الرئيسيةمقالات سياسيةحزب الله والرئاسة: لا مجال للتنازل وقادرون على الانتظار

حزب الله والرئاسة: لا مجال للتنازل وقادرون على الانتظار

Published on

spot_img

في واحد من الاجتماعات المفصلية بين السفارة الفرنسية وحزب الله، سأل ممثل السفارة «صديقه» الجديد: ماذا سيفعل الحزب إذا انتهى صيف 2023 من دون انتخاب سليمان فرنجية رئيساً؟ فجاءه الجواب سريعاً جداً: «ننتظر صيف 2024». عبارة تختصر مساراً طويلاً عبّده آلاف الشهداء والجرحى، وبنت جدران الدعم له مؤسسة اجتماعية – دينية يعرف الخارج أكثر من الداخل أنه لا يمكن القفز فوقها، ويتصرف على هذا الأساس إذا كان تبنّي حزب الله لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية قد خضع، منذ الدقائق الأولى، لمقاربات مختلفة ممن ينشغلون دائماً باللحظة الآنية عن بعدها المستقبليّ، تعامل العالمون بالاستراتيجيا مع الترشيح، منذ تلك اللحظة، باعتباره صفحة جديدة يستحيل التفكير في طيّها من دون ثمن كبير، لا قدرة لخصوم الحزب في لبنان على دفعه، ولا اهتمام لدى القوى الإقليمية المناوئة للحزب بدفعه في أي ساحة أخرى.

المفارقة أن بعض من يوصفون بـ«النواب التغييريين» من خصوم حزب الله (كبولا يعقوبيان) كانوا أسرع من غيرهم في التقاط اللحظة، حين فهموا المبادرة الفرنسية بوصفها دعوة إلى عدم إضاعة الوقت في معارك خاسرة، طالما أن أحداً لا يمكنه لي ذراع الحزب أو فرض رئيس عليه. ففي مسار الحزب الطويل، مرّ بفترات مراوحة ومراكمة نقاط وتدعيم وتفاوض… لكن لم يحصل أبداً أن حدث تراجع. في ذروة التعبئة الكونية ضده وحشد التكفيريين من كل أنحاء العالم لمجابهته، تمدّد الحزب جغرافياً من حدود البقاع والضاحية والجنوب إلى ما بعد بعد سوريا والقدس والضفة وغزة والعراق واليمن؛ وفي «عزّ» الحصار حوّل صواريخه من سلاح تقليديّ إلى ترسانة مذهلة من الرؤوس الذكية الدقيقة، وصارت مسيّراته «تغزل» فوق سماء فلسطين المحتلة وبحرها وتعود سالمة. قد يتمكن بعض الأغبياء من إقناع من هم أغبى منهم بأن الحزب الذي لم يدفع ثمن الصراع في المنطقة سيدفع ثمن التفاهمات، فيما الواقع الحقيقي الموثق في الميدان هو أن النمو العسكري والأمني والجغرافي والبشري والاجتماعي تضاعف في ظل الحصار والحرب ومخصصات «مزروكة»، فكيف يمكن أن يكمل هذا النمو مساره إذا خُفف الحصار وتراجعت الحرب وتعززت المخصصات.

