في انتظار أن تُبلور اللجنة الخماسية المقاربة الجديدة لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان مطلع الشهر المقبل، تهجس دولها، وإن بتفاوت، في التحركات التي يقوم بها كل منها، بالقلق من انزلاق البلد إلى الحرب من جبهة جنوبه.
وعلى رغم أنّ القناعة العامة عند الدول الخمس هي وجوب الفصل بين تطورات الوضع في الحرب ضد غزة، وبين التهدئة على الجبهة الجنوبية، وهو موقف مخالف للذي أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ولـ»حزب الله»، فإنّ بعض الدول الخمس الذي يراقب بدقة وقائع الجبهة، يدعو لعدم رهن انتخاب رئيس بما يجري على الصعيد العسكري.
احتمال الحرب من جبهة الجنوب استنفر ثلاث دول من بين الدول الخمس المعنية، سياسياً ودبلوماسياً لمنع اندلاعها، هي أميركا، فرنسا، والمملكة العربية السعودية، من دون إغفال قلق كل من الدولتين الأخريين، قطر ومصر، من هذه الفرضية.
مع تمايز وسائل تحرك الدول الثلاث من أجل ضمان عدم توسع الحرب يمكن ذكر الآتي:
1- أنّ واشنطن التي تعمل من أجل إعطاء تطمينات لإسرائيل بأنّ مستوطني شمال إسرائيل النازحين إلى مناطق آمنة في الداخل الإسرائيلي، وعددهم بالحد الأدنى يبلغ 80 ألفاً، تسمح بإقناع حكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بالاستغناء عن فكرة توجيه ضربة لـ»حزب الله» ولبنان، كي ينسحب «الحزب» من المنطقة الحدودية بحيث لا تهدد صواريخه سكان الجليل الأعلى. وعلى رغم أنّ الوسيط الأميركي، المستشار الرئاسي آموس هوكشتاين، طرح خلال زيارته الأخيرة لبيروت فكرة انسحاب «الحزب» بضعة كيلومترات، مشيراً إلى الجهد الذي تبذله بلاده كي تعود إسرائيل عن نيتها خوض معركة ضد قوات «الحزب» وضد لبنان، فإنّ المسؤولين اللبنانيين سمعوا منه في المقابل أنه إذا قررت الدولة العبرية شن الحرب فإنّ بلاده لن تستطيع منعها أو الوقوف ضدها. وسواء كان ذلك موقفاً مبدئياً أو تهويلاً على لبنان، فإنه يؤشر إلى أنّ أولوية واشنطن الأخذ في الاعتبار توجهات إسرائيل، بصرف النظر عن علاقتها بلبنان. لكن هوكشتاين يشير إلى وجوب ملء الفراغ الرئاسي من زاوية الحاجة إلى اكتمال تشكيل السلطة السياسية كي تنجح المفاوضات في شأن معالجة مسألة الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بوصفها وسيلة لإنهاء النزاع بين البلدين حول الحدود.
2- أنّ الجانب الفرنسي يعتبر أنّه يجب وقف الأعمال العسكرية في الجنوب من الجهتين، اللبنانية والإسرائيلية، عبر إجراءات من الجانبين ينص عليها القرار الدولي الرقم 1701، للحؤول دون أن ينزلق البلد إلى حرب مدمرة في ظروفه المأسوية الراهنة. وتمارس باريس دوراً لدى إسرائيل من أجل حملها على مراجعة توجهاتها بالحرب ضد لبنان، في شكل مطلق، من دون موقف مسبق بالوقوف إلى جانب إسرائيل في حال قررت هذا الخيار. فباريس تنشط في هذا السياق من أجل خلق دينامية تفاوض حول سبل التهدئة على جبهة الجنوب، تحت عنوان خفض التصعيد، لأنّ هذه الدينامية تلجم خيار الحرب، التي إذا وقعت تقود مخاطرها إلى توسيع المواجهات في المنطقة. ويعتبر الجانب الفرنسي أنّ حاجة لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية ملحة بصرف النظر عن ضرورة تجنيبه الحرب مع إسرائيل التي هي هذه المرة قرار إسرائيلي، وليس إيرانياً. فالبلد بحاجة إلى قيام سلطة كي ينهض من أزمته الكبرى في كل الأحوال، على رغم أهمية الحاجة إلى سلطة مكتملة تمثل لبنان في مفاوضات محتملة حول الوضع الإقليمي وموقع لبنان فيه.
3- أنّ الجانب السعودي عاد إلى رفع درجة اهتمامه بأزمة الشغور الرئاسي في لبنان مقارنة مع الجهود السابقة في هذا المجال، سواء من ضمن اللجنة الخماسية أو بشكل ثنائي مع الفرقاء اللبنانيين، نتيجة نظرته الشاملة لأوضاع المنطقة بحكم الحرب على غزة. فالرياض التي كانت تنتظر أن يقرر اللبنانيون معالجة أزمتهم من دون الانخراط النشط في جهود معالجتها، قلقة من امتداد هذه الحرب لتتحول إلى مواجهة إقليمية واسعة، فتقوّض الاستقرار الإقليمي الذي هو أولويتها وفي صلب سياستها الخارجية. وفي وقت تلعب دوراً مع القوى القادرة على التأثير في الموقف الإسرائيلي، وتتواصل مع طهران في إطار التعاون القائم بينهما، تتحرك بحماسة لانتخاب رئيس كعنصر مساعد على قيام معادلة تغلّب التهدئة على الجبهة الجنوبية، لإعطاء فرصة للبلد أن ينهض من أزمته، على أن تساعده بذلك مع دول الخماسية.