الرئيسيةمقالات سياسيةدعوة جعجع إلى اعتماد الفدرالية البلجيكية لا تصح!

دعوة جعجع إلى اعتماد الفدرالية البلجيكية لا تصح!

Published on

spot_img
حظيت دعوة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى اعتماد الفدرالية البلجيكية نموذجا للنظام اللبناني، باهتمام واسع طغى فيه السلبي على الإيجابي، بالنظر الى هذه الدعوة جاءت شعبوية بلا اسنادات علمية ولا تحضير للقاعدة الصلبة لهكذا تغيّر جذري نظامي وانتظامي.
ولا ريب أن جعجع طرح الفدرالية البلجيكية لدغدغة مشاعر الفدراليين ومحاكاة كل الناقمين على النظام المركزي الراهن الذي استغلّته المنظومة العميقة من أجل تثبيت انتصاراتها وتأبيد السطو على مقدرات لبنان. لكنه طرح أيضا النموذج الإتحادي البلجيكي مع علمه المسبق باستحالة تطبيقه في لبنان لاعتبارات علمية وتقنية وسياسية وعملية. فالمادة ٢ من الدستور قسّمت بلجيكا إلى ثلاثة مجتمعات: الفلمنكي والفرنسي والناطق بالألمانية، بينما قسّمتها المادة 3 إلى ثلاث مناطق: المنطقة الفلمنكية، إقليم فالونيا، إقليم بروكسيل. فيما قسّمتها المادة 4 إلى أربع مناطق لغوية: منطقة اللغة الهولندية، منطقة اللغة الفرنسية، منطقة ثنائية اللغة (الفرنسية والهولندية) في بروكسيل العاصمة، ومنطقة اللغة الألمانية. وقسمت المادة ٥ الإقليم الفلمنكي وإقليم فالونيا إلى خمس مقاطعات لكل منهما. كما أن لكل ولاية حكومتها الخاصة. على وجه الاستثناء، ولايتا المجتمع الفلمنكي والإقليم الفلامندي يشتركان معاً في حكومة فلمنكيّة واحدة. ولذا في بلجيكا 5 حكومات محليّة وحكومة فدرالية، وهذه الأخيرة تتخذ القرارات التي تتعلق بكل أنحاء البلاد.
ويظهر، تاليا، أن اعتماد الفدرالية البلجيكية في لبنان على النمط العرقي- الإتني- اللغوي غير منطقي أو جدي وغير قابل للتنفيذ بنسبة كبيرة:
-أولا، لعدم مطابقة الحال اللبنانية المتنوعة طائفيا، التنوع الإثني البلجيكي. ويُلحظ في هذا السياق أن أكثر النماذج الفدرالية تسويقا في لبنان ذلك القائم على التوزيع الطائفي للكانتونات، وهو طرح يتحمّس له مريدوه لكن تطبيقه صعب المنال سياسيا ومنطقيا، إلى جانب أن النموذج الإتّحادي ديني – طائفي – مذهبي أكثر منه جغرافي، ويحمل مخاطر عدة لجهة مدى قدرة الأقلية الطائفية على التناغم والتأقلم والتآلف مع الغالبية داخل الكانتون الواحد، خصوصا إذا ما قررت تلك الأقلية ان ترتبط ماليا وسياسيا مع غالبية من لونها في كانتون آخر. كما أن من شأن الصيغة الإتحادية الدينية أن تجعل، على سبيل المثال، الأقلية بؤرة لنفوذ غالبية من لونها من كانتون آخر، بما يتيح لتلك الغالبية التمدّد تدريجا وصولا الى الطمع بتغيير اللون الطائفي لهذا الكانتون والسيطرة عليه ديموغرافيا. ولا يغيب في هذا السياق القدرة الكبيرة التي يملكها حزب الله لتحقيق هذا الإختراق، إذا ما شاء وأراد، في أكثر من منطقة وبيئة مغايرة.
-ثانيا، لأن النظام البلجيكي السياسي هو بطبيعته ولّاد مشاكل دستورية وسياسية، ليس أقلها تأخر تأليف الحكومة أشهراً طوال بفعل الاختلافات السياسية المعروفة والأزمة العميقة التي تتحكم بعلائق الإثنيات الثلاث ببعضها البعض.

كيف لرئيس «القوات» أن يوفّق بين سرديته السياسية لجعل الطائف أيقونة ودعوته لاعتماد نظام آخر

