ليست رسالة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في ذكرى رأس السنة الهجرية التي ألقاها أمس الأول (الثلاثاء)، بكلمة عاديّة في ذكرى دينية تعني طائفة كبرى من طوائف لبنان. فبقدر ما هي رسالة كانت بمنزلة وثيقة وطنية تاريخية يجب التعامل معها بكلّ جدّية، وورقة يمكن الانطلاق منها لجمع اللبنانيين باتجاه الخروج من الأنفاق المتعدّدة التي يعيشون فيها راهناً.
بإمكان سُنّة لبنان من دون تردّد أو زيغ، القول لكلّ الشركاء في الوطن: “هذه ورقتنا وخارطة الطريق التي نراها للخروج من المأزق الكبير الذي يعيشه وطننا لبنان. فأين هي أوراقكم؟ وماذا أنتم فاعلون؟”.
السُّنّة حاضرون
لم يتوانَ أيّ سياسي أو محلّل أو إعلامي في التحدّث في الأشهر الفائتة عن تشرذم وتفرّق سُنّة لبنان، وذهب البعض إلى التساؤل عمّن يمثّل السُّنّة على طاولة الحوار إن انعقدت. وسمح الآخرون لأنفسهم بإصدار نعي لسُنّة لبنان ودورهم في المعادلة الوطنية. بالمقابل تغافل كلّ هؤلاء عن المسار السياسي الذي سلكته الطائفة السنّيّة في مرحلة انتقالية لإعادة إنتاج نفسها كأفراد ونُخب وجمعيات أهلية وصولاً إلى الحلقة الروحية الدينية في انتخابات المفتين في المناطق.
جاءت رسالة المفتي في رأس السنة الهجرية بمنزلة الردّ على كلّ هؤلاء، وكأنّه يقول إنّ السُّنّة بخير وهم قادرون على لعب دورهم الوطني التاريخي عبر الحفاظ على “الدولة الجامعة القويّة المتماسكة التي تؤسّس وجودها وقراراتها على التعاقد الذي يُشرك الجميع ولا يستثني فريقاً أو أحداً إذا كان موافقاً على المشاركة”. وهذا الكلام مقتبس بحرفيّته من رسالة المفتي دريان.
السُّنّة حاضرون وجاهزون وعلى أتمّ الاستعداد لخوض معركة استعادة الوطن والدولة وروح المؤسّسات فيها. وإن سألتم عن زعيمهم فالجواب واضح في شعارهم “أمرهم شورى بينهم”، وإنّ دار الفتوى بعمامة مفتيها تسع الوطن بكلّ طوائفه لأنّها عمامة الدولة ومؤسّساتها.
رسالة المفتي دريان يجب أن تشكّل حدّاً فاصلاً عند أهل السُّنّة، ما بين مرحلة “النقّ النيابي” ومرحلة “العمل النيابي” الفعّال بالنسبة للنواب السُّنّة في مجلس النواب. فالكلام عن التشرذم والفرقة والانقسام لم يعد جائزاً بعد الآن
واضحاً كان المفتي دريان عندما أشار إلى أنّ أزمتنا لا تحتاج إلى حوار يبحث في جنس الملائكة، ولا تحتاج إلى اقتتال يستحضر شياطين الأرض، ولا إلى تنافر عبثيّ لا يوصل أحداً إلى أيّ مكان، بقدر ما نحن بحاجة إلى إعادة تكوين السلطة بخارطة طريق واضحة تكون على الشكل التالي:
1- انتخاب رئيس للجمهورية عبر تجاوز الخلافات حول الاسم بالالتزام بالمسار الدستوري واتفاق الطائف الذي حدّد مساراً واضحاً لانتخاب الرئيس بعيداً عن تبادل الاتّهامات بالتعطيل.
2- تشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية الخانقة وإصلاح ما تمّ إفساده إن على الصعيد الدستوري أو على صعيد العلاقات مع الدول العربية الشقيقة الحريصة على لبنان.
لقد قالها واضحة المفتي دريان: لا سبيل للإنقاذ إلا بإعادة تكوين السلطة، وبعدئذٍ فليجلس الجميع إلى طاولة حوار تعالج كلّ الأزمات والعقبات.
ما هو المطلوب من النوّاب السُّنّة؟
رسالة المفتي دريان يجب أن تشكّل حدّاً فاصلاً عند أهل السُّنّة، ما بين مرحلة “النقّ النيابي” ومرحلة “العمل النيابي” الفعّال بالنسبة للنواب السُّنّة في مجلس النواب. فالكلام عن التشرذم والفرقة والانقسام لم يعد جائزاً بعد الآن.
على النواب السُّنّة التعامل مع رسالة المفتي على أنّها “إخبار وطنيّ” يستوجب منهم التداعي أفراداً أو مجموعات إلى إعلان تبنّي هذه الرسالة الوثيقة والانطلاق منها لتصحيح ما يجب إصلاحه عبر الاجتماع والتوافق على عناوين واضحة محدّدة، ولتُترك الزواريب وتفاصيلها للممارسات اليومية لا الاستراتيجيّة.
اجتماع النوّاب السُّنّة ليس فقط لحفظ حقوقهم وحقوق طائفتهم، كما قال المفتي، بل لتحقيق المصلحة الوطنية، وهذا الاجتماع يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية والعمل على أن يكون صوتهم ومشاركتهم وازنَيْن في هذا الانتخاب، ومن يفرض وَزْنَتهُ في رئاسة الجمهورية لا يمكن للآخرين تجاهله في اختيار رئيس الحكومة وصناعة تشكيلتها.
إنّ إعادة بناء “الوزنة السنّيّة السياسية” وفقاً لرسالة المفتي لا تكون من أسفل إلى أعلى، بل من أعلى إلى أسفل. قمّة الهرم السياسي عند السُّنّة في صياغة الدولة في لبنان هي رئاسة الحكومة، ومن يفقد وزنه في اختيار رئيسَيْ الجمهورية والحكومة يفقد دوره الوطني والسياسي في كلّ التفاصيل.
النواب السُّنّة مطالبون بالاجتماع والاتّفاق ليس لإنقاذ السُّنّة، فللسُّنّة تاريخ وجغرافيا عروبية وعقول تحميهم، بل لإنقاذ الوطن، وتحديداً الدولة في الوطن. ألا يتّفق الجميع على القول إنّ السُّنّة في لبنان هم عماد الدولة ومؤسّساتها؟