الرئيسيةمقالات سياسيةتنبيه غربي للبنان من مسار طويل لحرب غزة

تنبيه غربي للبنان من مسار طويل لحرب غزة

Published on

spot_img

تتدرّج الرسائل الغربية التي تصل إلى لبنان، من محاولة فهم توجّه حزب الله، الى التنبيه من مخاطر حرب الاستنزاف الطويلة التي سيكون أمام لبنان، الواقع تحت سنوات من الانهيار، التأقلم معها.

دامت حرب تموز عام 2006، نحو شهر وثلاثة أيام، شهد خلالها لبنان كل أنواع القصف والعمليات العسكرية والمفاوضات الدولية التي انتهت الى القرار الدولي 1701. ورغم المدة القصيرة للحرب، لم يتمكّن لبنان من الخروج من آثارها لسنوات بعدها.

اليوم، يعيش لبنان على وقع حرب بالمعنى الحقيقي، أعلنتها إسرائيل من جهتها. والمعارك وما يجري على طول الحدود الجنوبية هما حرب أيضاً، وإن بأساليب عسكرية مختلفة، ويعلن حزب الله يومياً عن سقوط شهداء له، في معارك مفتوحة على احتمالات مبهمة، وبدأ تدفق النازحين من الجنوب قبل أن يدخل لبنان «رسمياً» في الحرب، ومع ذلك لا يزال مسؤولوه ينتظرون ما إذا كانت الحرب ستصل إليه أو لا.
مع بدء العمليات في غزة قبل نحو أسبوعين، تمحورت الرسائل الغربية التي وصلت الى الحكومة وإلى الرئيس نبيه بري، وعبره الى حزب الله، حول نقطتين: الاستفسار عن مسار حزب الله وتحذير مشوب ببعض طمأنة عن رغبة الدول الغربية في حماية لبنان وتحييده.

مع بداية الأسبوع الثالث للحرب، تخطّى ناقلو الرسائل هذه النقطة، ووصل الى الدوائر المعنية أن مسار حرب غزة طويل، وعلى لبنان التأقلم والاستعداد لمواكبة ما يجري، سواء توسعت الحرب ميدانياً أو بقيت في مكانها غير المحصور في غزة. هذا الأمر لا يتعلق بممارسة ضغط وتهويل نفسي. فما بدأ ينكشف تبعاً لذلك، أن هناك أشهراً لا أسابيع فحسب، من ارتدادات عملية غزة وما تلاها، وأن من الصعب أن تنتهي ذيول المفاوضات التي لا تزال في بداياتها، حتى مع أي وقف للنار في وقت قريب، بعدما أصبح حجم الآثار التي خلّفتها عملية حماس والحرب الإسرائيلية على المنطقة كبيراً، الى جانب انعكاساتها على أوروبا والولايات المتحدة. وهذا مفاده أن الاستنزاف الذي أصبح عنواناً لحرب غزة، سينطبق على لبنان، بما لا ينحصر فقط بحدوده الجنوبية. فما واكب مثلاً مطار بيروت، لجهة خفض العمل فيه ووقف بعض الرحلات، حدث بعيد ميدانياً عن الجنوب والعمليات العسكرية، لكنه مسّ مباشرة بمصالح اللبنانيين وسيكون مقدمة لمسارات اقتصادية وتجارية واستشفائية مماثلة تدريجاً.
لا تملك الدوائر الغربية المعنية أجوبة واضحة حتى الآن ردّاً على استفسارات لبنانية في شأن تطور اتجاه الحرب. وهنا القصة معكوسة، لا انتظار لجواب حزب الله، لأن ذلك أصبح مرتبطاً في جزء أساسي بمفاوضات مع إيران، عبر الوسطاء الإقليميين، بل انتظار لانكشاف صورة شاملة للتحرك الغربي تجاه المنطقة الذي لم ينته بعد، والذي من الصعب التكهن بنتائجه في وقت قريب. فمشهد الحشد السياسي غير المسبوق نحو إسرائيل، ضمّ حتى الآن رؤساء ورؤساء حكومات أكثرية الدول الغربية النافذة، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي، عزّزه تحرك عسكري وحشود عسكرية وكلام حول دور ما لحلف شمال الأطلسي. في المقابل، تحركت جبهات العراق واليمن وسوريا، وضُربت قواعد أميركية في العراق وسوريا، وشنت إسرائيل ضربات جوية على سوريا، واعترضت البحرية الأميركية مسيّرات وصواريخ يمنية، ووافق البنتاغون على إرسال أسلحة الى إسرائيل، في موازاة تحرّك لا يزال في بداياته للضفة الغربية، ومواجهات عسكرية ناشطة على الحدود الجنوبية اللبنانية، فيما حرب غزة تعنف يوماً بعد آخر من دون الهجوم البري. كل ذلك يقود الى مشهد شرق أوسطي جديد، لا يُنظر إليه كأنه موقت، بعدما بدأت شظاياه تطاول، قبل أن تندلع الحرب الكبرى، مصر والأردن والخلافات العربية التي ظهرت في قمة القاهرة للسلام، وانفجار متجدد للنظرة الغربية تجاه الجبهات الإسلامية.

