منذ العام 2008، يمكن الحديث عن أن إسرائيل قد شرعت في مسار مختلف للاغتيالات الأمنية، التي تنفذها ضد قيادات في حزب الله أو محور المقاومة. كان ذلك مع عملية اغتيال المسؤول العسكري في الحزب عماد مغنية. فيما بعد، توالت عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي لا مجال لذكرها كلها، وصولاً إلى اغتيال قادة إيرانيين بارزين، مسؤولين عن الملف النووي، وإلى اغتيال قاسم سليماني ورضى الموسوي.
الحسبة المدفوعة سلفاً
كل هذه العمليات التي استهدفت مسؤولين أمنيين وعسكريين بارزين في محور المقاومة بقيت من دون ردّ متناسب أو يتوازى مع حجم العمليات. كانت الردود بمعناها العسكري أو الأمني ولكن من دون تحقيق أهداف قتل مسؤولين إسرائيليين في المستوى نفسه.
لهذا تفسيران. الأول، يقوله معارضو المحور بأن انعدام الرد المتوازن ناجم عن ضعف وعجز. والثاني، يقوله المحور نفسه بأن أي مسؤول من هؤلاء هو في الأساس مشروع شهيد، وبالتالي الحسبة مدفوعة سلفاً. والأهم، أن أي اغتيال لن يؤثر على مسار العمليات التي تقوم بها المقاومة بما يتعلق بتنمية قدراتها واستكمال مشروعها.
هذا أيضاً ينطبق على اغتيال صالح العاروري في بيروت، والذي هدده الإسرائيليون بشكل علني. ليأتي الاغتيال برمزية كبرى، عبر استهدافه في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، بما يمثل ذلك من تحد لحزب الله ونصرالله شخصياً. وسيكون له ردّ حتمي من قبل الحزب، ولكن ضمن الحدود المتوقعة، وبما يحفظ حداً أدنى من الاستقرار الداخلي في لبنان، لعدم تدهور الأوضاع نحو حرب. وهنا لا بد للحزب أن يتسلّح بـ”الصبر الجميل” كما ورد في بيانه. فمع حصول الاغتيال، توالت الاتصالات الدولية باللبنانيين والإسرائيليين للتخفيف من وطأته. ولمنع تفاقم الأمور.
الاستدراج إلى الحرب
حزب الله هنا يرتكس إلى معادلة تربط ما بين “العقلانية والثورية”، أو العقلانية ضمن الحالة الثورية. إذ لا يمكنه فتح معركة واسعة ومفتوحة تؤدي إلى تدمير البلد والإطاحة بكل المكتسبات التي تحققت. كما يعتبر نفسه أنه لا يريد أن يُستدرَج إلى اللعبة الإسرائيلية، على قاعدة أن الحرب من مصلحة نتنياهو. ولا يجب منحه هذه الفرصة لإطالة عمره على رأس حكومته. وهذا أيضاً يتطابق مع ما قاله قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني قبل أيام، رداً على اغتيال مسؤول الحرس الثوري في دمشق رضى الموسوي، معتبراً أن إيران لن تستدرج إلى الحرب التي تريدها اسرائيل. هنا المعادلة لا تقوم على ردّ الفعل العاطفي.
منذ سنوات، تحدث حزب الله عن معادلة توازن الردع، وأن اسرائيل عاجزة عن تنفيذ أي عملية في لبنان، لأنه يمتلك قدرات هائلة يهدد فيها تل أبيب. وكان الحزب قد رفع سابقاً معادلة استهداف بيروت يوازيه استهداف تل أبيب.
أهم ما سيركز عليه الحزب حالياً هو العمل في سبيل إعادة الاعتبار لمعادلة توازن الردع. خصوصاً أن الإسرائيليين يريدون الاستمرار في مثل هذه العمليات، كما أعلن عن ذلك أو تم تسريبه. بينما مهمة الحزب ستكون في منع الإسرائيلي من تكرار مثل هذه العمليات. وإلا فإن لبنان سيصبح ساحة مفتوحة للتصفية الحسابات والاغتيالات، كما حصل في فترات سابقة من سبيعنيات وثمانينيات القرن الفائت.
عملياً، رد حزب الله سيكون حتمياً، ولا بد له أن يكون متكاملاً مع حركة حماس، إما عبر عملية نوعية في داخل إسرائيل تعيد الاعتبار لمعادلة توازن الردع، وتمنع الإسرائيليين من القيام بعمليات مشابهة لعملية اغتيال العاروري، وإما من خلال توسيع المواجهات ضمن معادلة وحدة الساحات، ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب واسعة أو شاملة، على قاعدة أن المعركة ستكون طويلة، وأنها حرب استنزافية تحتاج إلى نفس طويل.