في انتظار حرب غزة التي بشّرنا بنيامين نتانياهو بأنّ نهايتها ليست قريبة، ستبقى المخاوف من امتداد الحرب نحو جبهة الجنوب اللبناني قائمة، طالما يرهن «حزب الله» وإيران أي بحث في وقف الاشتباك المتصاعد مع إسرائيل في الجنوب، بوقف العدوان على القطاع.
لكن هذا الانتظار له من يديره بدقة على ما يبدو ويزين الضربات المتبادلة وكثافتها أو حجمها. أميركا تراقب مدى التصعيد الإسرائيلي تحت سقف عدم انجرار نتنياهو ومجلس الحرب إلى فتح جبهة جديدة، وإيران التي «تدوزن» الجبهة بحيث لا تفلت الأمور نتيجة خطأ في التقدير أم الحسابات. هذه المعادلة هي التي تدفع قيادة الدولة العبرية إلى القبول بحرب الاستنزاف التي تسيطر على الشمال الإسرائيلي، طالما أنّ المهمة الأساس التي تركز عليها هي استكمال العملية العسكرية البرية في غزة بهدف إضعاف قدرة «حماس» على تهديد المنطقة الجنوبية من إسرائيل.
هذه المعادلة المضبوطة بوتيرة منخفضة من العمليات، هي التي تجعل «حزب الله» مكتفياً بالقدر الذي يقوم به من أعمال عسكرية لا يريدها أن تتطور إلى حرب مفتوحة نظراً إلى أكلافها العالية على البلد وعليه، وحتى على محور الممانعة.
إلا أنّ رهن التهدئة في جنوب لبنان بغزة، عن طريق التفاهم على تطبيق بعض البنود الرئيسة في القرار الدولي الرقم 1701، فضلاً عن أنه يقحم البلد في فترة انتظار قد تطول، وفق ما يقوله نتنياهو، فإنه يُخضعُه لاستنزاف طويل الأمد، يجر المزيد من الأزمات الاقتصادية والسياسية. إطالة الحرب قد تؤدي إلى أشكال مختلفة تسمح بتمديدها لتفادي الضغوط الدولية. وقد تلجأ إسرائيل إلى النصيحة الأميركية الضاغطة، أي استبدال كثافة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي، باعتماد تكتيكات أخرى تقضي بإبقاء قواته في بعض جيوب غزة، ومحاولة الكشف عن مزيد من الأنفاق وتدميرها، واصطياد قادتها لتحقيق انتصارات مدوية.
أمّا «حماس» فتشترط أن يقترن أي وقف للنار من أجل القبول بالتفاوض على الرهائن الإسرائيليين لديها، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي توغل فيها، والأخير لن يسلم بذلك في المرحلة القريبة المقبلة.
كل ذلك يقود إلى الاستنتاج بأن جبهة لبنان ستدخل دوامة التفاوض على شروط وقف النار. حتى الأسبوع الماضي، بقي الاطمئنان إلى إمكان تجنيب البلد إقحامه في حرب إقليمية نتيجة عدة عوامل وحقائق أبرزها ثبات واشنطن على رفضها فتح جبهة لبنان. يضاف إليها الآتي:
– إنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أبلغ العديد من الشخصيات الدبلوماسية التي زارته، أنّ الحرب لن تمتد إلى البلد نتيجة تطمينات تلقاها من طهران، لأنّ القيادة الإيرانية أكدت له أنها لا تريد هذه الحرب وستقوم بالحؤول دون امتدادها.
– إنّ الجانب الإيراني، حسبما نقل ميقاتي عنه لمن أبلغهم بالتطمينات التي سمعها، مرتاح في هذه الفترة للمحادثات الجارية بينه وبين الجانب الأميركي حول الملفات العالقة بين البلدين، في سلطنة عُمان.
– إنّ «حزب الله» يبقي على خيط من الأمل بإمكان تجديد التفاوض حول تطبيق القرار 1701 لتثبيت التهدئة في الجنوب عندما يحين وقت التفاوض على ذلك. وفي هذا السياق، تشير أوساط واسعة الاطلاع إلى أنّ «حزب الله» أكد لميقاتي بل طلب منه أن يكرر الإعلان عن التزام لبنان بتنفيذ القرار الدولي لكن على أن تنفذ إسرائيل الشق المتعلق بها منه، بوقفها الخروقات الجوية والبرية والبحرية للحدود، وبإظهار الحدود البرية المرسمة لا سيما في النقاط الست المتبقية من النقاط الـ13 التي كان لبنان تحفظ عليها، وبانسحاب القوات الإسرائيلية من مزارع شبعا المحتلة. وتوضح هذه المصادر أنّ ميقاتي اختار أن يجدد الموقف من تنفيذ الـ1701 من على باب البطريركية المارونية في بكركي يوم الجمعة الماضي حيث قال حين سئل عن الوضع في الجنوب: «شرحت لغبطته ما يحصل وأكدت أنّ الحل موجود وهو في تنفيذ القرارات الدولية، من «اتفاقية الهدنة» بين لبنان والعدو الاسرائيلي، والقرار 1701، وكل القرارات الدولية، ونحن على استعداد للالتزام بالتنفيذ شرط أن يلتزم الجانب الاسرائيلي وينسحب، حسب القوانين والقرارات الدولية».