في المقابل، وفي غمرة أصوات القصف وسقوط الضحايا، بدا كأنّ التطبيع العربي مع إسرائيل انتهى الى غير رجعة. لكن هذا ليس واقع الحال، لأن هذا الاتجاه قد يصبح أكثر جدية، في السعي لإعادة الاعتبار الى الصورة العربية الحديثة التي عملت هذه الدول على الترويج لها، وستكون اليوم أكثر حاجة لها بعد الحملات الإعلامية التي طاولتها نتيجة عمليات حماس، بعد أن تنتهي الإحاطة الإنسانية لسقوط الضحايا. هذا المسار سيترافق مع حرب استنزاف عسكرية قد تكون طويلة، ما يضع لبنان على مفترق بين مرحلتين، عسكرية وتفاوضية. وفي المرحلتين، سيكون الضغط عليه مضاعفاً في التعامل مع يومياته التي سيرزح تحتها، وستصبح أكثر صعوبة أمام الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والغذائية والاستشفائية بعد انهيارات متتالية في كل قطاعاته، منذ تظاهرات 17 تشرين الى انفجار المرفأ وانتشار وباء كورونا والانهيار المالي والاقتصادي. هذا كله في كفّة، وتوسّع العمليات العسكرية في كفّة أخرى، فكيف إذا كانت معركة طويلة وبآفاق مجهولة؟ حينها، سيكون هناك كلام آخر، يتعلق بمستقبل لبنان وموقعه على خريطة المفاوضات الإقليمية. لكن حتى الآن، ينحصر الكلام الغربي في التنبّه لليوميات لا أكثر ولا أقل، اعترافاً بأن لا كلمة مسموعة للبنان الرسمي في كل ما يجري.

أحدث المقالات

مادة انتقاد “عونيّة” لقائد الجيش!

أضاف مسؤولون في «التيار الوطني الحر» أن إجراءات الجيش اللبناني لمكافحة تهريب الأفراد السوريين...

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب...

تقويض القرار 1701… بتواطؤ دولي

يتعامل العالم مع جرائم هائلة تسحق أهل قطاع غزة وتبيدهم، بالكثير من البرود والتجاهل...

“تطابق” فرنسي-سعودي لبنانياً.. وتحذيرات حول مصير الجنوب

أصبحت الدوامة السياسية اللبنانية الداخلية “مضجرة” في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الأساسية، لا سيما...

المزيد من هذه الأخبار

“ربط الساحات” بين غزّة… والضاحية واليرزة!

تندرج زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تحت عنوانين أساسيّين فرضتهما التطوّرات الأخيرة: – تجدّد...

بين “التيار” وبكركي لا قطيعة… ولكن!

تعثرت محاولات رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لتحسين علاقته بالبطريرك الماروني بشارة...

قطر طرحت سلّة كاملة وقدّمت ترشيحَيْ البيسري وحتّي

تكاد تكون قطر الدولة العربية الأكثر قرباً من «حماس» نظراً الى حسن علاقتها بها...

محمد رعد الجار والأب

تعود معرفتي بالنائب محمد رعد إلى ما يقارب أربعين عاماً. عرفت والده كرجل فاضل...

لودريان بعد هوكشتاين…”اطلالة” على الحدود والأفق الرئاسي المسدود

فرضت تطورات الوضع الإقليمي نفسها على المشهد الداخلي، وهو ما أسهم في “تطوير” عمل...

إنقلاب عسكري بقيادة الجيش في 10 كانون الثاني؟

بعد الإنقلاب السياسي في 31 تشرين الأول 2022 بمنع انتخاب رئيس للجمهورية، وفرض الفراغ...

قيادة الجيش: لا التعيين مُيسّرٌ ولا التمديد آمن

دونما أن تكون خافية صلة الوصل بين استحقاقَيِ الجيش ورئاسة الجمهورية، إلا أن مرور...

الفرنسيّون متمسكون بـ”مرشح ثالث” للرئاسة

يحط الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت يوم الأربعاء في زيارة تستمر...

الإزدواجية العالمية: الفيلسوف الألمانيّ هابرماس يدعم إسرائيل

“إنّ حرب إسرائيل على غزة مبرَّرة مبدئياً” ولا يجوز وصفها بأنّها تشبه المحرقة أو...

الدور القطري يتكرس.. والحل اللبناني بمفاوضة “الحزب” أولاً

تسير الوقائع اللبنانية على الإيقاع الإقليمي. الهدنة في غزة تنعكس على الجنوب، والتصعيد سيقابله...

سيناريو أميركي.. بنسخة إيرانية؟

نجاح تنفيذ أولى الهدن الإنسانية في غزة، وإتمام عملية تبادل الدفعة الأولى من الأسرى،...

معادلةٌ صعبة أمام “الحزب”… وخياران في ملفّ قيادة الجيش

يقف «حزب الله» أمام معادلة صعبة في حسمه خياراته لملء الشغور في قيادة الجيش...

“رئاسة” بعد الهدنة: المفتاح بيد الحزب

تستبعد أوساط مطّلعة أن يقود استئناف الحراك الفرنسي والقطري باتجاه لبنان إلى إحداث خرق...

جبهة لبنان معلّقة… ونية لاستئناف الحرب

بموازاة حالة عدم اليقين التي تلفّ مصير «الوقفة الإنسانية» للقتال والتي سمّيت هدنة قابلة...

الخشية من “غلاف الليطاني”

تكاد الصورة تكون متعارضة كلياً، بين ما حدث في غزة صباح السابع من تشرين...