الرئيسيةمقالات سياسيةروبرت مالي جاسوساً لإيران؟!

روبرت مالي جاسوساً لإيران؟!

Published on

spot_img

بعد أسابيع من دخول الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض، واتّساقاً مع وعده بنقض قرار سلفه دونالد ترامب عام 2018 بسحب الولايات المتحدة من اتفاق فيينا مع إيران لعام 2015، عيّن في 29 كانون الثاني 2021 روبرت مالي مبعوثاً خاصّاً إلى إيران. لكن في آخر حزيران الماضي، وعلى نحو غامض، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية منح الرجل إجازة غير مدفوعة الأجر ليحلّ محلّه أبرام بالي مبعوثاً خاصّاً إلى إيران بالوكالة.
كان روبرت مالي مساعداً قريباً من الرئيس الأسبق باراك أوباما وأوكل إليه متابعة كثير من قضايا الشرق الأوسط. والرجل المتخرّج من هارفرد الأميركية وأكسفورد البريطانية لعب في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون دوراً أساسيّاً في تنظيم قمّة كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك عام 2000.

امتعاض خليجيّ من مالي
لم يرُق للمزاج الخليجي تعيين مالي مسؤولاً عن ملفّ إيران لدى الإدارة الديمقراطية. يُنسب لمالي تأثيره ودوره في سَوْق واشنطن نحو إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي لاتفاق فيينا) في 14 تموز 2015 بين إيران ومجموعة الـ 5+1 (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا). ويُتّهم مالي من قبل المنتقدين للاتفاق (لا سيّما في واشنطن نفسها) بأنّه يساريّ أيديولوجيّ موالٍ لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران ووراء الجوّ المعادي الذي عبّر عنه أوباما وإدارته للمجموعة الخليجية.
والد مالي هو الصحافي اليساري المصري الولادة واليهودي الحلبيّ الأصل سيمون مالي، أحد المدافعين الصلبين عن قضايا العالم الثالث ومناهضة الاستعمار. وكان مقرّباً من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كلّفه بالعمل مراسلاً لصحيفة الجمهورية المصرية في الأمم المتحدة. وحين تتخلّى واشنطن هذه الأيام عن رجلها الإيراني الهوى بسبب شكوك أمنيّة، فتلك فضيحة تخترق الإدارة الديمقراطية لبايدن وأوباما.

كان روبرت مالي مساعداً قريباً من الرئيس الأسبق باراك أوباما وأوكل إليه متابعة كثير من قضايا الشرق الأوسط

الأرجح أنّ مالي لم يغِب خلال عهد ترامب عن الملفّ الإيراني ممنّياً النفس بالعودة إلى الإمساك به عند عودة الديمقراطيين إلى السلطة. ووفق وعود بايدن الانتخابية فإنّه كان من المنتظر أن يُعِدَّ مالي، بعد مفاوضات سريعة وشكليّة مع الطرف الإيراني، مراسيم يوقّعها الرئيس الأميركي لعودة واشنطن إلى اتفاق فيينا على منوال المراسيم التي استخدمها سلفه للخروج من الاتفاق نفسه. غير أنّ مالي وبايدن سرعان ما اكتشفا أنّ العالم قد تغيّر كثيراً وما كان يمكن تمريره عام 2015 لم يعد بالإمكان إعادة تمريره من جديد.
لم تخفِ دول الخليج عدم ثقتها بمبعوث بايدن الجديد-القديم لإدارة المفاوضات مع إيران. وجدته منحازاً إلى وجهة النظر الإيرانية غير مكترث بهواجس المنطقة العربية عامّة ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة. وعلى غرار الموقف الإيراني، لم يأخذ بعين الاعتبار مطالب الخليجيين بأن يكونوا جزءاً من المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي ولم يوافق على إضافة ملفّ برنامج إيران للصواريخ الباليستية وأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار إلى جدول أعمال المفاوضات مع طهران.

علامات استفهام حول مالي
لم تتحدّث المنابر الرسمية الأميركية ولا صحافة الولايات المتحدة عن احتمال وجود أعمال جاسوسية وعمالة ارتكبها مالي لصالح طهران. ومع ذلك تدور أسئلة بشأن الدوافع التي تقف وراء ما أبلغه مالي نفسه في الأول من تموز الجاري لموقع أكسيوس الأميركي من أنّه تمّ إبلاغه بأنّ تصريحه الأمني قيد المراجعة، متوقّعاً أن ينتهي تحقيق تجريه وزارة الخارجية بشأن تعامله مع معلومات سرّية بسرعة وبنتيجة إيجابية، وفي غضون ذلك هو في إجازة حسب تصريحه.
تلقّف الحزب الجمهوري “الجنازة” جاعلاً منها مناسبةَ لطمٍ ضدّ الإدارة الأميركية. توجّه الجمهوري رئيس الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول، في 2 تموز، إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، معتبراً أنّه “نظراً لخطورة الموقف، من الضروري أن تقدّم الوزارة على وجه السرعة سرداً كاملاً وشفّافاً للظروف المحيطة بتعليق تصريح المبعوث الخاص مالي، إضافة إلى التحقيقات وبيانات الوزارة إلى الكونغرس المتعلّقة بالمبعوث الخاصّ”.
على الرغم من أنّ المفاوضات بقيت، فيما هو معلن، غير مباشرة بين وفدَي إيران والولايات المتحدة في فيينا، إلا أنّ صحيفة “فايننشال تايمز” كشفت في 3 حزيران الماضي أنّ مالي التقى السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني عدّة مرّات في ذلك الحين. غير أنّ اللافت أيضاً هو سعي إيران إلى التقليل من أهميّة الحدث والنأي بنفسها عنه. ففي 3 تموز الجاري قال المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: “نحن لا نعلّق على القضايا الداخلية للدول الأخرى، المهمّ هو سياسات الدول وليس الأشخاص الذين يمثّلون حكومة الولايات المتحدة”.

