في التأزّم أكثر فأكثر وسط ترجيحات صحافية أميركية لم تستبعد أن تشنّ إسرائيل عملية عسكرية واسعة في لبنان.
في قراءة «حزب الله» للعدوان أنّ إسرائيل استهدفت مسؤولاً في الميدان لا رتبة سياسية له خلافاً لما أذاعته وسائل إعلام عبرية، معتبرة أنّ الطويل أكثر أهمية من القيادي صالح العاروري. فهو ذو رتبة ميدانية استهدف في ساحة حرب. هكذا هو الميدان تبادل ضربات، وكلّما حقّقت إسرائيل هدفاً سيصيبها «حزب الله» بهدف في المقابل وبالحجم ذاته، وفي تقديره أنّ استهداف الطويل جاء على خلفية الضربة الموجعة التي تلقتها إسرائيل جرّاء استهداف قاعدة «ميرون» للمراقبة الجوية الواقعة على أعلى قمة جبل الجرمق.
يعتبر «حزب الله» أنّ إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهداف في الجنوب تعوّض خسارتها المتكرّرة في غزة، وفي اعتقاده أنّ الاستهدافات التي تنفّذها على القرى الجنوبية لن يسعها تنفيذها في ظروف مغايرة. هي تبحث عن نصر يحافظ على معنويات جنودها بعدما نجح «حزب الله» في تحويل ساحة الجنوب ساحةً تقضّ مضاجع الإسرائيلي وتجعله يستنفر قواه الدبلوماسية باحثاً عن حل يوقف الحرب الدائرة.
كل الرسائل التي تلقّاها «حزب الله» حديثاً، والتي تدور في فلك التهدئة المطلوبة دولياً، لن تلقى الجواب بعدما اتخذ «الحزب» قراره بعدم الفصل بين ساحة الجنوب وغزة، وهو يشترط لقاء أي عرض يتلقاه مباشرة أو عبر الوسطاء وقف الحرب في غزة، ثم الشروع في البحث في مرحلة ما بعدها. ومع تكرار عمليات استهداف عناصره وبينهم قادة، لم يعد «حزب الله» يبدي اهتماماً كبيراً بالعروض بقدر ما يركّز على ردّ يرقى إلى مستوى الأهداف التي تصيبها إسرائيل، عملاً بقول أمينه العام إنّ القوة لا تردعها إلا قوة مقابلة.
وهو منطق ينطبق على زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي يفترض أن يزور لبنان حاملاً صيغة لترسيم الحدود البرية، تمهيداً لتنفيذ القرار 1701، وهو المسعى ذاته الذي جاء يبحث في إمكانية تحقيقه نائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل الذي التقى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد، ولم يخرج منه بنتيجة مرجوة، لأنّ موقف «الحزب» واحد لا يتبدّل. حذّر الموفد الأوروبي «حزب الله» من نية جدية لإسرائيل بشن حرب على لبنان ناصحاً بعدم ربط جبهة الجنوب بالحرب في غزة، وتمنى عليه إيجاد صيغة لتطبيق القرار 1701، وبمعنى آخر، كانت زيارة تحذير ونصيحة وتعبير عن قلق بالغ.
في خوض المعركة، يعتبر «حزب الله» أنّ حماوة المعركة تتراوح بين سخونة وبرودة أحياناً، وأنّ أي عدوان يصيب هدفاً في الجنوب يردّ عليه بالمثل في الداخل الإسرائيلي، وفي ضوء ما يشهده الميدان والتوقعات الغربية بتوسيع الحرب ضد لبنان انطلاقاً من الجنوب، اعتبر أنّ هناك أسباباً قد تقود إسرائيل إلى شنّ حرب على لبنان، وهناك أسباب أخرى تردعها. وتأتي في الأسباب التي قد تدفعها للحرب رغبتها في تحقيق انتصار وإعادة المستوطنين إلى الشمال، وتعتبرها فرصة تاريخية طالما العالم كله يؤيد حربها على غزة. أما في أسباب عدم الحرب فهو عجزها عن فتح جبهة ثانية إلى جانب جبهة غزة ولعلمها أنّ فتح جبهة ضد «حزب الله» سيجر معه معارك بالجملة واستخدام أنواع من الأسلحة لم يسبق أن استخدمها «حزب الله»، فضلاً عن عدم وجود رغبة أميركية في خوض جبهة جديدة إلى جانب جبهة أوكرانيا. لا يجزم «حزب الله» بوقوع الحرب، لكنه لا يستبعدها بوجود أسباب لدى إسرائيل الغارقة في وحول غزة، ولكنه حتى الساعة يضع كل حديث في شأنها في خانة التهويل. أمّا عن المساعي الدبلوماسية فهي مستمرة وإن كانت لن توصل إلى ما يسعى إليه الغرب.
يرفض الأميركي أي حديث مع «حزب الله» بالواسطة لعلمه أنه لا جدوى من ذلك، خاصة بعدما قاله أمينه العام في شأن القرار 1701، ورغم ذلك سيصل آموس هوكشتاين قريباً إلى بيروت حسب ما تبلّغ «حزب الله»، فإنّ الفرنسيين والاتحاد الأوروبي لم يوفروا جهداً بهدف تحقيق ما من شأنه أن يقود إلى تهدئة الجبهة جنوباً. تختلف حسابات الميدان لدى الحزب عن حسابات الباحثين عن حل سياسي من الموفدين. فـ»حزب الله» يترك الكلمة للميدان الذي من شأنه أن يقود إلى تحقيق الفرصة التاريخية التي تحدث عنها نصرالله، وهي ستكون في الجنوب وقبلها في غزة وأي حديث خارج ذلك لن يأخذ به لو بعد حين، على حدّ قول مصادره.