الرئيسيةمقالات سياسيةخياراتٌ محدودة لصدّ انهيار نقديّ كبير!

خياراتٌ محدودة لصدّ انهيار نقديّ كبير!

Published on

spot_img

رجّح مرجع مصرفي كبير حصول مشاورات عاجلة بين رئيسي مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي تستهدف احتواء التعقيدات المستجدة في الميدان النقدي، وإعادة ترتيب مندرجات ومآلات ملف المرحلة الانتقالية لانتهاء الولاية القانونية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع نهاية الشهر الحالي.

وبدا المشهد العام شديد الضبابية بفعل تفاقم حال «عدم اليقين»، مع الارتفاع الحاد في منسوب الهواجس في القطاع المالي وأسواق الصرف، ربطاً بحزمة الشروط المسبقة التي وضعها نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة لقاء تسلّم مسؤوليات القرار النقدي المركزي، وتحسباً لعاصفة نقدية وشيكة تطيح تماماً بالاستقرار الهش لسعر الليرة، بعد انتشار ترقبات عن انهيار كارثي وبمئات الآلاف في سعر صرف الليرة في حال الإقدام على تحريره، والتخلي عن المنصة الحالية التي يديرها البنك المركزي، وتنفذ مبادلات بمتوسطات تفوق 125 مليون دولار يومياً، كما تؤمن صرف مخصصات موظفي القطاع العام بالدولار «المدعوم» شهرياً.

وثمة خشية متنامية في الأوساط العامة من انقضاء المدة الفاصلة مطلع الشهر المقبل من دون حسم ملف الحاكمية وتبيان التوجهات النهائية بشأن «المنصة»، وخصوصاً في ظل سريان توقعات باضطرابات كبيرة تنشأ عن تفاقم أسرع وأشد وطأة يطرأ تلقائياً على الأوضاع المعيشية والاجتماعية، وذلك نتيجة الإشكاليات المتجددة لانتقال موقع الحاكم ومسؤولياته إلى النائب الأول وسيم منصوري عملاً بنصّ المادة 25 من قانون النقد والتسليف، التي زادت تعقيداً بعد إشهار خريطة الطريق التشريعية والإجرائية التي توافق عليها النواب الأربعة للحاكم.

ويؤكد المسؤول المصرفي أولوية استدراك الوضع النقدي قبل شروع الحكومة بمناقشة مشروع قانون موازنة العام الحالي مطلع الأسبوع المقبل، بالنظر إلى المخاطر الاستثنائية المرتقبة جراء تفاقم الإرباكات التي تحاصر عملية التسلّم والتسليم لمركز صناعة القرار في السلطة النقدية، والمعزّزة أخيراً بصعوبات تحاكي حدود الاستحالة في إمكانية الاستجابة لشروط النواب الأربعة في البعدين التشريعي والتنفيذي، خصوصاً لجهة التزام المواقيت المحددة بحدود قصوى لا تتعدى نهاية العام الحالي.

كما يتوقع في سياق موازٍ، السعي إلى إعادة هيكلة ملف المفاوضات مع إدارة صندوق النقد الدولي، لا سيما بعد استشعار دخول وزاري على خط القرار النقدي والاستنساخ الظاهر في مذكرة نواب الحاكم لأغلب الالتزامات التي طلبتها بعثة الصندوق، وذلك وسط معلومات محدثة عن إمكانية إجراء تعديلات تشمل تشكيلة فريق العمل بما يتناسب مع الخيار الذي سيجري اعتماده في معالجة الشغور النقدي، وإعادة ترتيب الأولويات وفقاً للإمكانات المتاحة دستورياً وسياسياً، وبما يكفل العودة إلى مسار التقدم والخروج من وضعية الاتفاق المعلّق في نسخته الأولية على مستوى «الموظفين» منذ شهر نيسان من العام الماضي.

ووفق المداولات الجارية، فإن الخيارات الماثلة في ردهات سياسية ومالية تنحصر في 3 مسارات متوازية؛ الأول يقضي بإلزام نواب الحاكم قبول حمل المسؤولية، وبترتيب فردي لجهة قبول النائب الأول بالحلول في موقع الحاكم، والتشارك بشكل جماعي في إدارة القرارات والسياسات. بينما يفضي الثاني إلى قبول استقالاتهم المحتملة خلال الأسبوع المقبل وصدور قرار تنظيمي من قبل وزير المال، على أن يحظى بموافقة مسبقة من قبل رئاستي المجلس والحكومة، ويقضي بتكليف هيئة الحاكمية مكتملة، وبما يشمل سلامة تحديداً، بالاستمرار بتسيير المرفق العام وفقاً للوضع الإداري القائم حالياً. أما الثالث فهو الفوضى الحتمية.

