في عاداته التي أصبحت معروفة، يستطيع زعيم المختارة وليد جنبلاط استشعار هبوب الرياح. سوابقه كثيرة لا مجال لذكرها. لأنّ الأهمّ اليوم هي رياح الحرب التي استشعرها جنبلاط منذ أكثر من شهرين. ومنذ ذلك الحين يعمل بصمته المعتاد على إيجاد صيغة تجنّب لبنان هزيمة كبرى في الحرب من جهة، وتجنّبه أيضاً هزيمة في الدبلوماسية. فقرّر جنبلاط أن يطلق على ما يطرحه اسم “تسوية مقبولة” والعودة إلى اتفاق الهدنة الموقّع بين لبنان وإسرائيل في عام 1949. هذا في الداخل. أمّا الخارج فهو يتحضّر للعودة. وقد اتّضحت موازين القوى في لجنته الخماسية: الأميركي يمسك بالعصا، والسعودي يمسك بالجزرة. فماذا تقول الدبلوماسية الدولية عشيّة العيد وعشيّة عودة نشاطها الرئاسي اللبناني؟
ليس لقاء زعيم المختارة وليد جنبلاط برئيس مجلس النواب نبيه بري استثنائياً. فالرجلان صديقان وحليفان. لكنّ التوقيت استثنائي. وقرار جنبلاط بالكلام من منبر عين التينة استثنائي أيضاً. فهو دعا إلى “تسوية مقبولة لتنفيذ القرار 1701… والعودة إلى اتّفاق الهدنة عام 1949، الذي يُملي على الفريقين اللبناني والإسرائيلي منطقة معيّنة من الحدود فيها حدّ من التسلّح”.
وجدت مصادر دبلوماسية عاملة على خطّ المفاوضات الحدودية في كلام رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط من عين التينة رسالة مهمّة. فهي رسالة من جنبلاط وبرّي معاً للمعنيّ بمفاوضات الحدود، أي الحزب. رسالة يقولان له فيها إنّ الوقت ينفد، وإنّ خطر الحرب أصبح داهماً، وإنّ “ضجيج” الحرب لم يعد دبلوماسياً بل أصبح غارات جوّية لم توفّر منطقة. والآتي أعظم مع الرسائل الجدّية التي تصل لبنان عن حرب آتية “لا كبير” فيها.
أمّا عن رئاسة الجمهورية فقال جنبلاط إنّ من يرفض الحوار مخطئ. وهنا ذهبت الرسالة إلى القوات اللبنانية.
وجدت مصادر دبلوماسية عاملة على خطّ المفاوضات الحدودية في كلام رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط من عين التينة رسالة مهمّة
جنبلاط يحيي “الوسطيّة”
قرّر جنبلاط في كلمة لم تتخطَّ ثلاث دقائق أن يوجّه رسائل إلى الفريقين المتقابلين في الداخل، من منطلق “وسطيّ”، حيث يحاول الوقوف منذ سنوات.
يدرك وليد جنبلاط أنّ الحزب عالق بين أزمتين. أزمة داخلية وصلت إلى حدّ تهديد السلم الأهلي بفعل احتقان الخطاب، وأزمة حربه مع إسرائيل بفعل عدم قدرته على التقدّم وعدم قدرته على التراجع.
في الرئاسة لا جوائز ترضية وإلّا لكنّا شهدنا جنبلاط يعلن تأييده لسليمان فرنجية. وفي الحرب لا عودة إلى الوراء إلا بـ”تسوية مقبولة”، وفق وصف زعيم المختارة.
وعليه: ما العمل؟
في المعلومات أنّ جنبلاط وبرّي يبحثان عن مخرج لهذه الحرب. مخرج لن يكون الحزب بعيداً عنه شرط أن لا يتحوّل إلى فرض رئاسي يفرضه جنبلاط وبرّي مع باسيل الذي تحوّل إلى شبه حليف لعين التينة. أمّا في الحرب فهناك فرق بين اتفاقية الهدنة التي وقّعها لبنان مع إسرائيل عام 1949 وبين القرار 1701.
بين اتفاقيّة الهدنة والقرار 1701
في قراءة النصّين اختلاف ليس بسيطاً بالنسبة للمعنيين مباشرةً بالحدود:
– في اتفاقية الهدنة يتبع الخطّ الفاصل للهدنة الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل. وتنتشر على الخطّ الفاصل “وحدات دفاعية نظامية” محدّدة العدد من الجهتين. وتنظّف المناطق المزروعة بالألغام.
– أمّا القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006، فقد أنشأ منطقة عازلة خالية من أيّ أفراد مسلّحين وأسلحة غير أولئك التابعين للجيش اللبناني واليونيفيل. وذلك بين الخطّ الأزرق الذي وضعته الأمم المتحدة ونهر الليطاني. أي أنّه نصّ على تدابير تتعلّق بخفض الوجود العسكري من الجانب اللبناني فقط، معتبراً أنّ الجيش الإسرائيلي جيش نظامي ولا حاجة إلى تقييده بأيّ إجراء.
في المعلومات أنّ جنبلاط وبرّي يبحثان عن مخرج لهذه الحرب. مخرج لن يكون الحزب بعيداً عنه
فأيٌّ من الصيغتين هي الأقرب للتنفيذ؟
بحسب المعلومات هناك من يعمل، وبينهم جنبلاط في الداخل وآخرون في الخارج، على “تسوية مقبولة” تكون ما بين الـ1701 واتفاقية الهدنة. والهدف أن توقف الحرب الإسرائيلية وتوفّر سلام الحدود، لا سيما أنّ اتفاقية الهدنة في بندها الأول تنصّ على ذلك. في المقابل، يُعطى الحزب إنجازاً على الحدود الجنوبية في تثبيتها أوّلاً، وفي رفع الاحتلال الإسرائيلي عن أجزاء منها ثانياً.
هل تنجح هذه الصيغة؟
حتّى الساعة لا مؤشّرات إلى ذلك. لكنّ الأكيد أنّ هناك خيارين وضعهما كلام جنبلاط من عين التينة أمام الحزب: التسوية المقبولة… أو ضجيج الحرب.