-ثالثا، لأن جعجع نادى بتغيير جذري في النظام يخرج كليا عن اتفاق الطائف. ولا يخفى الإرتباط السياسي وغير السياسي لرئيس القوات مع المملكة العربية السعودية راعية الطائف وأحد أكثر الداعين والعاملين على ثباته وتعميمه في المنطقة. ولم يُفهم في هذا السياق كيف لجعجع أن يوفّق بين سرديته السياسية القائمة على جعل الطائف أقرب الى أيقونة منه الى دستور أو نظام، وبين دعوته الى اعتماد نظام آخر هو النقيض للطائف.
رابعا، لأن أحد أبرز عوامل نجاح النظام الفدرالي حكومة مركزية قوية تؤول إليها السلطات المتعلقة بالسياستين الخارجية والدفاعية، وتتولى كل الشؤون المالية كتحصيل الضرائب ووضع الميزانية الفدرالية، ويكون للوحدات السياسية الفدرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والاستثماري الذي يتم على أراضيها. وهذا العنصر الهام لا يمكن لجعجع لا القفز فوقه ولا اعتماده في الوقت عينه، لأنه لا شكّ يمنح حزب الله مكانة متقدّمة وهو ما يشكو منه أصلا رئيس القوات في النظام القائم راهنا.
خامسا، أما لماذا راح جعجع صوب هذا الخيار الإتحادي البلجيكي، فربما لإدراكه إدراكا يقينا باستحالة تطبيقه. فرمى رمية من دون رامٍ، وبذلك يكون قد سجّل موقفا سياسيا، تناغم مع الفدراليين، أبدى تبرّمه من النظام القائم، من غير أن يكسر مع أهل الطائف.

أحدث المقالات

بيروت: لقاء ثلاثة أجهزة مخابرات

بشكل متزامن، كانت بيروت مطلع الأسبوع، مسرحاً لوجود مخابراتي ثلاثي: فرنسي أميركي وإسرائيلي. والتفاصيل،...

ماذا لو أُرجئ بتّ مصير قائد الجيش إلى ما بعد الأعياد؟

بين مجلسَي النواب والوزراء يتجمّد بتّ مصير قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي يبلغ...

تطبيق 1701: الحزب يرفض.. ويفاوض!!

في عام 2006 انتهت حرب تموز بإصدار القرار الأممي 1701 تحت الفصل السادس، لكن...

“الحزب” لن ينسحب: ثمن التفاوض لاستقرار الحدود ستدفعه إسرائيل

الاستعاضة عن الحرب في جنوب لبنان، يكون بالتوجه نحو اتفاق سياسي برعاية دولية إقليمية،...

المزيد من هذه الأخبار

مادة انتقاد “عونيّة” لقائد الجيش!

أضاف مسؤولون في «التيار الوطني الحر» أن إجراءات الجيش اللبناني لمكافحة تهريب الأفراد السوريين...

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب...

تقويض القرار 1701… بتواطؤ دولي

يتعامل العالم مع جرائم هائلة تسحق أهل قطاع غزة وتبيدهم، بالكثير من البرود والتجاهل...

“تطابق” فرنسي-سعودي لبنانياً.. وتحذيرات حول مصير الجنوب

أصبحت الدوامة السياسية اللبنانية الداخلية “مضجرة” في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الأساسية، لا سيما...

مهمة لودريان تبدَّلت من انتخاب الرئيس إلى السعي لتأجيل تسريح قائد الجيش

لم يعد خافياً أن الهدف الرئيس من زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف...

لبنان بعد حرب غزّة… من يسأل عن قرار السلم والحرب؟

"لبنان ما بعد حرب غزة يشبه السؤال عن لبنان ما بعد الانتداب، ويشبه السؤال...

لودريان لم يطرح تعديلاً للـ1701… بل فرصة لتطبيقه

مع إعلان إسرائيل استئناف القتال ضدّ “حماس” سمحت أيام التبادل السبعة التي كانت واشنطن...

“ليونة” مستجدة بالملف الرئاسي.. وإصرار دولي على التمديد لعون

على وقع الزيارة الرابعة التي أجراها المبعوث الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، تحدث...

بلى هُزمنا… والحلّ؟ فليحكم الحزب (1)

جرى هذا النقاش ضمن حلقة تفكير سياسي مناوئة للحزب ومرجعيّاته، في السياسة والأيديولوجيا والمنطلقات...

لبنان في مسار الحلّ من غزّة إلى واشنطن

عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان وإن كانت في شكلها لا تحمل أيّ مبادرة...

لودريان “دبلوماسيّ بلا قفازات”… ينفعل و”يَزعَل”

لكلّ حقبة سياسية مُعضلات وإشكاليات، تجذب معها وساطات ووفود خارجية، في مغامرة أشبه ببحث...

متى سيبدأ الدولار بالهبوط… 50 ألفاً أو أقلّ؟

قبل انتهاء ولاية رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان، كان التوقّع العامّ السائد بين...

“تعديل” الـ1701 ومنطقة عازلة: التفاوض مع “الحزب” بنبرة نارية

يتنقّل لبنان في السجالات بين الملفات، من دون حسم أي منها. وقد أصبحت هذه...

دعم قوي من “الخماسية” لمهمّة لودريان… وقلقٌ أمميّ على لبنان

في ظل استمرار الهدوء الحذر الذي يخيم على المناطق الجنوبية، طالما أن الهدنة الممددة...

حراك دولي جدّي لكسر جليد الرئاسة وإطفاء جمر الحدود

على عادتهم، يبرع اللبنانيون في ضرب بعضهم البعض من تحت الحزام، بناء على حسابات...