أمّا نور نيوز (الذراع الإعلامية للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني) فاعتبرت أنّ السياسة الخارجية للدول لا تعتمد على الأفراد، بل هي نتيجة توافق في القرارات بين الهيئات الحكومية، وأنّ “القضايا الأميركية الداخلية” لا تلعب دوراً في “صنع القرار الاستراتيجي” في إيران، منتقدة وسائل الإعلام الإيرانية والأجنبية التي “تحاول تقديم” التغيير المحتمل على رأس فريق المفاوضين النووي الأميركي على أنّه “مهمّ وحاسم”.

تحقيق فدرالي مع مالي
لم تعد التحقيقات بيد وزارة الخارجية الأميركية. ما بتنا نعرفه أنّ مكتب التحقيق الفدرالي FBI بدأ تحقيقاً مع مالي بشأن “إساءة استخدام وثائق سرّية”. وفي الأمر شبهة دفعت إلى تعليق ترخيصه الأمنيّ الذي يتيح له الاطّلاع على وثائق أخرى. واللافت أنّ الأمر يرجع إلى شهور خلت، ولم تتحدّث الإدارة عن الأمر إلا عندما تخلّف مالي عن حضور إحاطة حول إيران كان من المقرّر أن يدلي بها في 16 أيار الماضي أمام الكونغرس. حينها أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس أنّ الرجل مدّد إجازته وأنّ “غيابه قد يكون بسبب مشكلة صحّية في العائلة”.

تتحدّث الهمهمات عن أنّ مالي يمثّل تيّاراً داخل الإدارة لطالما دافع بقوّة عن الحوار والمفاوضات الدبلوماسية مع إيران. تكمل الهمهمات توقّع أن ينتقل الملفّ إلى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الذي يمثّل تياراً متشدّداً ضدّ طهران. وإذا ما صدق المهمهمون، فإنّ ذلك التفصيل من الأهميّة بحيث يفسّر تلك المبالغة الإيرانية في تهميش الحدث والتقليل من وقعه.

أحدث المقالات

لوائح بأسماء المرشحين للرئاسة: حرق المبادرات وهدر الفرص

يتعاطى الأفرقاء اللبنانيون مع الاستحقاق الرئاسي بانعدام الجدّية، كما مع كل المبادرات أو المساعي...

 الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري

بعد أسابيع الانشغال بزيارة الموفد الفرنسي الخاص جاء دور الانشغال بزيارة الموفد القطري للأيام...

رسالة سعودية وتهديد عوكر والتحرك القطري

إختزن الأسبوع الفائت عدداً من الوقائع المتفرقة حيال المأزق اللبناني، الذي تقر مصادر المعلومات...

بصمات شاب من الشرق الأوسط

ذات يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل...

المزيد من هذه الأخبار

  موجات النزوح تجدّدت ومداهمات للجيش

ملف النازحين مفتوح على شتى الاحتمالات، مع تزايد موجات النزوح خلال اليومين الماضيين عبر...

 اجتماع نيويورك: انتخاب الرئيس لا يزال مؤجلا

تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار...

الحقيقة المرّة: لبنان ليس على طاولة التفاوض

في خضمّ الغموض المتواصل حول مصير الجهود الخارجية للتوصّل إلى اتفاق على انتخاب رئيس...

هويّة الرئيس عنوان المرحلة..

منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، تمّ استبدال النفوذ السوري، الذي كان...

دجاجة الإنتخاب أولاً أم بيضة الحوار..؟!

ماذا تنفع كل الجهود والوساطات والإجتماعات التي تُعقد على مختلف المستويات، وخاصة بالنسبة للقاء...

دُفنت منصّة صيرفة ورأت «بلومبورغ» النور

طُويت صفحة منصّة صيرفة، ودُفنت في الدروج والدهاليز الرسمية، وستُذكر في كتب تاريخ أكبر...

الودائع أحرجت الجميع وأسقطت الاتفاق والخطة

هناك مجموعة من الأهداف للزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت...

الحزب يحاور “المسيحيين”… أحزاباً وفرادى

في مواجهة التحدّيات المختلفة التي يواجهها لبنان واللبنانيون اليوم، عمد المسؤولون في الحزب خلال...

برّي لـ«اللواء»: جلسات متتالية على طريقةانتخاب بابا روما

يكاد الرّئيس نبيه برّي يكون الوحيد الّذي يحمل على عاتقه هموم الأمن والسّياسة والرّئاسة...

 الاخبار تنشر نص وثيقة دبلوماسية من سفارة عربية في بيروت

علاقة العرب بفكرة المؤامرة ملتبسة إلى حدّ تمرير مؤامرات كبيرة لا يقتنع أحد بها،...

 لودريان: عدنا إلى النقطة الصفر

انتهت، أمس، زيارة الموفد الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان بإعادة تثبيت الوقائع السياسية...

أيّ «النصابين» مطلوب: لـ«طاولة حوار» أم لـ«جلسة انتخاب»؟!

قبل ان تنتهي الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في الساعات المقبلة،...

عين الحلوة هل يلحق بنهر البارد؟

كلام القيادي الفلسطيني الفتحاوي عزام الأحمد عن وجود أطراف خارجية تُغذي القتال المستمر في...

باب التحوُّلات فُتِح في الشرق الأوسط

في أيلول الجاري، هناك حدثان يُعتبران من علامات المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط: الأول...

مخيَّم عين الحلوة يحاكي إقليم التفاح

دخلت أزقة وأحياء مخيم عين الحلوة موسوعة خطوط التماس الإقليمية في لبنان لتنضم الى...