الرئيسيةمقالات سياسيةدولة “تصريف الأعمال”: النظام يتحلل والاغتراب المسيحي يشتدّ

دولة “تصريف الأعمال”: النظام يتحلل والاغتراب المسيحي يشتدّ

Published on

spot_img

أمام الانسداد السياسي الحاصل في كل الملفات والقطاعات، تلجأ القوى السياسية إلى مساحاتها الآمنة. كل طرف يلوذ بالمنطقة التي يعتبرها مناسبة له وللوضعية القائمة. فالقوى الإسلامية المتمثلة حالياً برئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تتعاطى مع الوقائع على قاعدة تعميم ثقافة تصريف الأعمال. فتحل الحكومة مكان رئيس الجمهورية، ويحل نائب حاكم مصرف لبنان مكان الحاكم. وهو ما يمكن أن ينسحب على قطاعات أخرى، بطريقة قد تعيد بالذاكرة المسيحية الجماعية إلى حقبة التسعينيات.
القوى المسيحية تعترض على كل ما يقوم به برّي وميقاتي، من خلال رفض تولي حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، ورفض تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، مع الموافقة على تولي مهام الحاكمية من قبل نائب الحاكم. لكن إطالة أمد الأزمة يدفع بالقوى المسيحية إلى الاغتراب أكثر عن لبنان.

“اهتمامات” حزب الله
ما بين الانقسامين بالشكل والمضمون، يسعى حزب الله إلى تقديم نفسه كلاعب مدوزن لكل الوقائع، سعياً وراء تخفيف استفزاز المسيحيين. وهو قد رفض تعيين حاكم بديل لرياض سلامة كما رفض أي صيغة للتمديد له. وفيما يتشبث الحزب بموقفه الرئاسي، وعلى وقع الفراغ القائم والمستمر والمتمدد، انشغل الحزب بأولويات ذات اهتمام أكبر لديه. ففي مثل هذه الحالات أكثر ما يلائمه اللجوء إلى “مساحته الآمنة”، أي في العودة إلى عمل المقاومة. وهذا ما يقوم به منذ فترة بالجنوب، متفرغاً لأي احتمال من احتمالات التصعيد مع العدو الإسرائيلي، على وقع الاستنفار القائم، وقضية الخيمتين ورفض ضمّ الغجر.
بذلك يفصل الحزب نفسه عن القوى السياسية الأخرى من حيث الأولويات والاهتمامات.
وهذا ما سيتيح له التستفادة من الواقع القائم لتعزيز وضعه سياسياً وعسكرياً. واقع على ما يبدو أنه سيكون طويلاً ويحفل بتطورات متعددة، سياسية وغير سياسية، في ظل رفع معادلة إزالة الخيمتين مقابل تراجع إسرائيل عن ضم الغجر، أو وضع معادلة أخرى وهي أن يتسلم الجيش اللبناني للخيمتين مقابل تسلم اليونيفيل للجزء الشمالي من بلدة الغجر.
في كل الأحوال، فإن ما يجري لا ينفصل عن مبدأ توحيد الجبهات، لأن تلك الجبهات المتشابكة تبدأ في طهران وتصل إلى بيروت قبل وصولها إلى الضفة الغربية والداخل الفلسطيني. وهذه لا بد من قراءتها بمفاعليها السياسية داخلياً وإقليمياً. كما ستكون ذات أثر على أي محاولة لترسيم الحدود البرية لاحقاً. إذ يتقدم دور حزب الله بشكل مباشر ميدانياً، سياسياً وتفاوضياً، بخلاف ما كان الواقع عليه خلال التفاوض على ترسيم الحدود البحرية.

إعادة ترتيب المواقع
كل هذه الوقائع، تقود إلى اعتماد سياسة تعميم تصريف الأعمال. وهو ما يتجلى في كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي قال إنه لن يطلب تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي ولا التمديد لسلامة. وبحال استقال نواب الحاكم الأربعة، فعليهم أن يستمروا بتصريف الأعمال. هذا يعني أن تصريف الأعمال سيكون في حالة تمدد. مقابل تمديد حزب الله وجوده الأمني والعسكري في الجنوب، بما لذلك من آثار على الواقع الإقليمي.
لكن الأثر الفعلي لتعميم حالة تصريف الأعمال في كل مؤسسات الدولة سيقود إلى حالة انهيار شامل للإدارات والمؤسسات، بالإضافة إلى إعادة ترتيب أو توزيع طوائفي للحصص الطائفية في الدولة، ولا سيما في مواقع الفئة الأولى. فوسيم منصوري سيكون أول مسلم يتسلم إدارة مصرف لبنان منذ ولادة هذا المصرف. وهو ما حصل قبل فترة في الأمن العام علماً أن “المسيحيين” يعتبرون أن هذا الواقع كان يتوجب تصحيحه في إعادته للمسيحيين. فيما لا بد للأنظار أن تتجه إلى قيادة الجيش، في حال استمر الشغور الرئاسي إلى فترة ما بعد انتهاء ولاية قائد الجيش جوزيف عون. كما يمكن أن ينطبق على مواقع أخرى. فهذا سيؤدي إلى كسر كل ما له علاقة بالكوتا الطائفية في المواقع الأولى بالدولة. بما سيكون لذلك من آثار وتداعيات حول كل ما تضج به الكواليس السياسية بالسعي نحو إعادة صياغة النظام أو التركيبة، أو بحث الجماعات اللبنانية عن ضمانات دستورية لامتيازاتها.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...