“نحن لا نعتقد أنّه في نهاية هذا الصراع، وهذه الحملة، يجب أن يكون هناك احتلال إسرائيلي أو يجب أن يكون هناك استمرار لسيطرة حماس على قطاع غزّة”. هكذا أجاب المبعوث الأميركي الخاصّ للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، على سؤال “أساس” حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تسوّق لاقتراح دخول قوات عربية إلى غزّة.
أكّد ساترفيلد أنّ “مستقبل غزّة يحدّده الفلسطينيون، من خلال حلّ الدولتين لأنّه الضامن النهائي الوحيد لمستقبل سلميّ لإسرائيل، وكذلك للفلسطينيين، مع عنوان مشترك للضفة الغربية وغزّة، ودور فلسطيني أساسي في تقرير مستقبل الضفّة الغربية وغزّة”. وربط “بلوغ هذه الأهداف بكيفية انتهاء هذه الحملة، وما إذا كان سيتمّ القضاء على حماس كتهديد، وكقوّة قادرة على فرض نفسها على شعب غزّة”. وكرّر: “قلنا علناً إنّ أمرين لن نسمح بحدوثهما في نهاية كلّ هذا: احتلال إسرائيلي، وبقاء حماس في السلطة”.
أكّد ساترفيلد أنّ “مستقبل غزّة يحدّده الفلسطينيون، من خلال حلّ الدولتين لأنّه الضامن النهائي الوحيد لمستقبل سلميّ لإسرائيل، وكذلك للفلسطينيين، مع عنوان مشترك للضفة الغربية وغزّة، ودور فلسطيني أساسي في تقرير مستقبل الضفّة الغربية وغزّة”
في مؤتمر صحافي دُعيَ إليه صحافيون من لبنان والشرق الأوسط، قدّم السفير ساترفيلد رؤية بلاده للوضع في غزّة، مركّزاً على الناحية الإنسانية، مع متفرّعاتها السياسية بالطبع، ولخّص مهمّته في “تقديم المساعدة الإنسانية إلى غزّة، والخروج الآمن للمواطنين الأجانب منها، وهي عملية بدأت اعتباراً من الأوّل من تشرين الثاني الجاري، وتعطّلت بسبب تعقيدات التعامل مع التحرّكات الأخرى الآتية من شمال غزّة. آمل أن تسمح فترات التوقّف الإنسانية التي تستغرق من أربع إلى خمس ساعات من أجل المرور الآمن من الشمال إلى الجنوب بإخراج الجرحى المدنيين وإخراج المواطنين”.
أمّا مستقبل غزّة، بما في ذلك جميع أنواع الأسئلة المطروحة، ومنها المسؤولية الأمنيّة، فهو سؤال للمناقشة في المستقبل. لكنّه كان يتحدّث مساء الخميس بتوقيت بيروت، بعد “تسعين دقيقة” من توصّل “البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية” إلى ما سمّاه “توقّفاً يومياً لمدّة أربع إلى خمس ساعات لتسهيل ممرّ آمن أو أكثر أماناً للتنقّل من شمال غزّة إلى الجنوب”. وقال إنّها “هدنة إنسانية مؤقّتة… وأبعد من ذلك، لا أستطيع التعليق”.
لا حرب بين لبنان وإسرائيل
السفير الذي كان يحاول التهرّب من الأسئلة السياسية، لم يستطِع النجاة منها كلّها، فردّ على سؤال “لبناني” بأنّ “الولايات المتحدة لا تعتقد أنّ نوع الحرب أو الصراع على حدود لبنان وإسرائيل هو أمر لا مفرّ منه. نحن لا نرى أنّ هذا أمر سيحدث بالضرورة. لدينا كلّ الاعتقاد بأنّ جميع الأطراف المعنيّة، وأنا أشير هنا إلى الحزب والمرشد الأعلى والنظام في طهران، تفهم رسالة الرئيس الصريحة للغاية، التي كانت موجّهة إلى أولئك الموجودين في المنطقة الذين يفكّرون في انتشار محتمل لهذا الصراع، ومفادها: لا، لا، لا تقدموا على ذلك”.
وكرّر ردّاً على سؤال آخر: “لا يوجد ما يشير من أيّ جانب إلى وجود نيّة للاندفاع نحو نشوب صراع أو حرب. لكن من الضروري، والضروري جدّاً، ألّا تقوم إيران أو الحزب بأيّ أعمال استفزازية لأنّ طبيعة القصف الذي يطلقه الحزب عبر الحدود الشمالية لإسرائيل يمكن أن يؤدّي إلى سوء تقدير. لذلك يجب أن يتوقّفوا عن ذلك”.