الصورة التي يقدّمها نواب وقياديون في القوات اللبنانية والكتائب وغيرهما من القوى المسيحية عن المقاومة وبيئتها لا تدل سوى على حالة إنكار كبيرة، لحالة عسكرية وأمنية – علمية وتكنولوجية – اقتصادية واجتماعية لم يعد سهلاً وضع سقوف لها. ما تحقق في سوريا واليمن، بعد انتصار تموز، كان له أثره النفسي العام على مجتمع المقاومة، وظهرت تداعياته الاجتماعية في المدارس والجامعات والاقتصاد ككل. القوات اللبنانية، مثلاً، تعتبر نفسها خصماً لحزب الله، فيما ليس على رادار الحزب شيء اسمه قوات أو غيرها ممن يُصنّفون خصوماً محليين له. كثر من الأفرقاء المحليين، بمن فيهم حلفاء للحزب يتقدمهم التيار الوطني الحر سابقاً، لم يلتقطوا تحوله في أقل من عقدين، من حزب يبحث عن تفاهمات داخلية وثلث وزاري ضامن، إلى قوة إقليمية هائلة، لها النصف زائداً واحداً على مستوى المنطقة، وهو لا يريد سوى أن يكون لبنان آمناً ومستقراً لا يحاول أحد أن يطعنه فيه من الخلف. وهذا، بالمناسبة، ما أدركه الفرنسيون جيداً، وأظهروا، منذ لقاءات قصر الصنوبر التي عقدها الرئيس الفرنسي قبل عامين، براغماتية كبيرة في التعامل مع هذه الحقائق.

قبل أيام، بعد الضغط الخارجي للإيحاء بتعطل المسعى الفرنسي لتحقيق تسوية سليمان فرنجية – نواف سلام، أعاد حزب الله تفعيل محركاته في ثلاثة اتجاهات:
أولاً، مع الفرنسيين للتأكيد على معادلة فرنجية أولاً وأخيراً، مقفلاً الباب على أي نقاش آخر، و«إذا تعذر الأمر صيف 2023، يمكن انتظار صيف 2024 أو صيف 2025»، ولا خشية على المؤسسات طالما أن الولايات المتحدة تأخذ على عاتقها دفع رواتب القوى الأمنية.
ثانياً، مع فرنجية نفسه لمغادرة مربع الانتظار الدائم ليبحث عما يمكن فعله كما فعل الرئيس ميشال عون حين ذهب إلى بيت الوسط ومعراب وطرق باب كليمنصو أكثر من مرة.

ثالثاً، تواصل مع أفرقاء داخليين لتليين موقفهم من رئيس المردة، ما يخفف كثيراً من الضغوطات ومن حجم فاتورة إيصال فرنجية.
كان الفرنسيون متعطّشين إلى هذا الدفع من حزب الله لإحياء مبادرتهم وإلغاء مراسم دفن الديبلوماسية الفرنسية، إذ لا تستسهل إدارة ماكرون الاعتراف بفشلها في لبنان مجدداً. في المقابل، بنى الحزب مقاربته التكتيكية على معادلة استراتيجية أساسية: لم تغير إيران سياستها في المنطقة، ولا يفترض أن يساء تفسير الود المستجد مع السعودية. وهو ما يمكن ترجمته كالتالي: يمكن إبطاء الاندفاعة أو التوقف قليلاً لتحصين المكتسبات ومراكمتها، لكن لا تراجع ولو خطوة واحدة إلى الخلف. وهذا يُترجم لبنانياً كالتالي: لا عودة على مستوى رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو الحقائب الوزارية أو التمثيل السياسي إلى ما قبل عام 2016.
خلافاً لما يشاع، تؤكد المعلومات أن القيادة السورية تحاذر الدخول المباشر على خط فرنجية – الرياض نظراً إلى الحساسية السورية – الفرنسية والروسية – الفرنسية، ولمعرفة السعوديين بالموقف السوري الداعم لفرنجية من دون حاجة إلى المجاهرة بذلك. وهنا، تنبغي الإشارة إلى أن السعودية عادت إلى سوريا من دون أن ينسحب حزب الله منها أو يعيد الحرس الثوري تموضعه فيها، وبالتزامن مع إطلاق صواريخ رمزية على الجولان، ومن دون أي تراجع ولو شكلي للرئيس السوري أمام المعارضة المفترضة، باستثناء العفو عما مضى!