وفي السياق نفسه، يلفت الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور جو سروع، إلى واقع الخلل الهيكلي في التركيبة الإدارية للسياسات النقدية والمقاربات المطروحة لإدارة الأزمة؛ فالأصل أن المهام الأساسية للبنوك المركزية تقوم على 3 محاور مفصلية تشمل سعر العملة الوطنية ومستويات الفوائد ومؤشر التضخم. وهي محكومة بترابط عضوي في ماهيتها ووضع سياساتها وإدارة تقلباتها قياساً بالإمكانات المتاحة وبهندسات مالية ملائمة على منوال ما يحدث في معظم دول العالم، لا سيما بينها المأزومة اقتصادياً ونقدياً.

ويلاحظ سروع أن ورقة العمل التي جرى عرضها في اجتماع لجنة الإدارة والعدل النيابية من قبل نواب الحاكم، أشبه بطروحات التفافية وعائمة تتوخى تغطية «العورات» الكامنة في الخوف الصريح من حمل كرة النار النقدية. ويقول إنها «تغفل تماماً عن وقائع الميدان السياسي المتأزم وهشاشة الاستقرار القائم وتفشي الفراغات في سلطات دستورية ومؤسسات عامة، إضافة إلى الأثمان الباهظة التي تكبدها القطاع الخاص والمؤشرات الكارثية التي يفرزها الانكماش الحاد للناتج المحلي وانفلات التضخم وذوبان الودائع ومن دون استراحة على مدى 4 سنوات متتالية».

كذلك، ثمة «غربة» منهجية في توخي إصلاحات مالية وبرمجتها خلال أشهر قليلة، بينما يجري إغفال أولوية الإصلاحات الهيكلية المطلوبة في قطاعات الكهرباء والقضاء والإدارة العامة ومعالجة حقوق المودعين في البنك بمنأى عن نظريات الشطب والاقتطاعات الجسيمة، علماً أن هذه السلطات عينها عجزت طوعاً أو قسراً عن الاستجابة لهذه المطالب «المستنسخة» التي التزمتها في الاتفاق الأولي مع بعثة صندوق النقد الدولي، وبالأسبقية أغفلت أولوية إقرار ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) رغم إلحاح البنك المركزي وجمعية المصارف في الأسابيع الأولى لانفجار الأزمتين النقدية والمالية.

ويلفت سروع إلى أنه بموازاة الفجوة المالية المقدرة حكومياً بنحو 73 مليار دولار بالتماهي مع وصفات صندوق النقد، ينبغي التركيز أكثر على فجوة تبديد مخزون الثقة المالية داخلياً وخارجياً بالبلد وباقتصاده وبقطاعه المالي، بفعل إشهار التعثر من قبل الدولة في الأشهر الأولى للأزمة والتوقف عن دفع مستحقات سندات الدين الدولية (يوروبوندز)، وإلحاقه بقرارات رسمية للإنفاق المفتوح على الدعم لليرة وللمواد والسلع بلوغاً إلى هدر أكثر من 20 مليار دولار من احتياط العملات الصعبة.

وليس من المفهوم مطلقاً التركيز في ظل هذه الأوضاع على أولويات تحرير سعر الصرف وتحويل المبادلات النقدية إلى منصة جديدة، وفقاً لتحليل سروع. ويوضح أن «ثمة غموضاً واضحاً لمستوى السعر العائم لليرة وحدود تقلباته في حال انكفاء البنك المركزي عن التدخل كصانع رئيسي للسوق». وبالمثل، «نلمس تجهيلاً في تحديد الآليات التي سيجري اعتمادها لإنشاء منصة صرف جديدة وإدارة عمليات العرض والطلب من دون صانع للسوق، بينما يبرز الوهم بإمكانية إيلاء دور أساسي للجهاز المصرفي المنهك الذي يعاني في سداد حصص ضئيلة من حقوق المودعين».

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...