ساترفيلد: الولايات المتحدة لا تعتقد أنّ نوع الحرب أو الصراع على حدود لبنان وإسرائيل هو أمر لا مفرّ منه
حقّ إسرائيل في استهداف المدنيّين
أسئلة كثيرة طُرِحَت على “المبعوث الإنساني” الأميركي عن سلامة المدنيين وارتفاع عدّاد الضحايا من الأبرياء، أطفالاً ونساءً ورجالاً، فكان جوابه أنّ “حكومتنا عملت بشكل وثيق على المستويين السياسي والعسكري للتأكيد على الحاجة إلى إجراء الحملة (العسكرية) بطريقة تقلّل إلى أدنى حدّ ممكن من الخسائر في صفوف المدنيين، وهو ما يسمح بتجنيب المواقع الإنسانية المعترف بها بوضوح من الهجمات”.
لقد برّر استهداف المدنيين بالقول إنّ “حماس، على مدى 15 و16 عاماً، قد زرعت أذرعها عمداً في العديد من تلك المواقع الإنسانية وحولها وتحتها. وهذا يزيد من تعقيد أيّ حملة من هذا النوع بشكل كبير. لكن كيف يتمّ ذلك، هذا هو الأمر المهمّ للغاية. ونودّ أن نرى إسرائيل قادرة على تحقيق هدف ليس من حقّها فحسب، بل من مسؤوليّتها، ألا وهو: إنهاء التهديد الذي تشكّله هذه الجماعة الإرهابية على الإسرائيليين، وإنهاء التهديد الذي تشكّله على المدنيين في غزّة الذين لا تهتمّ بمصلحتهم مثقال ذرّة. لكن كيفية القيام بذلك تحدث فرقاً كبيراً في العالم، وتشكّل المساعدة الإنسانية مطلباً حيوياً طوال الوقت”.
الجنوب والوسط فقط… لا يوجد شمال
في حواره مع الصحافيين كان ساترفيلد يشير إلى توجيه المساعدات نحو “الجنوب والوسط”، وهي لازمة تكرّرت في حديثه وفي ردّه على الأسئلة. الشمال ليس موجوداً في “الخريطة الإنسانية”. تعامل معه ساترفيلد باعتباره منطقة عمليات لا مدنيين فيها ولا حياة تستحقّ أن “تُساعَد”. على سبيل المثال حديثه عن العمل “على زيادة القدرة على توفير مياه الشرب النظيفة أيضاً. وتمّت إعادة تشغيل خطَّي أنابيب من إسرائيل. محطة تحلية المياه والمرافق التابعة لها في جنوب ووسط غزّة تعمل بسبب جهدنا لاستعادة تدفّقات الوقود عبر الأونروا إلى تلك الأماكن”. لا شمال هنا. فقط جنوب ووسط. وأضاف: “أنا أتحدّث عن الجنوب والوسط، وليس عن الشمال. لا يزال الشمال منطقة عمليات، وقدرة من هم في الشمال على الخروج بأمان إلى الجنوب ونقل الجرحى بطريقة متّفق عليها من الشمال إلى رفح لتلقّي العلاج، هي خطوات مهمّة أيضاً”.
يُسجَّل للسفير “الإنساني” اعتباره أنّ “مستقبل سكّان غزّة هو في غزّة وليس في أيّ مكان آخر. ونحن لا نؤيّد، كمبدأ أساسي، تهجير السكان. وداخل غزّة نفسها، يجب أن يكون لدى أولئك الموجودين الآن في الجنوب كلّ القدرة على العودة إلى الشمال عندما يكون ذلك آمناً. ولا نريد أيّ نزوح دائم، حتى داخل غزّة، من الشمال إلى الجنوب”.
ساترفيلد كشف أنّ بلاده تُدخل إلى غزّة “منذ أسبوعين ونصف، 100 شاحنة في اليوم”، على الرغم من معرفته أنّه “حتى 150 شاحنة في اليوم لا تلبّي سوى الحدّ الأدنى لتوفير المساعدة الإنسانية الأساسية للبقاء على قيد الحياة. وهناك حاجة إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير. يجب أن تكون هناك سلع تجارية لإعادة ملء الرفوف، وتحتاج المخابز إلى إعادة فتحها بكلّ ما تحتاج إليه من حيث الإمدادات وغاز الطهي لهذا الغرض. ونحن نعمل على ذلك، ولكن كان علينا أن نبدأ وكانت البداية مهمّة، ونأمل بشدّة في المستقبل القريب أن نكون قادرين على البناء والتوسّع فيها”.
ذكّر بأنّه “قبل ثلاثة أسابيع لم يكن لدينا وقود في متناول الجهات المنفّذة التابعة للأمم المتحدة في الجنوب. الآن، يتوافر الوقود من داخل غزّة لاستخدامه في محطات تحلية المياه، ولتزويد المستشفيات في الجنوب والوسط، ولتحرّكات الجهات المنفّذة التابعة للأمم المتحدة أنفسها، ونحن نعمل على التأكّد أنّه سيكون هناك المزيد من الوقود المتاح للأمم المتحدة – الأونروا واللجنة الدولية للصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي، مع تقدّم هذا الوضع”.