بمعزل عن التزام الحزب بمصداقيته تجاه رئيس تيار المردة رغم تداعيات ذلك على علاقته بالتيار الوطني الحر، تماماً كما التزم في الاستحقاق الرئاسي السابق بمصداقيته تجاه الرئيس عون رغم تداعيات ذلك في حينه على علاقته بالرئيس نبيه بري، تنطلق مقاربة الحزب للاستحقاق الرئاسي من كون «خطنا السياسي ربح، ويجب أن نتصرف على هذا الأساس رغم الضغوط الاقتصادية والمالية المتواصلة». علماً أن الحزب يقارب مجمل الأزمة الاقتصادية بوصفها «حرب تموز مالية» لا يمكن أبداً رفع الرايات البيضاء أمامها أو التنازل عن مكتسبات الحزب وحلفائه للتخفيف من تداعياتها. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى توقيت ترشيح فرنجية قبل تظهير الاتفاق السعودي – الإيراني والتقارب السوري – السعودي، للقول بصراحة إن هذا كان سقف الحزب في مرحلة الحرب عليه وعلى حلفائه، ولن يتراجع عنه في مرحلة الاتفاق السعودي – الإيراني والتقارب السوري – السعودي.

والنتيجة، يريد الحزب تفاهماً لبنانياً يتناغم وينسجم مع التفاهمات الحاصلة في المنطقة؛ هو وحلفاؤه في لبنان، كما الرئيس الأسد في سوريا، وكما إيران في المنطقة، وروسيا والصين في العالم، يمكن أن يعفوا عما مضى، لكن لا يمكن تقديم أي تنازلات. يمكن إرساء معادلات جديدة تكرس التوازنات الحالية، لكن لا يمكن العودة إلى ما قبل 2016. يمكن تخفيف الاندفاعة في المسار التصاعدي لحزب الله أو التوقف قليلاً لكن لا يمكن العودة خطوة إلى الوراء. من تشغله اللحظة الآنية عن المستقبل، لا يمكن أن يفهم. من تهمه الاستراتيجيات أكثر من التكتيك لا بدّ أن يفهم.

أحدث المقالات

جنوب الحرب وشمال النازحين والدرّاجات.. تلغي”الدولة الوطنيّة”؟

كان المشهد في لبنان يوم الجمعة الماضي معبّراً جدّاً عن صورة البلد وإشكاليّاته، أو...

كيف سينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على لبنان؟

بدأت التساؤلات تتوالى بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد الأمير...

سباق التفاوض الإقليمي: “الثنائي الشيعي” للفوز بلبنان والرئاسة؟

أحداث من التاريخ يمكنها أن تتشابه أو أن تتكرر، وإن بسياقات وظروف مختلفة. أواخر...

الزيارة الأولى منذ اتفاق الدوحة… ما وصيّة جنبلاط من قطر؟

للمرة الأولى له منذ أيار 2008، يوم استضافت قطر القادة اللبنانيين وإعلان اتفاق الدوحة،...

المزيد من هذه الأخبار

قطر من “استوكهولم”: سلام شامل أو حرب أوسع..

تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة...

هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟

مع تحديد موعد لمثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس...

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه...

“الخُماسية” تُطلق مساراً رئاسياً حتى تموز: مشاورات أو عقوبات

ما تضمّنه بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماعها أول من أمس في السفارة الأميركية، أحدث...

مهلة حزيران للحــزب: الرئاسة… أو نتنياهو

تعدّدت المهل التي أُعطيت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون أن تَصدُق أيّ منها. إلا...

“اليوم التالي” في غــزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد

على دوي الحرب وهديرها، تتعدد مسارات البحث عن ما يسمى بـ”اليوم التالي” لغزة، وهو...

ماذا فعل “حــزب الله” في ملف النزوح؟

في 2 تشرين الأول 2023 تناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ملف...

“الخماسية” في عوكر: “صيانة” دوريّة للحلّ

انعقد أمس الاجتماع الخامس للّجنة الخماسية المُمثّلة لواشنطن وباريس والدوحة والرياض ومصر في مقرّ...

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...