أسئلة كثيرة لا تزال تطرح حول خلفيات ما جرى في مخيم عين الحلوة. تلك الأسئلة يطرحها أي لبناني، كما كل الديبلوماسيين والجهات المعنية والمراقبة أو المتابعة للملف اللبناني. تجمع الآراء على أن لا شيء يحصل بالصدفة، وأن ما جرى يتجاوز الإشكالات الفردية أو الانقسامات الداخلية، خصوصاً أن التوصل إلى وقف إطلاق النار لأكثر من مرة، وفق ما جرى الإعلان عنه، لم يلتزم به أحد. وهو ما يدفع المتابعين إلى الإكثار من الأسئلة، إذا كان هناك جهات تستثمر وتسعى لتحريك بعض الفصائل لإبقاء الوضع في حالة اشتعال.
ضرب “فتح”
يبقى السؤال الأساسي متركّزاً حول خلفية هذه الاشتباكات، وما هو المراد تحقيقه أو فرضه كأمر واقع سياسي ما سيكون له انعكاسات متعددة الأبعاد داخل المخيمات وخارجها. من حيث الشكل مجدداً، بلا شك أن حركة فتح أصيبت بضربة قاصمة حتى الآن من خلال استهداف قائد الأمن الوطني الفلسطيني، من دون قدرتها على تحقيق أي “تقدم عسكري” يذكر، على الرغم من عدم الإلتزام من قبل أطراف متعددة بوقف إطلاق النار. تمثل هذه الضربة تكملة لضربة أخرى، وهي تتمثل بعودة عدد من المطلوبين لها وللدولة اللبنانيين، إلى داخل المخيم، لا سيما أن هؤلاء من الذين قاموا بعمليات أمنية وعسكرية، ونفذوا اغتيالات بحق كوادر من فتح، التي لم تنجح في الاستمرار بإبعادهم من المخيم، إنما عادوا إليه. ما سيضعف سلطتها. ومن بين هذه المجموعات استئناف مجموعة بلال بدر نشاطها الأمني والعسكري، وانخراطها في الاشتباكات الدائرة منذ أربعة أيام في المخيم.
لم يقتصر الاستنفار على مخيم عين الحلوة وحده، إنما يطال غالبية المخيمات، وسط مخاوف متجددة من إشعال أي فتائل للفتنة داخل هذه المخيمات، والتي تتداخل في صراعاتها وخلافاتها أسباب وغايات وأهداف متعددة، بعضها فلسطيني فلسطيني، وبعضها الآخر ما يتصل بالقوى اللبنانية أو بقوى خارجية. هناك من يبدي تخوفه من أن تكون أياد خارجية متعددة تعبث بأمن المخيمات. وهو ما يتقاطع في المقابل مع مساع لفصائل أخرى مدعومة من قوى داخلية أو خارجية لبسط السيطرة بشكل أوسع على هذه المخيمات، مقابل تقويض حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ضرب الأمن اللبناني
جزء من هذا التوتر والصراعات المفتوحة، والتي تؤدي إلى إشكالات أو اشتباكات بين فترة وأخرى تنعكس سلباً على الواقع اللبناني، لا يمكن فصلها عن مسارات لبنانية متعددة. بعضها يدعو إلى الانعزال والانغلاق أكثر، سواء بتركيز وتفعيل الحملة على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، أو في محاولات إحراج الجيش اللبناني أيضاً، من خلال الضغوط والمطالبات التي توجه إليه للدخول وحسم المسألة. خصوصاً أن بعض هؤلاء يعتبرون أن الجيش نجح سريعاً في تفادي أي فتنة أو أزمة يمكن أن تتفاقم من جراء التوتر الذي حصل بين بشري والضنية، على خلفية حادث القرنة السوداء. وهم يطالبونه بالمثل في مخيم عين الحلوة، أو غيره من المخيمات، تحت عنوان أنه لا يمكن أن تكون المخيمات جزراً منعزلة عن لبنان وغير خاضعة لسلطة الدولة اللبنانية. علماً أن الموقف الرسمي الفلسطيني، والذي يتمثل بما أعلنه الرئيس محمود عباس وغالبية الفصائل، يؤكدون على التزام الأمن اللبناني ومنع تحويل المخيمات إلى مقر أو مستقر لضرب الاستقرار في لبنان. فيما تبقى هناك جماعات لا تلتزم بذلك وتسعى دوماً إلى التوتير.
أسئلة كثيرة، لن يكون من السهل الإجابة عليها في هذه المرحلة، لكن الأحداث المتتالية ستفتح المجال أمام الكثير من التداعيات والإنعكاسات، إلى جانب التخوف الدائم من انفجار أمني أو عسكري أكبر وأوسع، سواءً كان يتصل بالمخيمات الفلسطينيين أو مخيمات اللاجئين السوريين.